عماد توماس
بقلم: عماد توماس
"صُرَاخٌ سُمِعَ مِنَ الرَّامَةِ: بُكَاءٌ وَنَحِيبٌ شَدِيدٌ! رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَتَأْبَى أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ قَدْ رَحَلُوا! " إنجيل متى 2 :18
"صُرَاخٌ سُمِعَ مِنَ "نجع حمادي": بُكَاءٌ وَنَحِيبٌ شَدِيدٌ! "الأقباط" يبكون على أولادهم ، وَيأْبَون أَنْ َيتعَزَّوا، لأَنَّهُمْ قَدْ رَحَلُوا!".
الآية الأولى من الإنجيل الأول لمتى البشير، ببنما القول الثاني يمكن اعتباره من الإنجيل "الخامس" كما كتبه المسيحيون المضطهدون هذه الأيام.
راحيل زوجة نبي الله يعقوب، تبكي على المسببين في الرامة، التي كانت إحدى النقاط على الطريق إلى السبي، واقتبس متى البشير هذا العدد ليصف حزن الأمهات في بيت لحم عند قتل الأطفال الذكور، فقد كان البكاء والنحيب عظيمًا في الحالتين.
فما أشبه الليلة بالبارحة، فها التاريخ يعيد جزءًا مُظلمًا من أحداثه، ويتكرر العويل والنحيب من الرامة إلى بيت لحم، مرورًا بالكشح، وأخيرا نجع حمادي، فبينما كان يحتشد المسؤلون في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لتقديم التهنئة للبابا شنودة وأقباط مصر بعيد ميلاد المسيح، كانت رصاصات الغدر في نجع حمادي تغتال عددًا من الأقباط الأبرياء وهم خارجون من صلاة قداس العيد.
وُلِد المسيح في أجواء ملبدة بالغيوم الشديدة، كانت الأرض المقدسة تقع تحت نير الاضطهاد، كان السلام الروماني يسود العالم في ذلك الوقت، كان سلامًا مفروضًا بالقوة والاضطهاد، عاش الناس فترة سياسية رهيبة، فلا أمل لمستقبل أفضل، الظلم يسيطر والفقر المدقع يُخيم على أجواء الأراضي المقدسة، وكانت الحاجة ملحة لمخلص يبعث به الله من علياء سمائه ليشرق في الظلمة، فعندما سمع هيرودس الملك وتحقق من ظهور النجم من المجوس "اضْطَرَبَ وَاضْطَرَبَتْ مَعَهُ أُورُشَلِيمُ كُلُّهَا"، عندما جاء المسيح سبَّب إضرابًا هائلاً للملوك والرؤساء، فالنور يُهدد الظلمة، والعدل يقتل الظلم، والمحبة تكسر شوكة الكراهية، كذب هيرودس عندما طلب من المجوس أن يبحثوا عن الصبي، وعندما يجدوه يذهب هو ليسجد له، كانت خدعة منه، عندما يعرف مكان الصبي يذهب لا ليسجد له لكن ليقتله.
يتوافد المسؤلون على الكاتدرائية المرقسية للتهنئة بالعيد، بينما لم يذهب أحد من المسؤلين إلى نجع حمادي للتهنئة بالعيد، ولم تكن هناك حراسات كافية لهذه الاحتفالية، هل كان الأمر مُدبرًا ومرتبًا؟ هل حقا من يذهبون للتهنئة حبًا أم رياءً أم تأدية واجب ثقيل عليهم؟ تمتليء الكاتدرائية والكنائس بالمصلين...هل حقا يذهبون للاحتفال بمظاهر العيد أم بصاحب العيد؟
وُلِد المسيح ففرحت القرية بالمولود الجديد، فهو صبي وُلِد في أجواء شرقية، والشرق يفرح بالمولود الذكر، عزف العازفون ألحانهم، حلت الفرحة على هذه الأسرة الصغيرة، وشاركتهم القرية الصغيرة فرحتهم.
استعد أقباط نجع حمادي للاحتفال بالعيد، فرحة مستترة على الوجوه بعد الأحداث الأخيرة في فرشوط والكوم الأحمر، واحتفل نفر من المسلمين بعيد الميلاد بطريقتهم الخاصة، بقتل فرحة المسيحيين، مات شباب صغير السن، في حادث بشع يندب له الجبين، تحولت ليلة الميلاد إلى موت، وتحول الفرح إلى حزن.
خاف هيرودس على عرشه، لأنه لم يكن الوارث الشرعي لعرش داود، وخاف من حدوث انقلاب ضده، حتى أن اليهود كرهوه باعتباره مُغتصِبًا، ولم يكن مثل المسيح الذي جاء من نسل داود كوارث شرعي، فخاف على مُلكه من الصبي الصغير، وحاول الاحتفاظ بملكة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، أعد خطة محكمة لقتل الأطفال دون سن سنتين، حتى يضمن القضاء على الطفل الصغير، لم يدرك هيرودس أن المسيح جاء لا ليأخذ عرش هيرودس بل ليملك على قلبه.
خرج المصلون مبكرًا من قداس العيد بنجع حمادي، بعد تعليمات أمنية، ويبدو أن الجناة كانوا على علم بالخروج المبكر، فالخطة محكمة، ورصاصات الغدر جاهزة لقتل أبرياء لا ذنبَ لهم، حاولوا اغتيال الأنبا كيرلس- أسقف نجع حمادى- لكنهم فشلوا في ذلك، فأطلقوا نيران عشوائية على شباب صغار بعضهم دون سن العشرين، قتلو ما قتلو وأصابوا ما اصابو وفروا هاربين بجريمتهم النكراء.
ظهر الملاك ليوسف وقال له «قُمْ وَاهْرُبْ بِالصَّبِيِّ وَأُمِّهِ إِلَى مِصْرَ، وَابْقَ فِيهَا إِلَى أَنْ آمُرَكَ بِالرُّجُوعِ، فَإِنَّ هِيرُودُسَ سَيَبْحَثُ عَنِ الصَّبِيِّ لِيَقْتُلَهُ». هرب يوسف مع الطفل يسوع وأمه العذراء إلى مصر التي كانت ملجأ للأمان وواحة المظلومين.
يلجأ كثيرون من المسيحيين إلى الهجرة للخارج هربًا من الظلم والتمييز والاضطهاد الواقع عليهم، في فرشوط والكوم الأحمر ونجع حمادى يهرب المسيحيون من نيران إخوانهم في الوطن، تهجيرًا جماعيًا من بيوتهم وملاذهم الوحيد. بعد أن كان الناس يهربون "إلى" مصر، أصبح الناس يهربون "من" مصر!!
عندما توفى هيرودس الملك، عاد المسيح مع أمه العذراء ويوسف إلى الاراضى المقدسة مرة أخرى، لكنه أقام في الجنوب، في اليهودية التي ضمت أورشليم وبيت لحم وأريحا، وعندما علم أن ارخيلاوس يملك على اليهودية خلفا لأبية هيرودس الملك، أقام المسيح في الشمال في الناصرة، كان الأمل انه برحيل هيرودس يحل السلام والعدل، انتظر اليهود قديما محررا سياسيا حربيا مثل لاسكندر الاكبر، لكن خاب رجاءهم فلم يكن ارخيلاس أفضل من أبيه.
ينتظر الأقباط محررا عادلا أتيا لخلاصهم، نفر منهم يتطلعون إلى جمال مبارك، ونفر من الذين يبغون التغيير يراهنون على البرادعى...فهل يكون الخلاص على ايدى البشر؟
إذا كان هيرودس قد نجح فى قتل بعض الاطفال دون سن السنتينن فانه فشل فى قتل الطفل يسوع حاول عرقلة خطة الله للبشرية، لكنه اضر نفسه، مات هيرودس أثر مرض عديم الشفاء وذهب إلى القبر وقام المسيح منتصرا ظافرا على قوى الموت.
كل عام وانتم "مضطهدون" !!
http://www.copts-united.com/article.php?A=12273&I=317