إيليا مقار النهراوي
بقلم: إيليا مقار
أعلم أنه لا طلاق في المسيحية إلا لعلة الزنا كما قال الكتاب المقدس، ولكني أعلم ايضًا أن هناك زواجًا باطلاً وبالتالي فإن ما بني علي هذا الزواج الباطل فهو باطل، خاصة وأن أحد الطرفين لم ينل من هذا الزواج غير الذل والإسى، وليس في الأفق ما يشير إلى أن الأمور قد تتحسن في المستقبل بموت الطرف الغادر المخادع. لأن هذا الطرف المعتدي الآثم ليس شخصا. هذا الطرف هو... النظام.
ولكن، حان الأن وقت طلاق الكنيسة من الحزب الوطني والنظام الحاكم بأكمله، فلم يحافظ هذا الحزب وقياداته منذ قيامه على هذا الوفاء الغير مبرر من الكنيسة بل انتقل من مرحلة التغاضي عن الإعتداءات التي يتعرض لها أبناء الكنيسة، إلى المشاركة في الترتيب لها، ثم إذلال الكنيسة نفسها للقبول بهذه الإعتداءات، بل وفر المناخ الفاسد العنصري وحض على كراهية الأقباط من خلال مناهج تعليمية تعد الفرد القبطي إما لأن يكون مسلمًا في المستقبل، أو قبطيًا ذليلاً وجب عليه التنكر لدينه وإعلاء دين الآخر، كما أن هذا الشريك أطلق آلته الإعلامية وزبانيته مرتدين ثياب الحملان حينا، ومكشرين عن شراستهم حينًا يقيمون أداء الكنيسة ومدي وطنيتها بمدى إذعانها برغم ما تقدمه من تنازلات يومًا بعد يوم لهذ الشريك الفاسد.
أطلب الطلاق لأن النظام يعمد إلى قهر الإقباط وكتم صوتهم وكأنهم أقلية عنيفة ذات تاريخ دموي. أطلب الطلاق لأن هذا النظام يستطيع السيطرة على مباراة ملتهبة يحضرها عشرات الآلاف من المتحمسين بينما يقف متفرجًا عند الإعتداء على أقلية قبطية في قرية أو مدينة بواسطة مئات الهمج، فيتدخل بعد أن يكونوا قد ارتووا من دم الأقباط وعرقهم وكفاح سنينهم ليتركهم أقلية ذليلة منكسرة عليها تحمل تبعات أي فرد منها يتجرأ ويعتدي على شخص مسلم، وإن لم يعتد شخص قبطي على مسلم، يمكن إطلاق شائعة لتنطلق الكلاب علي أجساد الأقباط. والويل لمن يجرؤ على الشكوى أو المطالبة بالحق أو التعويض، فإنه يعرض نفسه لعقاب أشد في قد يكون في ليلة عيد كما حدث مع إخوتنا في نجع حمادي، لينقض أتباع النظام وزبانيته على شباب من أبناء الكنيسة في عمر الزهور، ويقف وأمامه ستة جثث هامدة وحوله زبانيته يطلقهم في القرى والمدن ليسلبون ويحرقون وكأن حرق قلوب الأقباط على قتلاهم لم يكن مذلاً بدرجة كافية.
هل انتهى الأقباط؟ هل تحمُل هذا الزواج الباطل جزءٌ من الإيمان؟؟ الإجابة القاطعة هي "بالطبع لا". هل هناك نور في نهاية النفق؟ نعم! النور يأتي من حقيقة أن الكنيسة يمكنها الطلاق والإبتعاد عن هذا الشريك المغتصب المعتدي عن طريق عدم سد قنوات الإتصال مع أي قوى وطنية مهما كانت، فلن تكون الإمور أسوأ، والأسوأ فقط قد يكون في عدد الضحايا وهو الأمر الذي أراه قادمًا لا محالة. الكنيسة التي طالما وجهت أصوات أبناءها لإنتخاب الحزب الوطني وزبانية النظام، تستطيع أن تتوقف عن ذلك الإ لو قدم لها النظام الثمن السياسي المناسب، لنصل إلى (Win-Win Situation). أصوات الأقباط في مقابل الأمان، أصوات الأقباط في مقابل المساواة. الكنيسة لديها قوة جبارة، هي قوة شعبها. في عدد من مظاهرات المهجر الأخيرة، كان يكفي أن يعلن الأسقف أنه لن يقف ضد حرية شعبه في التظاهر، كان يكفي إعلانًا خجولاً كهذا ليخرج آلاف الأقباط من بيوتهم، فما بالك أن صرخ البابا في شعبه وطلب منهم انتهاج أساليب الإعتراض السلمي كالتظاهر والإعتصامات والإضرابات وغيرها!
النور أيضًا يأتي من أن قهر السنين لم يقضي على صلابة القبطي، ولسبب أفشل في تحديده، يوجد ملايين من الشباب القبطي الذين لم يقهرهم النظام، ويفضلون التظاهر والخروج للشوارع وتعريض حياتهم للخطر بدلاً من الحياة أذلاء كما رأينا في نجع حمادي والشباب الرائع الذي تظاهر في الكاتدرائية. النور يأتي من أن الشارع القبطي بات مؤكدًا أننا –كأقباط- أحد أسباب ما يحدث لنا، بتغاضينا عن حقوقنا، ووضع مسميات مضحكة لصمتنا وتخاذلنا، كالتسامح والإنتظار والتهدئة، وبات الجميع يشعرون أن تاريخ من التخاذل والسكوت، هو الذي أوصلنا إلى هذه النقطة الفارقة.
النور يأتي من أكثر من مليونين قبطي يعيشون بالخارج وقلوبهم لم تغادر الوطن، بل والأجمل أن لديهم ابناء ربما لم يطأ الواحد منهم أرض مصر أبدًا ولكن القضية القبطية تعيش في دمائهم، قد يفتقدون في بعض الأماكن للتنظيم، ولكن الأحداث الأخيرة ساهمت في تحريكهم وتنظيمهم، وستظهر ثمار هذه الصحوة في القريب.
النور أيضًا يأتي من أن الظروف والبيئة التي حدثت فيها مذبحة نجع حمادي (2007) تختلف عن ظروف مذبحة الكشح (2000)، فالآن يوجد إعلام داخل وخارج مصر لا يرتبط بشدة بقواعد اللعبة التي تحددها الحكومة التي كانت تملي علينا ما يجب أن نقرأ وما يجب أن نرى، إلى جانب إعلام قبطي وليد يسهم في توجيه الأقباط ويدشن لمرحة جديدة بعد النجاح الرائع لعدد كبير من المواقع القبطية الإخبارية، هذا إلى جانب مئات الكتاب المسلمين المعتدلين الذين أبدعوا في كتاباتهم مستنكرين ما يحدث للأقباط.
النور أيضًا يأتي من ملايين المسلمين -المصريين بحق- الذين ظهرت معادنهم النبيلة في تعليقاتهم و إعلان إحساسهم بالخجل مما إقترفته أيادٍ آثمة.
مطلوب الإستفادة من كل هذه التحركات والظروف الصحية والبناء عليها، مطلوب الخروج من عباءة النظام المعتدي، مطلوب فتح قنوات اتصال مع كل الحركات السياسية والوطنية مهما كانت، مطلوب حركة قبطية في إطار وطني، تمد يدها للمعتدلين من المسلمين، ولا تتخاذل عن فضح كل ما يتعرض له ابناء الوطن من الأقباط.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=12626&I=324