د. عبد الخالق حسين
بقلم: د.عبد الخالق حسين
بالنسبة للشعب العراقي فإن اسم (حزب البعث) هو مرادف للشر المطلق، لأنه جلب عليه قائمة طويلة من الكوارث: الحروب والدمار والحصار الاقتصادي والمجاعة والتعذيب والحنطة المسمومة، وأبو طبر، وإبادة سكان مدينة حلبجة بالغازات السامة، ثم الأنفال وتجفيف الأهوار وحرق غابات النخيل، وقتل وتعويق وترميل وتيتيم وتشريد الملايين من العراقيين. ولكن لم يدر بخلد أحد أن يأتي يوم يدعي فيه أحد بأن حزب البعث هو الممثل الشرعي والوحيد للسنة العرب في العراق، وأن أي عمل ضده هو موجه ضد السنة العرب. أعتقد أن هذا الإدعاء هو افتراء وتجاوز على السنة في العراق. فحكم البعث لم يستثن في ظلمه أية شريحة من شرائح المجتمع العراقي.
فهل حقاً حزب البعث يمثل السنة العرب؟
لو رجعنا إلى تاريخ هذا الحزب، لوجدنا أن معظم مؤسسيه هم ليسوا من السنة العرب أصلاً، فزكي الأرزوسي هو علوي شيعي سوري من الاسكندرونة، ومشيل عفلق، مسيحي سوري، وآخرون من مختلف الخلفيات الدينية والمذهبية بمن فيهم من أبناء السنة. كما وتأسس هذا الحزب على أساس علماني ينبذ الطائفية. أما في العراق، فكان مؤسس فرع الحزب هو فؤاد الركابي، وهو شيعي من الناصرية، وأول أمين عام لقيادته القطرية.
ولكن بعد انقلاب 1968، سيطرت بلطجية قرية العوجة على قيادة الحزب وحولوه إلى عصابة مافيوية خاصة بعائلة وعشيرة صدام حسين. ويقول حنا بطاطو في كتابه القيم عن تاريخ العراق، في هذا الخصوص بما معناه، أن عشيرة صدام حسين من التكارتة انتمت إلى حزب البعث وهيمنت على قيادته، لا إيمانا بمبادئه، بل من أجل تسخير الحزب لمصلحتهم واتخاذه سلماً للوصول إلى السلطة وبالتالي إخضاع كل العراق لمصلحتهم. وبما أن أبناء هذه العشائر هم من السنة، ولدعم نظامه وبقائه في السلطة، مارس صدام حسين الطائفية ضد الشيعة لاستغلال السنة العرب لأغراضه أيضاً. وبعد سقوط حكمهم، حاول فلول البعث بشتى الوسائل إعطاء صورة إلى السنة العرب والعالم العربي أن حزبهم هو حزب السنة العرب فقط، وأن أية معارضة ضده هي موجه ضد السنة العرب. وعلى هذا الأساس شنت فلول البعث وبالتحالف مع أتباع القاعدة الوهابية، حملة الإبادة ضد الشيعة، وحاربوا الشعب تحت أسماء منظمات إسلامية وهمية من أجل حمل الشيعة على رد فعل مضاد والقيام بالمثل ضد السنة العرب، وبذلك تقع حرب طائفية مدمرة، وفوضى عارمة تفشل الحكومة في السيطرة على الوضع، وبالتالي يستطيع البعث من خلالها استعاده حكمه المنهار!!
ولما فشلت محاولاتهم تلك في إشعال فتنة طائفية، لجأ البعثيون إلى تفجير ضريح الإمامين الشيعيين، علي الهادي وحسن العسكري في سامراء، يوم 22/2/2006 بغية استفزاز مشاعر الشيعة، وقد حققوا نجاحاً محدوداً في هذا الخصوص، حيث حصلت ردود أفعال مؤسفة وتطهير طائفي في بعض مناطق بغداد، وما تبعها من تهجير قسري لأبناء الطائفتين، ولكن أمكن في نهاية المطاف احتواء العنف وإفشال المخطط البعثي. إلا إننا نعرف في نفس الوقت أن الإرهاب البعثي- القاعدي مازال مستمراً وهو ليس ضد الشيعة فحسب، بل وضد جميع مكونات الشعب العراقي بمن فيهم السنة العرب وبالأخص في الموصل والرمادي وتكريت.
وفي هذه الأيام، حيث اقتراب موعد الانتخابات، حاول بعض الرموز السياسية المحسوبة على السنة العرب، تنفيذ أجندة بعثية لإفشال العملية السياسية بشتى الوسائل، وأولى هذه المحاولات هي استخدام السيد طارق الهاشمي، عضو المجلس الرئاسي، النقض ضد قانون الانتخابات بحجة الدفاع عن حقوق العراقيين في الخارج، وهي حجة باطلة، الأمر الذي خلق أزمة سياسية تم احتوائها فيما بعد. ومن ثم بدأ السيد صالح المطلق، وهو بعثي سابق ومعروف بأنه كان يدير مزارع السيدة ساجدة طلفاح، زوجة صدام حسين، راح يطلق تصريحات ممجداً بالبعث ومتباهياً بانتمائه له، وأنه "لم يخفِ انحيازه، للنظام السابق ، إذ في إحدى جلسات مجلس النواب، كما يقول شهود، انه "يصوت باسم البعث"! ( صحيفة المدى، 10/1/2010). فهل هناك تحد لمشاعر الشعب أكثر من ذلك؟
ونتيجة لهذه التصرفات اتخذت هيئة المساءلة والعدالة قراراً بمنع 15 كياناً سياسياً من الانتخاب بسبب علاقتهم بالبعث، وذلك وفق الدستور العراقي الذي يمنع مشاركة البعث في العملية السياسية. هذا القرار أثار زوبعة من قبل المتعاطفين مع البعث والذين يسعون لإفشال العملية السياسية، ليس من العراقيين فحسب، بل ومن الإعلام العربي ودول الجوار أيضاً وبالأخص الصحافة السعودية.
ونحن نعرف مسبقاً موقف السعودية الوهابية من العراق ومنذ ولادة الوهابية في الجزيرة العربية قبل أكثر من مائتي عام، وقيامهم بغزوات السلب والنهب وقتل الأبرياء في كربلاء والنجف لأسباب طائفية. وبناءً على الموقف الحكومي السعودي من العملية السياسية في العراق، دخلت الصحافة السعودية على الخط لتظهر انحيازها لـ(قائمة الوطنية العراقية) التي تضم تحالف أياد علاوي، وطارق الهاشمي وصالح المطلق، وهم جميعاً بعثيون سابقون، على حساب القوى السياسية العراقية الأخرى، فبدأت تشن حملة ظالمة على حكومة المالكي بذريعة أنها طائفية وتنفذ أجندة إيرانية...إلى آخر الأسطوانة المعروفة المشروخة.
والمؤسف في هذه الحملة أنه حتى شخصيات معروفة بمواقفها الليبرالية المؤيدة لتحرير العراق، مثل الأستاذ عبدالرحمن الراشد، وطارق الحميد، انضما مؤخراً إلى جوقة المدافعين عن حزب البعث بذريعة الدفاع عن السنة العرب، معتبرين إبعاد البعث عن الانتخابات هو حرمان العرب السنة. وفي مقال للسيد طارق الحميد راح يعزف نفس النغمة النشاز، إذ قال في مقال له: "فمع قرار ما يسمى بهيئة العدل والمساءلة، أي هيئة اجتثاث البعث، بحظر مشاركة المطلك وكتلته، تكون عملية اجتثاث البعث قد ماتت، ووجب نعيها، نظراً لأنها فقدت مصداقيتها تماماً، وهي التي كانت تعاني من نقص المصداقية أساساً، حيث تتهم بأنها عملية ممأسسة للانتقام من شريحة عريضة من مكونات الشعب العراقي. ولذا فلا غرابة في أن يعتبر المطلك ما حدث بحقه عملية «تهميش» للعرب السنة؛ فالواضح الآن أن هيئة اجتثاث البعث قد تحولت إلى قانون اجتثاث السنة." (الشرق الأوسط، 10/1/2010).
يبدو أن الكاتب نسي أن قرار هيئة المساءلة والعدالة جاء بناءً على مادة دستورية تمنع مشاركة البعثيين في العملية السياسية، وليس موجهاً للسنة العرب، وإن صالح المطلق هو نفسه لم يخف انحيازه للبعث عندما قال أنه يصوت باسم البعث.
كذلك ينتقد البعض بحسن نية أو سوئها، قرار هيئة المساءلة والعدالة بإبعاد المطلق وغيره من البعثيين بأنه خطأ في التوقيت وأنه جاء متأخراً. السؤال هنا ليس فيما إذا كان القرار متأخراً أو جاء في وقته المناسب، بل يجب أن نسأل: هل القرار دستوري أم مخالف للدستور؟ الجواب واضح، أنه جاء تنفيذاً للدستور الذي يمنع مشاركة البعثيين في العملية السياسية ويجب أن يصدر حتى ولو متأخراً، إذ كما تقول الحكمة: أن تصل متأخراً أفضل من عدم الوصول نهائياً. كذلك فإن قرار الهيئة لم تنفرد بالمطلك وحده كما يدعي البعض، بل شمل 15 كياناً سياسياً ونحو 400 مرشحاً من مجموع 6539 مرشح. (تقرير إيلاف، 11/1/2010).
كما واتخذ البرلمان خطوة صحيحة يوم أمس (11/1/2010) (باختيار سبعة قضاة رشحهم المجلس الأعلى للقضاء، سيشكلون هيئة تمييزية للنظر في الطعون التي تقدمها الكتل السياسية والمرشحين للانتخابات التشريعية المقبلة ضد قرارات هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث بحظر مشاركتهم فيها..). وقرار الهيئة التميزية ملزم لجميع الأطراف. وهذا هو الحل الصحيح.
ولكن هل هذا القرار سيسكت المدافعين عن البعثيين وأشباه البعثيين؟ كلا، لأنه من الآن راحوا يطعنون بقرارات الهيئة القضائية واتهامها بالانحياز وأنها ليست مستقلة حتى وقبل ولادتها. كما وراح آخرون من الآن يشككون بنزاهة الانتخابات القادمة كتبرير مسبق لفشلهم فيما إذا فشلوا ذلك لإلقاء اللوم على شماعة الآخرين.
خلاصة القول، يجب أن لا نستهين بخبث البعثيين وقدراتهم على المناورة والغدر لتخريب العملية السياسية، لذلك يجب على المخلصين لمصلحة العراق وللعملية السياسية وبالأخص أعضاء (هيئة المساءلة والعدالة) أن يبذلوا قصارى جهودهم لتطبيق الدستور، وسد الطريق في وجوه البعثيين وأنصارهم، لمنع محاولاتهم الخبيثة لتخريب العملية السياسية، فالشعب العراق ليس بإمكانه تحمل المزيد من كوارث البعثيين.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=12739&I=326