رسالة إلى حزب الكنبة

ذياد العليمي

 عزيزي المواطن المصرى العازف عن المشاركة ـ بلغة الباحثين ـ أو عضو حزب الكنبة، كما تحب تعريف نفسك، لسنا غرباء عن بعضنا البعض، فأنت جارى الذى يبتسم لى كلما قابلنى الابتسامة المتحفظة، ويسألنى إحنا رايحين على فين؟، وبعد حوار قصير ينتهى بـ«مش كفاية بقى»، أو جدتى التى تتصل بى يوميًا لتطمئن أننى ما زلت ببيتى، واعتادت أن تكررالجمل ذاتها بشكل روتينى منذ أول مرة قبض على فيها: «عليك بإيه يا ابنى من ده كله»، ثم زاد عليها بمرور الزمن «خلى بالك من ابنك وركز فى شغلك وربيه كويس وبلاش وجع دماغ ع الفاضى» أو أحد أصدقائى أو أقاربى، الذين يقابلوننى دائمًا بجملة «با ابنى إنت بتنفخ فى قربة مقطوعة ريح دماغك مفيش فايدة».

 
وعندما تترك العنان لخيالك ستجدنى قريبًا منك جدًا قد أكون ابنك، الذى يقول لك إنه سيخرج مع أصدقائه، ثم تفاجأ بأنه خرج فى المظاهرات، أو ابن صديقك، الذى اعتقل أكثر من مرة، وتحاول أن تبعد ابنك عنه، أو ابن جيرانك الذى استشهد، ولم تر فى ذلك سوى أنه لم يكن مسؤولًا، وخرج من أجل الوهم، الذى ضحك عليه به، ولم يعبأ بما يلاقيه والداه الآن من عذابات فقد الابن.
 
ولأن كلا منا يحاول أن يعرف الآخر ليبرر لنفسه موقفه العدائى منه، فابتعدنا عن بعضنا أكثر وأكثر، واختار كل منا أن يوجه أصابع الاتهام بالمسؤولية عما يحدث للآخر، رغم أننا نتقابل مئات المرات يوميًا، وقد نكون فى البيت نفسه، واستكمالاً لتبرير موقفك صدقت كل ما يقال عنا، فأصبحنا فى نظرك إما مأجورين أو عملاء أو مضحوكا علينا أو سذجا فى أحسن الأحوال، بينما يراك بعض زملائنا واحدا ممن تسبب فيما نحن فيه بصمته سنوات طويلة، ثم قتلنا بصوته عندما أدلى به فى انتخابات ليجعلنا بين خيارين كلاهما مر.
 
والحقيقة أنك لست هذا، ونحن لسنا ذاك، فأنت تنشد الاستقرار، وتخشى التغيير، فلم تر فى تجهيز جمال مبارك للحكم خلفًا لوالده مشكلة على اعتبار أن «اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفهوش»، وكنت ترى ضرورة إعطاء مبارك الفرصة، التى طلبها لتهيئة الأوضاع، ثم رأيت فى المجلس العسكرى الأول المنقذ، الذى سيعيد الاستقرار، واتهمت الثوار بأنهم يسعون لهدم الجيش عندما كانوا يحذرون من مخطط تسليم البلاد للإخوان، وبعدها اتهمتنا بأننا لا نريد أن نعطى فرصة للإخوان، والآن تلومنا على كل ما حدث.
 
ونحن خرجنا من قبل ٢٥ يناير نحلم بوطن يسعنا جميعًا بقدر اختلافنا، عماده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، انتصرنا عندما صدقتنا أنت فقط فى آخر أيام كل من مبارك ومرسى، ونهزم بترديدك الاتهامات ضدنا وتصديقك لنا، فاسأل نفسك على مدى أكثر من ثلاث سنوات حكم فيها كل من أراد القضاء على ما نمثله فاتهمونا، ورددت أنت الاتهامات، لكن لم يقدم أى منهم أى شخص ينتمى للثوار للمحاكمة بتهم تتعلق بالعمالة أو التمويل أو غيرهما، ألم يثر هذا شكوكك؟
 
نحن مثلك نحلم بالاستقرار، لكننا نرى أن هذا الاستقرار لن يأتى سوى بالعدالة، والديمقراطية، والقصاص لزملاء رأيناهم يقتلون عزلا أمامنا فقط، لأنهم حلموا بحياة أفضل لنا ولهم، حاولنا ونحاول، وسنحاول أن نبنى وطنا نستحقه وتستحقه، فإن لم تكن عوناً لنا فى تحقيق هذا الحلم لا تقبل أن تكون عقبة فى طريقنا، فالحرية آتية لا محالة، والديمقراطية ستأتى حتما، والقصاص لا بديل عنه، ودولة الاستبداد إلى زوال عاجلا أم آجلاً، فلا تكن عونًا ـ دون أن تشعر ـ لها فى الاستمرار فترة قد تكون أنت أو أحد أبنائك ضحية لها.

نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع