لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

مجدي جورج

بقلم: مجدى جورج
تذكرت عبد الفتاح القصري فى فيلم إسماعيل ياسين في البوليس عندما صرخ قائلاً "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم"، وذلك عندما وجد ابنته زينات صدقي في حضن إسماعيل ياسين فأطلق هذه العبارة مهددًا إسماعيل ياسين إما الزواج من ابنته التي فاتها قطار الزواج أو القتل، فخاف اسماعيل وتزوج من هذه الفتاة الكبيرة الدميمة.
نعم تذكرت هذه العبارة وأنا أرى الدولة بجميع مسئوليها وغالبية وسائل الإعلام فيها تحاول أن توحي لنا كأقباط وللعالم الخارجي أن مذبحة نجع حمادي جريمة جنائية وليست طائفية، وأن دم الشهداء الذي سال وأريق كان ثأرًا للشرف المسلم الرفيع الذي أذاه الشاب القبطي جرجس.

مع أن المذبحة التى ارتكبها الكموني وشريكيه هي جريمة طائفية مليون في المائة وذلك للآتي:
- أن الثأر في الصعيد له قواعد وأهمها أنه لا يمكن أخذ الثأر من أي فرد بعيد عن عائلة المتهم، ولكن هؤلاء الجناة قتلوا الشهداء الأقباط دون أي سابق معرفة بهم.
- المكان.. فلا يمكن أن تكون حادثة غير طائفية والجناة اختاروا أن يمطروا الشهداء بالرصاص أمام مطرانية الأقباط.
- الزمان.. فاختيار ليلة عيد الميلاد لاستهداف الشهداء تدلل بشكل لا لبس فيه على أن الجريمة طائفية مائة في المائة.
- الأشخاص.. فاختيار أشخاص المصابين والشهداء وتصويب الرصاص إليهم هو قتل على الهوية، وحتى الشرطي المسلم قُتل بالخطأ ظنًا من الجناة أنه مسيحي.
نأتي الآن إلى جرجس، الشاب القبطى المتهم باغتصاب الطفلة المسلمة. والشاب القبطي محور حديثنا هنا هو جرجس بارومى جرجس والذي يُقال أنه بائع فراخ في قرى مركز فرشوط، يدخل بيت المسلم كما يدخل بيت المسيحي، والطفلة التي اتهم فيها هي الطفلة يسرا محمد عبد الوهاب لأسرة مسلمة تعيش فى قرية الشقيفي القريبة من فرشوط والتي كانت عائدة لقريتها على دابتها (حمارها) الساعة العاشرة صباحا يوم 18 نوفمبر 2009، عندما اعترض سبيلها جرجس -كما قالت الطفلة في تحقيقات الشرطة- وواقعها بالإكراه.

وهنا وقبل أن نتحدث عن كون جرجس متهم أو بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب دعونا ننظر لبعض الحقائق والمسائل الآتية:-
1- إذا كان الاغتصاب والانحراف غير قاصر على دين معين أو عرق معين إلا أن حال القبطي المصري الذي يعيش في خوف ورعب لا تجعله يجرؤ وخصوصًا فى الجو الطائفي البغيض الذي نعيش فيه على التحرش بأي طفلة أو فتاة أو امرأة مسلمة، فمبالك باغتصابها وهو الذي يعلم علم اليقين أن إخوانه الأقباط قُتلوا في ديروط وملوي وغيرها لأن هناك بعض الإشاعات التي تتحدث عن علاقات محرمة بين شباب أقباط وبنات مسلمات؟
2- تقول تحقيقات الشرطة أن والد الفتاة بعد أن رجعت ابنته للمنزل واخبرته بما حدث وحددت أوصاف الجاني جرى وراء جرجس (الذي كان يستقل تريسكل) ولحقه على مزلقان فرشوط وأمسكه وأوصله لقسم الشرطة، وهنا لا بد لنا أن نلاحظ أن جرجس لو كان ارتكب هذه الجريمة فلا بد أنه يدرك أنها جريمة شنيعة في مجتمع الصعيد وأنه كان أولى به أن يحاول الهروب بجريمته والاختباء في أي مكان، وخصوصًا وهو يملك وسيلة سهلة للهروب وهو التريسيكل، فكيف بالله عليكم يستمر الرجل في عمله متنقلاً من بيت إلى بيت ويعود مطمئن حتى يتم القبض عليه من والد الفتاة على مزلقان فرشوط بعد الحادثة بساعتين؟!!
3- ثم كيف في مجتمع كمجتمع الصعيد المشهور بالثأر لا يقوم والد الفتاة بالأخذ بالثأر من هذا الشاب جهارًا نهارًا؟ وكان القضاء أكيد سيبرئه لبشاعة الجريمة ولأن المغتصب قبطي. ولماذا لم يفعل كما تم في حادثة ديروط التي قام فيها الجناة بقتل والد الشاب القبطي الذي قيل أنه على علاقة بابنتهم في قلب مدينة ديروط وبأكثر من 140 رصاصة وأمام أعين رجال الشرطة؟ أم أنكم تحاولون إقناعنا أن والد هذه الفتاة أكثر تحضرًا وتمدنًا واحترامًا للقانون من كل ما حوله؟!!

4- لا بد من أخذ كلام الأستاذ طلعت السادات "المحامي وعضو مجلس الشعب" مأخذ الجد وضمه للقضية، بل محاولة إقناعه بالانضمام لفريق الدفاع عن جرجس فربما يملك معلومات بحكم نشاطه وموقعه لا يعرفها الكثيرين. فكلامه في أحد البرامج التلفزيونية حول كون الفتاة "مستعملة" بنص كلامه يعني أنه ربما تكون الأسرة والبنت رغم صغرها سيئة السمعة، خصوصًا وبحسب ظني كيف تترك فتاة في مثل هذه السن لتركب حمارها وتنتقل من مدينة فرشوط إلى قريتها وحدها هكذا إلا لو كانت تعي وتعرف كل شيء. أو أن البنت سبق اغتصابها من أحد أقاربها وحاولوا إلصاق التهمة بهذا الشاب القبطي وتُركت القضية دون حسم حتى جاءت هذه المذبحة فحاولوا استغلالها لتبرير المذبحة.
5- هناك إحصائية تقول أن هناك 20000 عشرون ألف حالة اغتصاب سنويًا، فهل بالله عليكم حُكم على كل مغتصب فيها بالإعدام حتى تطالبوا بإعدام جرجس لو ثبت قيامه بذلك؟ وهناك العديد من حالات اغتصاب الأطفال في مصر، فكلنا نذكر الطفلة هند ذات الأحد عشر عامًا والتي شاهدناها في الكثير من البرامج التلفزيونية وهي التي حملت من حادث اغتصاب ووضعت طفلة صغيرة وللآن لم نسمع عن إعدام مغتصبها رغم معرفتها له.
وكذلك هناك العديد من الحوادث الأكثر بشاعة من حادثة جرجس (لو كان فعلاً قام بها) ولكن الأحكام لم تكن أبدًا إعدام، فالأب الذي اغتصب ابنته ذات الـ15 عام عدة مرات والتي حملت منه في الإسماعيلية لم يُحكم عليه إلا بالمؤبد كما جاء بجريدة اليوم السابع

وهناك 120 ألف جريمة جنسية في مصر كما تقول مجلة روزاليوسف أغلبها اعتداءات على أطفال 

 لم نسمع عن اهتمام الرأي العام والمسئولين بأي منها قدر اهتمامهم بجريمة طفلة فرشوط المزعومة.
6- ثم نأتي إلى التقرير الطبي الذي كُتب بعد دخول الفتاة للمستشفى الساعة السادسة -أي بعد ارتكاب الواقعة بـ8 ساعات كاملة- والمنشور بعضه بالكتيبة الطيبية، والذى تشكك منه في حدوث عملية الاغتصاب، فلا توجد إصابات إلا خدش صغير بالوجه وهذا سهل صناعته، بينما لو كانت العملية اغتصاب لكانت هناك مقاومة من الطفلة وكانت ستظهر على نصفها الأسفل وليس على وجهها، ثم أن الإيلاج غير كامل ويشكك التقرير فيما إذا كانت الإصابة الصغيرة الموجودة بغشاء البكارة بسبب اغتصاب من آخرين.

7- أخيرًا نأتي للجو الذي يحاكم فيه المتهم على جريمته، ومن المعروف أنه طالما متهم فالقاعدة القانونية تقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكننا رأينا بأم أعيننا كيف يتعامل الجميع مع جرجس الكل اتهموه وحكموا عليه، ونقابة المحامين في قنا منعت أي محامي من الدفاع عنه وسلط الإعلام سهامه عليه والمسئولين في مصر وجدوا فيه كبش فداء لتبرير اغتصابهم لحقوق الأقباط.
والكنيسة في نجع حمادي تصرفت بخوف وجبن وحاولت تقديم جرجس أيضًا كبش فداء (كما قرأت في الصحف وأرجو أن يكون هذا النبأ خطأ) بأن ذهبت إلى أسرة الفتاة تعرض عليها تسلميها الشاب جرجس كي ينتقموا منه بأنفسهم درأ للعداوات وكأن البلد ليس بها قانون.
وكأن جريمة جرجس (لو كان ارتكبها فعلاً) هي سبب كل الجرائم الطائفية التي تُرتكب وارتكبت ضد الأقباط، فالكشح واستشهاد 20 قبطيًا فى احتفالات الأقباط بأعياد رأس السنة والميلاد في بداية عام 2000 لم تكن إلا بسبب جرجس الذي هتك عرض يسرا محمد، والزواية الحمراء التي استشهد فيها أكثر من مائة قبطي في الثمانينات كانت لغسل عار المسلمين الذي دنسه جرجس، وأبو قرقاص التي دخل فيها الإرهابيين إلى قلب الكنيسة في التسعينات أثناء اجتماع الشباب لم تكن جريمة طائفية بل كانت بسبب جنائية وبسبب جرجس أيضًا.

يا سادة.. حاكموا جرجس محاكمة عادلة ولو كان بريء يجب أن تفرجوا عنه فورًا.
وإن كان متهم فنحن مع ضرورة معاقبته العقاب العادل والمماثل لكل العقوبات التي وقعت على غيره، فلا يجب تغليظ العقوبة على جرجس لأنه قبطي اغتصب مسلمة وتبرئة محمد الذي اغتصب مريم القبطية لأنه أرغمها على الإسلام وتزوجها قهرًا وغصبًا.
يا سادة.. حاكموا جرجس ولكن حاكموا قبله كل الشباب المسلم الذين خطفوا مئات الفتيات القبطيات القصر واغتصبوهن وتزوجوهن قبل سن الزواج الرسمي.
يا سادة.. أفيقوا يرحمكم الله، فجرجس هو عاركم الذي لن يُمحى أبدًا. فهو عاركم سواء أكان برئ ونجحتم في تستيف الأوراق وتظبيط محاضر البوليس والنيابة والطب الشرعي كي يدنيه القضاء ويشيل القضية كي تبرروا جريمتكم وجرائمكم الطائفية المستمرة في حق الأقباط.

وهو عاركم أيضًا لو كان مذنب، فلا يمكن أن تكون مذبحة نجع حمادي رد على فعل على جريمته، فمعنى ذلك أن مصر ليست دولة مؤسسات ولا قانون ولا يحزنون وأنتم تقولون ذلك لكل مصري "خد حقك بذراعك بلا قانون بلا قضاء بلا نيلة".
يا سادة.. الجريمة ليست اغتصاب شاب قبطي لطفلة مسلمة، ولكن الجريمة إنكم اغتصبتم حقوقنا جميعًا أقباطًا ومسلمين. حصرتمونا وحصرتم أفكارنا في الدين ومسائله فأصبحنا ننام ونصحو على الدين وجعلتم الناس تعيش لخدمة الدين وليس العكس، مع أن الدين وُجد لسعادة وخدمة الإنسان فوصلنا بمنهجكم لهذا الجو الطائفي المقيت الذي يقتل فيه الإنسان المسلم أخيه الإنسان المسيحي دون ذنب أو جريرة إلا لمخالفته في العقيدة.
فأرجوكم أن تصلحوا الأوضاع وتعترفوا بالمشكلة الطائفية الآن وقبل فوات الأوان، لأن أول طرق حل أي مشكلة هي الاعتراف بوجودها، فقولوا أن هناك طائفية مستشرية في مصر وأننا سنفكر معًا في حلها. افعلوا هذا أو ارحلوا بسلام أفضل لنا ولكم.

Magdigeorge2005@hotmail.com