الليبراليه بين اليمين و اليسار (2)

أدولف موسى

بقلم: أدولف موسى
تحدثت فى مقالى السابق عن الليبراليه السياسيه و اليبراليه الفكريه و اود ان استرسل الحديث عن التيارين الرئيسين الاخرين فى السياسه و هم التيار اليمين و التيار اليسار.
فلنكمل اولاً باليمينى: اجتمع علماء السياسه على تسمية المحافظين باليمينين. مع ان هذا المصطلح يستعمل فى قاعده عريضه من اليميين التى يمكنها الوصول بها الى اليمين المتطرف و هذا يدخل كما قلت سابقاً تحت ما يسمى بالعنصريه.
من هم المحافظين؟

كما يدل الاسم "المحافظين"، فهم متواجدون فى كل مجتمع دون استثناء و قد ورثوا من اجدادهم قواعد اساسيه اجتماعيه، سياسيه حتى تصل الى عقائديه معينه و تكاد تكون ثابته و هم يَصِّرُون على اتباعها لانها تخصصت بمجتمعهم الشخصى و هم اصحاب انتقاء هذه القواعد لإيمانهم بتماشيها مع مجتمعهم. لم تُحَّدد هذه القواعد كخطوط اساسيه لكل ما يتماشى مع هذا المجتمع بل حددت لما يروا فيه اساسيات لمجتمعهم و هذه الاساسيات تختلف من مجتمع الى آخر. فكانت هناك المجالات الحيويه كما ان هناك ايضاً مجالات اخرى اعتبروها ثانويه تم وضع قوانين لها و لكنهم تركوها قابله للتغير لاعطاءها مجال التغير حسب ما يحدث من تطور لهذا المجتمع و مدى ضرورة تغير بعض النقاط الثانويه لمراعاة المجتمعات الاخرى التى يحتك بها هذا المجتمع. يمكن ان يحدث لفئه معينه من هؤلاء المحافظين ان تأتى لهم فكرة ان كل ما كانوا الاولون قد حددوه لابد من اتباعه بدون تغير و ليس هناك قواعد ثانويه بل كل ما حُدِدَ من قبل هو اساسيات و لا هناك مجالاً لاى نوع من انواع التغير. فى هذه الحاله يسمى هؤلاء بالمتطرفين او العنصريين لانهم يتمسكوا بمبادئ عنصرهم فقط و لا يقبلون افكار الاخرين او حتى وجودهم معهم فى نفس مجتمعهم لان الداخلين على هذا المجتمعفى نظرهم يأتوا اليهم و معهم افكارهم و حضاراتهم و كدخلاء على المجتمع الجديد يريدون اتباع قواعدهم التى جاءت معهم و التى لا تتماشى مع المجتمع الذين يرغبون العيش فيه. يحاولون هؤلاء الدخلاء ان لا يتأقلموا بالمجتمع الجديد لهم بل يضغطوا على المجتمع الجديد الذين هم دخلاء عليه لتغير نفسه لكى يتماسا معهم و هم الغرباء. المحافظين يميلوا الى التيار الاقتصادى الذى كان متبعاً فى العصور القديمه و ايضاً الى يومنا هذا و هو:

الذى يعمل يأكل و من لا يعمل حتى لاى سبب من الاسباب ليس من حقه حتى ان يأكل لانه فى ذلك الحين يعتبر عاله او جرسومه على المجتمع، يعيش ليستفيد من المجتمع دون ان يرد له ثمن الاستفاده، فتكون هذه منفعه من طرف واحد و هذا لهم غير مقبول. ايضاً كل من يعمل اكثر له حق فى الاقتناء اكثر حتى لدرجة الوصوله الى اقتناء المجتمع كله، هذا الاحتمال قائم. و هذا يسمى بالرأسماليه و سوف اطرح عيوبها و منافعها فيما بعد.
و لنأتى الى اليسارين: و هم من يبدؤا بمن يسموا بالاشتراكيين و يصلوا الى اقصى اليسار و هم بما اسموهم بالشيوعيين (كما قلت من قبل ان كثيرون يظنون ان الشيوعيه مبدأ عقائدى و هو عدم الاعتراف بوجود اديان و هذا خطأ لان الشيوعيه هى مبدأ سياسى و اقتصادى).
المبدأ الاشتراكى هو باختصار:
- الذى لديه لابد ان يقسم ما لديه مع من ليس لديه و لكنه يفتح المجال لحرية الامتلاك الشخصى ككل.
-  على القياده الوقوف بجانب كل محتاج لمساعدته فى الخروج من ازمته.
-  لكل انسان حق الحياه و حق فى الحصول على اهم ملتزماته فى الحياه حتى و ان كان لا يستطيع اطعام نفسه من عمله.
سوف اسرد ايضاً فيما بعد الايجابيات و السلبيات لهذا المبدأ.

اما المبدأ الشيوعى فهو:
-   ليس لأحد ان يقتنى اكثر من الاخر.
-  المساواه التامه فى توزيع ما هو موجود من ثروات او دخل هذا المجتمع. من اين جاءت هذه الثروات او هذا الدخل؟ من هو الذى تسبب فى وجود ما هو موجود؟ هذه ليست المشكله بل لابد ان يُحْسَم انه ليس لأحد ان يعلوا فى هذا المجتمع الى حد الوصول الى التحكم فيه عن طريق استخدام نفوذه التأثير على مسار المجتمع لقدرته فى التحكم فى الحركه النسبيه لرأس المال.
-  حق الاقتناء او الامتلاك ليس من حق الفرد كفرد بل من حق المجتمع ككل، فكل شئ فى المجتمع هو ملك لكل المجتمع و الساكنين فيه.
هذه هى نبذه مختصره جداً و لكنى سوف اذكر ايضاً ايجابياتها و سلبياتها فيما بعد.

كل هؤلاء التيارات التى ذكرتها حتى الان مهما كانت بشاعتها الا انها مستحيل ان تكون ببشاعة التيار الرابع الذى اريد ذكره الآن لأن كل هذه التيارات مُسَّلَم بها من مخترعيها و من المجتمعات التى تطبقها انها عمل بشرى و للانسان الحق فى تغيرها و لن تكون مصيبه وراء ذلك. كثير من الناس يظنون ان التيار الشيوعى هو اكثر التيارات توحشاً فقط لأن المجتمعات التى طبقته استعملت طريقه الديكتاتوريه و القمع لشعبها لتجبره على قبوله حتى ضد ارادته.
ماذا اذا كان هناك تياراً فاسد، ديكتاتورى مهين للآدميه و لكن ينجح مقدميه عن طريق الدروشة و غسل امخاخ الناس فى ان الناس انفسهم هم الذين يصرون على تطبيقه رغم الأذى الرهيب الآتى منه؟ ان بيع الوهم الى الناس ليس اسهل منه و لكن هناك متطلبات لابد ان تهيأ لها هذه العقول لتصبح ارض خصبه لغرس هذا النبات الشيطانى اللعين فيه و ايجاد مناخ لهذا الزرع الشيطانى فى النمو السريع و مد جذوره فى عقليات هؤلاء الناس ليصل لدرجة التحكم التام فى هذه العقول و استحالة التخلص منه. من اهم هذه المقومات:
- الجهل و الحفاظ على الظلام الفكرى
- سلب الثقه من هذه العقول ان لها القدره على التفكير
- الاتجاه الى تثبيت فكرة ان هناك مجهول عظيم قاهر جبار متوحش يصدر اوامر و فرامانات ليس لاحد حق النقاش فيها او فهمها لكن لابد من اتباعها و الا غضب هذا الجبار عنهم و عاقبهم عقاباً لا يتحمله احداً لانه عقاب الم يراه احداً من قبل.
- بمعنى آخر، الخوف بل الرعب من المجهول الذى لا يعرفه الا الافاقين و المستنفعين من وراء خوف الناس من المجهول و قدرتهم البارعه على بيع الخوف المقرون بالجهل للناس.

هذا التيار يسمى بالتيار العقائدى. لكن ما هو هذا التيار و ماذا تعنى كلمة عقيده؟
هذا التيار يرتكز على ما يعتقد به الانسان لأن كلمة عقيده جاءت من اعتقاد، اى ما اعتقد به هو ما لست واثقاً تماماً به و بحقيقته بل فقط لاغير مجرد اعتقاد. كيف يمكن لمجتمع تطبيق ما هو فقط يعتقد به و يجعل هذا الذى فقط يعتقد بجودته ان يتحكم فى كل شئ فى حياته؟ هل مجرد وجود كتاباً كتبت فيه بعض الاشياء، كانت هرطقات او مُسَّلمات او حقائق، و لكنها غير معلومة الهويه او معلوم مصداقية منبعها او من كتبها او من اصدرها لكن كتب على عذه النصوص انها محفوظه فى مكان ما، ايضاً هذا المكان مجهول، و لا يمكن تحريفها، هل هذا كافى لوضع خاتم المصداقيه عليها و لابد ان تتبع كمُسَّلمات؟ و السؤال هو: لماذا وجد للانسان عقل ليفكر به ما دام كل تشريع يملى عليه و ليس لهذا الانسان ااحق فى ان يناقشه او ينقده او حتى يفهمه؟
سوف اُكْمِل فى المقال القادم ان اُذِن لى.

لقراءة الجزء الأول من المقال انقر هنا

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع