لماذا لا أحب الأعياد؟

د.نوال السعداوي

 بقلم   د. نوال السعداوى 

من بعيد، كأنما من وطن آخر، جاءتنى أصوات الاحتفالات بالسنة الجديدة ٢٠١٤، أفراح القادرين على الفرح والشراء من السوق الحرة، وأغلب الناس غارقون فى الفقر والحزن، يقضون العيد مع موتاهم فى القبور.
 
منذ طفولتى أكره الأعياد، يتلقى أخى ضعف نصيبى من العيدية رغم أنه يسقط فى الامتحانات وأنا أنجح بتفوق، يخرج بدون إذن ليلعب مع أصحابه ويركب البسكليتة ويبرطع فى كل مكان بحذائه الجديد، وأنا أبقى بالبيت لأساعد أمى فى الطبخ والكنس، عندما أغضب يقولون، أمر ربنا، وأغضب من ربنا فينتفضون ويتسابقون لعقابى نيابة عنه.
 
ثم يناقضون أنفسهم ويعاملوننى كطفلة قاصرة غير قادرة على حماية نفسى إن خرجت وحدى، ويتحول أخى الطفل الأصغر إلى رجل قادر على حمايتى. كنت أندهش من تناقض الكبار، كيف يرون الطفلة بالغة الرشد مسؤولة عن سلوكها خاضعة للمحاسبة والعقاب والشغل بالبيت وخدمة أفراد الأسرة (والزواج من رجل فى عمر جدها)، فى الوقت نفسه يرونها طفلة قاصرة فيما يخص حقوقها وحريتها فى الخروج من البيت والاستمتاع باللعب فى العيد. يبررون التناقض بأنه أمر الله، فالله هو الذى خلق البنت وهو الذى خلق الولد، إرادة الله يجب الخضوع لها دون مناقشة أو تذمر، لكن عقلى الطفولى لم يتصور أن يكون الله متناقضا أو ظالما، وهم يقولون إنه العدل.
 
لم تكن أسرتى من الجهلاء بل من المتعلمين تعليما عاليا، ولم تكن أسرة تقليدية بل كانت أكثر تحررا من أغلب الأسر المصرية، سمحوا لى بالذهاب إلى المدرسة، ومن حسن حظى كان أخى بليدا يسقط فى الامتحانات، خابت أحلام الأسرة فى الولد، فتحولت أحلامهم إلى البنت المتفوقة فى العلم، أدى ذلك إلى مواصلة التعليم العالى واستقلالى الاقتصادى بالعمل المنتج، هكذا خرجت من قبضة القدر الذى قبض على أرواح البنات مثيلاتى.
 
تظهر التفرقة بين الناس أكثر وضوحا فى أيام الأعياد، تراها عيون الأطفال (أكثر من عيون الكبار) قبل أن يطمس عيونهم التعليم والتربية القائمة على الخوف من النار والطمع فى الجنة. تكشف الأعياد التفرقة بين الأطفال جنسيا وطبقيا، ينزوى الطفل الفقير بحذائه البالى القديم يجتر الحزن والهوان، يسمع أن الله هو الذى خلق الفقير وخلق الغنى، لكن عقل الطفل الذكى بالفطرة لا يصدق أن الله يمكن أن يكون ظالما إلى هذه الدرجة، مع ذلك يخضع الطفل لمنطق الكبار غير المنطقى.
 
المدارس خاصة الحكومية، تؤكد التفرقة بين البنات والأولاد، وبين الفقراء والأغنياء، وبين الأقباط والمسلمين، وغيرها من أنواع التفرقة بين البشر. يتلقى التلاميذ الفقراء (خاصة البنات) تعليميا دينيا مخيفا أكثر من الأولاد، خاصة من يذهبون إلى المدارس الخاصة أو الأجنبية،
 
يرث هؤلاء الأولاد المحظوظون عن آبائهم كراسى الحكم، إذ تلقوا تعليما أفضل، لهم أيضا وساطة قوية وكبارى متينة مع السلطة الحاكمة.
 
تكشف الأعياد العورات جميعا، لهذا لا أشارك فى الاحتفالات وأنسى يوم ميلادى لولا الصوت الطفولى يأتينى عبر الأثير: كل سنة وأنت طيبة يا أماه.
نقلأ عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع