من ينقذ طلعت حرب من الإعدام
وائل السمرى
هى مسرحية تجمع ما بين خفة الظل وثقل الوعى، رشيقة فى تفاصيلها، غنية فى حواراتها، سهلة عند التلقى، عميقة التأثير، تتشارك فى بطولتها أسماء حفرت لنفسها مكاناً مميزاً فى وجدان الشعب المصرى، فأضفت على العمل روحا مصرية خالصة، يأتى على رأسهم الفنان المبدع «محمود الجندى» صاحب الأدوار الفنية المتعددة والتاريخ المتميز، والفنان مدحت تيخه الذى قام سابقاً بتجسيد دور «أخو شيخ العرب همام» فى المسلسل الشهير، والفنان هشام إسماعيل صاحب شخصية «فزاع» فى المسلسل الكوميدى الشهير «الكبير أوى» بالإضافة إلى العديد الفنانين الجادين الموهوبين مثل أحمد عبدالهادى، وأحمد فتحى، وسمر علام، وميدرونا سليم، وسعاد القاضى، لتتناغم تلك الطاقات الإبداعية الخلاقة وفق رؤية المخرج المبدع «إسلام إمام»، الذى يمضى بخطى ثابتة فى سبيل إيجاد صيغة مسرحية حديثة، لا تتعارض مع القيم المسرحية الراسخة، ولا تجافى الجهور ولا تتعالى عليه، ليصبح مسرح الدولة «للجميع» بحق، ولا يقتصر على نخبة انغلقت على نفسها، ليقدموا فى النهاية عملا يليق بقيمة وقامة «طلعت حرب» مؤسس الاقتصادى المصرى ورائد الرأسمالية الوطنية الأجمل.
تبدأ المسرحية باستعراض بعض مظاهر التدهور الحضارى الذى نعيش فى ظله، خاصة مع انتشار الانفلات الأمنى فى وسط البلد، وتعرض مظاهر هذه المنطقة الحضارية لاحتلال «غاشم» من الباعة الجائلين، للدرجة التى جعلت أحد المخبرين يستأذن الباعة الجائلين فى الانصراف حتى يمر أحد المسؤولين، ثم تمضى الأحداث ليكتشف الجميع، أن تمثال طلعت حرب اختفى من مكانه، ووقتها تثور ثائرة الضابط المسؤول عن تأمين الميدان كاشفا أنه لم يكن يعرف أن فى هذا المكان تمثال، كما أنه لا يعرف أيضا لمن هذا التمثال وما يمثله، لتظهر فى تلك الشخصية كل غباء السلطة المصرية وجهلها وضحالة وعيها، ثم يكتشف أبطال المسرحية أن «طلعت حرب» يعيش بينهم، وأنه ترك التمثال وذهب ليستكشف أحوال المصريين التى أصبحت «لاتسر عدو.. ولا تسر حبيب».
أبزر ما فى المسرحية أنها تستعرض تغيرات المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة، حيث كل شىء تغير، وهو الأمر الذى يضيق به الفنان محمود الجندى الذى جسد دور «طلعت حرب» بحرفية عالية، إذ كان الجواب الدائم على سؤاله عن: ماذا حدث للمصريين؟ هو أن «هناك بعض المتغيرات قد حدثت للمجتمع المصرى» وتنتقل المسرحية لتستعرض بخفة ظل منضبطة مظاهر التدهور فى مختلف جوانب الحياة المصرية، بدءا من الصناعة والتجارة والسياسية، وحتى السينما والمسرح والطرب، وهى المجالات التى أسسها طلعت حرب، وعكف طوال حياته على تنميتها وتطويرها، وبعد أن يرى «حرب» كل هذا التدهور، يقرر أن يعود كما كان «تمثالا» لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، مفضلاً حياة الجماد الساكنة على حياة المصريين العبثية، وفى هذا يجسد المؤلف الراحل «محسن مصيلحى» الأزمة وتاريخها ومستقبلها المنتظر، فترى هل تتحقق النبوءة؟ أم تحدث المعجزة؟
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=132298&I=1773