القمص سرجيوس.. اعتلى منبر الأزهر ليخطب ضد الاحتلال الإنجليزي

مادلين نادر

بقلم: مادلين نادر
"إنني لن أكف عن النضال وإثارة الشعب ضدكم إلى أن تتحرر بلادي من وجودكم"، هكذا كان يتحدث القمص سرجيوس إلى الإنجليز في مصر وقت احتلالهم لها.
القمص سرجيوس تاريخ طويل من الكفاح لأجل الوطن، وفي ثورة سنة 1919م برز دور القمص سرجيوس وسط الثائرين، فقد وهبه الله لسانًا فصيحًا يهز أوتار القلوب إلى حد جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب خطيب مصر وخطيب الثورة الأول، فهو أول رجل دين مسيحي يعتلي منبر الأزهر الشريف، حيث ظل فيه عدة أشهر يخطب في الناس بصحبة الشيخ محمود أبو العبر مناديًا بالوحدة الوطنية والكفاح ضد الإنجليز.

القمص سرجيوسولد القمص سرجيوس بجرجا سنة 1882م، والتحق بالمدرسة الإكليركية ثم تخرج فيها في 1903، وتم رسامته كاهنًا عام 1904 على ملوي، ثم خدم في الفيوم والزقازيق وفي عام 1907 أصبح على رتبة "قمص"، ثم عمل وكيلاً لمطرانية أسيوط حتى 1912، ثم أرسله البطريرك ليصبح وكيلاً لمطرانية الخرطوم وفي السودان بدأ كفاحه ضد الإنجليز.
فأصدر هناك مجلة «المنارة المرقسية» في 1912 التي تدعو لوحدة المسيحيين والمسلمين في كفاحهم ضد المحتل الذي أمر بترحيله من السودان، ليغادرها في 16 مايو 1915 متجهًا لمصر حيث أقام في حي «القللي» وبعدها انتقل إلى 7 ش العزيز المتفرع من شارع البعثة بشبرا ولم يتوقف أبدًا عن التحريض ضد الإنجليز.
كان الهدف من إصدار سرجيوس لمجلة "المنارة المرقسية" في مدينة الخرطوم هو دعوة الأقباط والمسلمين إلى التضامن والتآخي، وتقويم الاعوجاج الذي تأصل في الأقباط ككنيسة، والضرب على العادات التي أضلَّت الشعب وأفسدت ما ورثناه من الآباء القديسين. مما أثار عليه غضب الإنجليز وأمروا بعودته إلى مصر في أربع وعشرين ساعة، وكانت آخر كلماته للمدير الإنجليزي هي: "إنني سواء كنت في السودان أو في مصر لن أكف عن النضال وإثارة الشعب ضدكم إلى أن تتحرر بلادي من وجودكم".

قائد في ثورة سنة 1919م
في ثورة سنة 1919م برز دور القمص سرجيوس وسط الثائرين، حيث تواجد في الأزهر لمدة ثلاثة شهور كاملة يخطب في الليل والنهار مرتقيًا المنبر، معلنًا أنه مصري أولاً ومصري ثانيًا ومصري ثالثًا، وأن الوطن لا يعرف مسلمًا ولا قبطيًا، بل مجاهدا دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وقدم الدليل للمستمعين إليه بوقفته أمامهم بعمامته السوداء.

قائد في ثورة سنة 1919ممواقف لسرجيوس لا تُنسى
ذُكِر عنه أنه ذات مرة وقف في ميدان الأوبرا يخطب في الجماهير المتزاحمة، وفي أثناء خطابه تقدم نحوه جندي إنجليزي شاهرًا مسدسه في وجهه، فهتف الجميع: "حاسب يا أبونا، حايموتك"، وفي هدوء أجاب أبونا: "ومتى كنا نحن المصريون نخاف الموت؟ دعوه يُريق دمائي لتروي أرض وطني التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء. دعوه يقتلني ليشهد العالم كيف يعتدي الإنجليز على رجال الدين". وأمام ثباته واستمراره في خطابه تراجع الجندي عن قتله.
مرة أخرى وقف هو والشيخ القاياتي يتناوبان الخطابة من فوق منبر جامع ابن طولون، فلما ضاق بهما الإنجليز ذرعًا أمروا بنفيهما معًا في رفح بسيناء، وكانا في منفاهما يتحدثان عن مصر، ويتغنيان بأناشيد حبهما لها. كذلك انشغل في المنفي بكتابة الخطابات، وإرسالها إلى اللورد، يندد فيها بسياسة الإنجليز، ويعيب عليهم غطرستهم وحماقتهم في معاملة الوطنيين، وعلى الأخص في معاملة قادتهم وزعمائهم. وقد قضى أبونا سرجيوس والشيخ القاياتي ثمانين يومًا في هذا المنفى. وبعدما خرج من الاعتقال ظل يخطب في كل مكان في المساجد والكنائس والأندية والمحافل وفي الشوارع والميادين.

كتاباته
- كتب في الدفاع عن الإيمان، فبالإضافة إلى مجلة المنارة أصدر عددًا كبيرًا من الكتب التي دافع فيها عن الإيمان، والتي رد فيها على الكثير من الأسئلة والافتراءات. ولم يكتفِ في كتبه بتقديم الأدلة من الكتاب المقدس بل استند أيضًا إلى الكثير من الآيات القرآنية وباقتباسات من كبار المفكرين المسلمين.
- كذلك كتب الكثير من المقالات في مجلات غير مجلته، كان يوقع عليها باسم "يونس المهموز".

نياحته
ظل القمص مرقس سرجيوس زوبعة عاصفة إلى آخر نسمة في حياته بالرغم من شيخوخته، إذ قد انتقل إلى العالم الباقي عن إحدى وثمانين سنة، فعندما تنيح القمص سرجيوس في 5 سبتمبر سنة 1964 حملت جماهير مصر نعشة على الأعناق ورفضت أن تحمله العربه.
واعترافًا بجهاده الوطني أطلقت حكومة عبد الناصر اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة.