ومازالت مذابح الأقباط مستمرة

أحمد الأسواني

بقلم: أحمد الأسواني
منذ عامين كتبت مقالاً بعنوان "مواسم قتل الأقباط" وعاتبني البعض على ما كتبته ومنهم من اتهمنى بالمبالغة، ولكن يبدو أنه لا شيء يتغير في مصر إلا للأسوأ، وعندما عدت إلى ما كتبته وقتها، وجدته يصلح للتعليق على ما حدث هذه الأيام، وان كنت أعتقد أن الوضع يتدهور سريعًا ليتخطى كافة التوقعات، ليصبح القتل بالرشاشات في الشوارع للأقباط في ليلة عيدهم، ويتجول القتلة من شارع إلى شارع بسيارتهم في أمان تام، ليحصدوا من الأرواح البريئة ماشاءوا، ولولا عناية الله، لتجاوز الضحايا المئات.
أعتذر لكل أخ وأخت من أهل بلدي الأقباط، وأعزي أهالي، الضحايا كما أعزي نفسي، فقد مزقت هذه الرصاصات قلب كل مصرى مسلم يحب أهله الأقباط وتركتنا جميعا في حزن، نخجل من أننا ننتمى إلى نفس الديانة التي ينتمي إليها هؤلاء القتلة، ومَن وراءهم، ولكنني أؤمن أن هؤلاء بما فعلوا قد خرجوا من أي دين أو عقيدة، فلا يوجد إله حقيقي يطلب قتل الأبرياء.

ورغم جسامة وهول الجريمة والغضب الشعبي والرسمي لما حدث، لكني أعتقد أنها ستتكرر وبشكل أعنف وأقوى مما حدث ولي أسبابي في هذا الاستنتاج:
* أول أسبابي في هذا هو الإصرار الرسمي الحكومي والإعلامي والنخبة المسيطرة في الإعلام الحزبي والمستقل، على أن الحادث جنائي فردي وليس حادثًا طائفيًا، وتقديم المبررات المتعاطفة مع الكموني ورفاقه، الذين أخذتهم الحمية المزعومة للدفاع عن شرف المسلمات المغتصبات في فرشوط، وعلى أجهزة الموبايل، ومما يدعو للدهشة والقرف، انضمام محافظ قنا المسيحي لهذا الزعم، بل وتعميمه ودفاعه عنه، واتهام الأقباط بأنهم هم السبب فيما حدث لقلة أدبهم وتعديهم على شرف المسلمات المصونات، وهو ما يخالف الحقيقه قلبًا وقالبًا، فأولاً هذا الحادث هو تجسيد فعلي  للقتل الطائفي، ومن وجهة نظري، اعتبره تدشينًا للتطهيرالعرقي في مصر، ولو تذكرنا حرب البوسنة والهرسك، لنجد أن ما حدث هنا هو نموذج أولى لما كان يحدث هناك من قتل على الهوية الدينية، أما الكموني، فأعتقد أن تاريخه وصحيفة سوابقه لا يرشحانه ليكون معتصم مصر الذي يهب لنجدة المسلمات، ولا أفهم ما هي دوافع صحيفة الأهرام والصحفي أحمد موسى للدفاع عن الكموني والتبرير لجريمته، وفي نفس الوقت، ولنفي طائفية الجريمة، ينشر في الجريده أن المجرم فتح النار على المارة الذين تصادف أنهم مسيحيون، ولكنه لم يقصدهم ولا أدري أيهما نصدق:
"الكموني الثائر للشرف المسلم.. أم الكموني القاتل العشوائي"، وإن كنت أعتقد أن هذا كله محاولة لإخفاء من وراء الكموني ومن يحميه، وأقنعه بتسليم نفسه والإنكار وتقديم القضية بهذة السرعة، ومن يعلم، فقد تعرض على قاضٍ من المتعاطفين مع إسلامية الدولة، وما أكثرهم، ليعتبر المذبحة "جريمة شرف" أو "صدمة عاطفية" لنفس المسلم البرىء الكموني.
 
* ثاني أسبابي هو هذا التخاذل المسيحي، خاصة من جانب الكنيسة، فأنا لا أرى عذرًا للأنبا كيرلس، مع احترامي له لهذا السلوك الذي مارسه، سواءً قبل الجريمة، من إعطائه إتاوة شهرية للكموني أو بعدها من دفاعه عن المحافظ المتخاذل، أو ترديده للنغمة الحكومية عن فردية الجريمة، فليس هناك من عذر يبرر تغطية هذه المذبحة، مهما كان، ولو حتى كما يقول البعض إنه فعل هذا للإفراج عن المقبوض عليهم لدى الأمن، كما أني لا أفهم موقف نيافة البابا شنودة، فقد عشت أحداثًا في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، لم تكن بهذه الخطورة، ولكن كان للبابا مواقف غاضبة وقتها، معروفة للجميع، من إلغاء احتفالات، لإعلان صوم جماعي، لاعتكاف في الدير، وغيرها كثير، ولكن لا أفهم ما يحدث حاليًا، ولم يتخذ البابا موقفًا، إلا برفض استقبال لجنة الحريات الدينية الأمريكية التي استقبلها شيخ الأزهر، وهذا ما لا أفهمه، ولا أفهم هذا الهجوم غير المبرر من الكهنة المحيطين به، ومن الأنبا كيرلس على أقباط المهجر، والعزف على النغمة الحكومية التي تخوِّنهم.
 
* ثالث أسبابي هو ما حدث بعد المذبحة، وفي فورة الغضب، وقتها تنادى البعض بسرعة تقديم قانون بناء دور العباده، واقترح البعض تقديم قانون لمقاومة التمييز، مثل المعمول به في أمريكا، وامتلأت الصحف والفضائيات بالمناقشات في هذا الاتجاه، ولكن سريعًا ما انتهى كل شيء وعادت "ريما لعادتها القديمة"، وبعد تعميم قصة "الكموني بن شداد"، وتأكيد الأنبا كيرلس ومحافظ قنا للقصة، انتهى الموضوع إلى أن الوحدة الوطنيه بخير، وكل شيء تمام، وأصبح من ينبش في الموضوع ويطلب إصدار هذه القوانين والتعامل مع الأمر بجدية، أصبح من مثيري الفتن الطائفية، وعميل إمريكي، أو إسرائيلي، أو إيراني، أو "للجن الأخضر"، وتبارت القيادات المسلمة في الحديث عن أصدقائهم المسيحيين، وتبارت القيادات المسيحية، أمثال نبيل بباوي، وإدوار الذهبي، وكثيرين من مسيحيي المرحلة الجاهزين للتحدث عن سماحة المسلمين والإسلام، وعن المؤامرة المدبرة.
 
* مازال كل شيء كما هو ولن يتغير، وكنت أعتقد بعد هذه المذبحة أن البعض سيراجع ما يقوله وما يفعله من هول وبشاعة ما حدث، ولكن العكس هوالصحيح، فها هو فهمي هويدي في جريدة "الشروق" يهاجم من يطلب تنقية مناهج التعليم من نصوص الإرهاب والتطرف، ويعتبر سيادته ذلك عدوانًا على الدين الرسمي للدولة والشعب، ومازال مشايخ قناة "الناس" يتحدثون عن كفرالنصارى عبدة الصليب، ومازال محمد عمارة يكتب عن استحلال دماء النصارى وأموالهم، ومازال سليم العوا يعلن كرهه لرؤية الصليب ويطلب التصدى للاستقواء المسيحي بالخارج، ومازال القرضاوى الذي لم تهزه هذه المذبحة هو والعوا وغيرهم من قيادات ما يسمونه "اتحاد علماء المسلمين" لم يصدروا بيانًا واحدًا يدينون فيه هذه الجريمة، ولكنهم تفرغوا للحديث عن منع المآذن وعن منع الأحتفال بأعياد المسيحيين وغيرها من التفاهات، بجوار بالطبع تبرير الإرهاب والتماس الأعذار للقائمين به، والدفاع عن حماس وحزب الله وإيران، ومن يدرى، فقد يضمون الكموني قريبا لسجل أبطال الأمة، بجوار حسن نصرالله، وخالد مشعل، وصدام حسين، وأحمدي نجاد وغيرهم من السفاحين والقتلة.

* وأخيرًا أرجو من أهل بلدي الأقباط أن يثقوا أن في مصر رجالاً ونساءًا مسلمين مستعدين دون مبالغة ليفدونهم بأرواحهم وأنا منهم، ليس حبًا فيهم فقط، ولكن لأننا نعتقد أن مصر الجميلة التي كانت والتي نحلم بأن تعود، لن تكون كذلك بغير سوا عدنا جميعًا، مهما كان ديننا أوعرقنا، وفى القلب منا أهلنا الأقباط أصل مصر وجذرها، والذين أتمنى أن يواصلوا تظاهراتهم السلمية في العالم كله، مع نشر وتوثيق هذه الأحداث والجرائم ومخاطبة العالم كله ليسمع صوتهم عاليًا، لأن في مصرلن تحصلوا سواءً من القيادات الرسمية أو النخبة، إلا على الكلام الجميل الذي لا يُغنى ولا يسمن من جوع، بينما تستمر الجرائم في تصاعدها في حماية إعلام موالس أو أمن مخترق.
* رحم الله الشهداء وأفسح لهم في جناته.