نبيل شرف الدين
بقلم: نبيل شرف الدين
فى كل مرة يتعرض فيها أهلنا الأقباط لاعتداءات إجرامية وصلت أخيراً لحد القتل العشوائى، تنطلق حملات التحريض ضد من اصطلح على تسميتهم «أقباط المهجر»، لدرجة تمت معها «شيطنة» هؤلاء المصريين النبلاء، ووصمهم بالاستقواء بالخارج والتحريض ضد مصر، وربما يذهب بعض المزايدين لحد اتهامهم بالخيانة والعمالة،
وهذه التهم فضلاً عن كونها افتراءات وأكاذيب من فرط تكرارها باتت مملة، فهى أيضاً سلوك ضار، لأن الأمم الرشيدة لا تضحى بأبنائها بهذه البساطة، وإلا تصبح أمة مأزومة، تعانى خللاً فى معايير العدالة وبنية الضمير، فالخلاف السياسى والفكرى لا يصح أن يكون سبباً لحملات الكراهية.
عرفت مئات الأشخاص ممن يطلق عليهم أقباط المهجر، وكانت غالبيتهم نماذج مشرفة بكل المقاييس، شباب دفعتهم الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الضاغطة للهجرة من الوطن الأم، وهذا القرار بالمناسبة ليس سهلاً على المصريين تحديداً، لأن نفسية الفلاح المستقر على ضفاف النهر منذ فجر التاريخ ترفض الهجرة، وخلافاً للتاجر الشامى، والمغامر المغربى،
فالمصرى شأن كل أبناء الحضارات الزراعية التى نشأت على ضفاف الأنهار، يسافر لكل مكان، لكنه يعود ولا يخطط لتغيير موطنه للأبد، ما لم تكن هناك أسباب قوية تدفعه لهذا القرار، ومع ذلك هناك مئات من هؤلاء المهاجرين الأقباط الذين استقرت أوضاعهم فى الغرب لكنهم ظلوا حريصين على وجود بيوت لهم فى مصر، والارتباط بزوجة مصرية وتعليم الأبناء اللغة الدارجة والمزاج الشعبى المصرى، فضلاً عن الارتباط المؤبد بكنيستهم الأم.
يتنطع بعض المتعصبين ممن يقدمون أنفسهم باعتبارهم «مفكرين إسلاميين»، سعياً لإثبات «خيانة القبط» تاريخياً، وراح بعضهم يصفون «أقباط المهجر» بأنهم «اليعاقبة الجدد»، نسبة للمعلم أو الجنرال يعقوب حنا، مع أهمية الإشارة إلى أنه ليس هناك إجماع على خيانة الرجل، بل كان هذا رأى بعض المؤرخين، بينما رأى آخرون أنه كان وطنياً مخلصاً، وسعى إلى إنهاء تبعية مصر للدولة العثمانية ودحر المماليك المستبدين، كما أن التاريخ يؤكد رفض الأقباط الحمايتين الروسية والبريطانية، بل إن الموقف الوطنى للقبط يرجع لما هو أبعد من ذلك وتحديداً «الحروب الصليبية».
ورغم أن الحملات الصليبية كانت ترفع شعارات مسيحية، فإن انحياز مسيحيى المشرق عموماً والأقباط خاصة كان محسوما تجاه هويتهم الوطنية، وحرصوا على وصف تلك الحملات بـ«حروب الفرنجة» لقطع الطريق على أى صلة للمسيحية بها، وسهلوا مهمة صلاح الدين فى دخول «بيت المقدس»، لهذا السبب منحهم ديراً فى القدس مازال يطلق عليه «دير السلطان» نسبة لصلاح الدين، وهو الدير الذى انتزعته إسرائيل من الكنيسة القبطية المصرية، وأعطته للأحباش عقاباً على موقف البابا شنودة الرافض لزيارة أبناء كنيسته للبقاع المقدسة فى الأراضى المحتلة.
ويرصد مجدى خليل الباحث والناشط القبطى المقيم بأمريكا هذه الاتهامات فى دراسة مهمة، ويدحضها بموضوعية ومنطق رصين، لكن أحداً لا يريد الالتفات لمثل هذه الآراء العاقلة، بل يتعمدون تجاهلها والمضّى قُدماً فى تملق الغوغاء وتكريس الهوس الدينى بوصم أقباط المهجر بالاستقواء بالغرب، مع أنه أصبح بدهيا الآن أن عالماً جديداً يتشكل فى ظل ثورة الاتصالات وحرية تدفق المعلومات ومنظومة حقوق الإنسان وحماية الأقليات، تغيرت فيه المفاهيم التقليدية لـ«الداخل والخارج»، حتى مفهوم السيادة ذاته تغير كثيرا فى ظل العولمة،
وبالتالى فالحل لا يكمن فى تجاهل هذه المتغيرات الدولية، لأننا باختصار جزء من العالم، ولا نعيش فى جزيرة معزولة، وينبغى أن ندرك جميعاً كمصريين، أنه ليس من مصلحة أحد أن نستسهل توزيع التهم المجانية، والبحث عن ذرائع و«فزاعات» لإرهاب أشقائنا فى الوطن، لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم، ويشكون من أوجاع مؤلمة، ويعربون عن قلق مشروع، ويسعون بطرق سلمية لم تتورط فى العنف، لحماية أنفسهم فى مواجهة موجات عاتية من خطاب الكراهية والهوس والتعصب الطائفى، وكل أدواتهم فى ذلك لا تتجاوز الاحتجاج السلمى وهى أدوات مشروعة فى المجتمعات المتحضرة،
أخيراً تبقى الإشارة إلى أن جميع أنشطة أقباط المهجر تمول من تبرعاتهم، لأن معظمهم من الناجحين ميسورى الحال، لهذا لا يتلقون سوى أقل القليل من التمويل الأجنبى، قياساً بما تتلقاه عشرات المنظمات الحقوقية داخل مصر، فضلاً عن المليارات التى تتلقاها الحكومة المصرية ذاتها.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=13471&I=340