بقلم: نجاد البرعى
لا أظن أن أحداً قد التفت إلى ذلك الإعلان المنشور فى الصفحة السادسة من جريدة «المصرى اليوم»، الاثنين الماضى، ففرحة الفوز بكأس أمم أفريقيا- التى احتل خبرها الصفحة الأولى بتصميمها الفريد- سحبت الاهتمام حتى من الموضوعات المهمة. الإعلان هو استغاثة موجهة إلى الرئيس مبارك من مطرانية الأقباط الأرثوذكس لمركزى مغاغة والعدوة بالمنيا، والمشكلة تتعلق بكنيسة بنيت بأمر ملكى عام ١٩٣٤،
ويحاول المصريون هناك- بعد أن تقرر إزالتها لخطورتها- بناء كنيسة أكبر على أرض مملوكة لها فى ذات الموقع. بعد ثلاث سنوات من المعاناة– هكذا يقول الإعلان– رخصت السلطات المحلية ببناء كنيسة على نفس مساحة الكنيسة القديمة دون أن تسمح بالبناء على المساحة الأكبر!.
أتصور أن لجوء أسقف كرسى مغاغة والعدوة إلى نشر استغاثة بالصحف هو دليل لا تخطئه العين على فشل أجهزة الإدارة المحلية فى محافظة المنيا بدءاً من المحافظ وحتى رئيس الإدارة الهندسية، فمن الواضح أن الرئيس أصبح مُطالباً بأن يتدخل بنفسه لحل مشكلات يتقاضى مسؤولون رفيعو المستوى رواتبهم للعمل على حلها. كما أحسب أن نشر تلك الاستغاثة فى هذا التوقيت يفصح عن أن القائمين على الإدارة المحلية هناك ليسوا مُقصرين فى أداء أعمالهم وحسب.
ولكنهم يتمتعون بقصر نظر سياسى بامتياز يجعل بقاءهم فى مواقعهم مُضراً بالدولة بصرف النظر عما يسببه من حرج للحكومة. لا يوجد حصر حقيقى لعدد المساجد والكنائس فى مصر، ويقدر البعض عدد المساجد بأكثر من مائة ألف مقابل أربعة آلاف كنيسة لجميع الطوائف المسيحية تقريباً، مستنداً إلى إحصاء جرى عام ٢٠٠٣،
قَدّر عدد المساجد بخمسة وستين ألف مسجد مقابل ألفى كنيسة لجميع الطوائف المسيحية تقريبا، على أن المؤكد– أياً كانت الأرقام- أن مشكلة بناء دور العبادة، خاصة للمسيحين، هى مشكلة من أهم المشاكل التى تواجه محاولات الدولة لإرساء مبدأ المواطنة بين أبنائها.
من المخجل لنا جميعاً أن يقال إنه حين يستطيع المصرى المسلم أن يبنى مسجداً أينما أراد وفى أى وقت يريد، فإن المصرى المسيحى يحتاج إلى أن يستغيث بالرئيس من أجل توسعة كنيسة قائمة فعلا على أرض تملكها. لا أعرف السبب الذى من أجله يتعطل قانون دور العبادة الموحد الذى قدمه المجلس القومى لحقوق الإنسان– شبه الحكومى- داخل أروقة الحزب الوطنى والحكومة، ومن المسؤول عن منعه من الوصول إلى البرلمان؟ ومن المستفيد من عرقلة إصداره؟.
يعرف كل المهتمين بإقرار مبدأ المواطنة فى مصر أن أكثر من ٥٠% من المنازعات الطائفية ترجع إلى عدم وجود مثل هذا القانون، وبالتالى فإن إقراره سيساعد ليس فقط على تهدئة الاحتقان الطائفى، ولكن أيضاً على تنقية الملف الحقوقى المصرى من شوائب لا قيمة لها من ناحية وتعكر صفو أى تقدم تحرزه الحكومة فى مجال حقوق الإنسان من ناحيه أخرى.
إن جاز لى أن أقترح أيضاً فإن القانون الذى آن أوان إصداره يجب أن تلحق به رسوم هندسية إلزامية متنوعة من حيث الشكل والتكلفة، يتعين على كل راغب فى بناء مسجد أو كنيسة أن يقيم مبناه وفقاً لها، فقد لوحظ فى الآونة الأخيرة أن الكنائس باتت أشبه بمستعمرات صغيرة تحيط بها أسوار عالية وأبواب حديدية ضخمة، يسكن الكهنة بداخلها وينعزلون ويعزلونها عن المجتمع المحيط بها.
إن الهدف من إقامة دور العبادة التى يتعين أن تتسم بالبساطة- فضلا عن تيسير إقامة الشعائر- أن تكون مفتوحة ما أمكن أمام الجميع حتى لا تثير ريب الآخرين وظنونهم، الأمر الذى حرص عليه بناءو الكنائس القديمة فى أحياء الظاهر والمعادى ومصر الجديدة وغيرها. كما أننى لا أجد ثمة داعياً لأن يقيم الأب الأسقف داخل الكنيسة، ولكن ربما كان من المهم أن يسكن فى منزل حيث يسكن آخرون فيختلط بهم ويخالطونه، فلابد أن تختلط الكنيسة، ورجالها، بالبيئة المجاورة وتندمج فيها لا أن تفصل نفسها عنها بأسوار وأبواب.
لو كانت الحكومة راغبة فى إحباط المحاولات التى تجرى من هنا وهناك من أجل إثارة ملف حريات العقيدة أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان خلال مناقشة تقرير مصر يوم ١٧ فبراير الجارى، فإن عليها إصدار قانون دور العبادة الموحد فى أقرب فرصة ممكنة، فالآن وليس غداً هو الوقت المناسب.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=13602&I=343