طلعت الصفدي
بقلم / طلعت الصفدي
القدس مدينة الأنبياء، المدينة المنحوتة من نور الشمس، من صخور القمر، جبين الوطن الشامخ رغم الطغاة والغزاة، مركز الكون وحضارته القديمة والحديثة
للقدس سلام من غزة، ومن بحر غزة الذي حلم رابين أن يبتلع غزة التي صمدت في وجه الحصار والتجويع وحرب الإبادة المجنونة أخيراً، للقدس سلام من كل الشيوخ والعجائز المحرومين من زيارتك، والسير في شوارعك وطرقاتك العتيقة التي تحكى التاريخ والحضارة والوجود الفلسطيني، الممنوعين من الصلاة في رحاب مسجدك الأقصى وكنيسة القيامة.
التحية من شعب غزة إلى أهلنا في القدس، ولكل حجر وصرارة ورملة وبنيان قديم وزقاق ورواق ومسجد وكنيسة، وزاوية ومقبرة تحكى تاريخ القدس والأمجاد الكنعانية والعربية، إلى الشوارع العتيقة في القدس القديمة، يا مدينة المدن، يا عاصمة الخلود والروح.
التحية لكل المؤسسات الرسمية والشعبية الفلسطينية والعربية والدولية التي تفاعلت مع انطلاقة القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 للمثقفين والمبدعين والفنانين والشعراء والمسرحيين والكتاب والصحافيين، وللجماهير الفلسطينية، وللجماهير العربية داخل إسرائيل التي أبدعت وأحيت يوم الأرض بفعالياتها الجماهيرية، ومسيراتها الشعبية ضد الإستيطان ومصادرة الأراضي، وجدار الفصل العنصري، وتهويد القدس.
تحية لكل الأبواب المغلقة والمفتوحة التي تحميك يا قدس من غلاة المستوطنين والمتطرفين الصهاينة ومن قطاع الطرق واللصوص، تحية لحراسك باب الخليل، باب الحديد، باب العمود، باب الساهرة، باب ستنا مريم، باب المغاربة، باب النبي داود، تحية إلى أسوار القدس العتيقة التي تنتصب شامخة بشموخ التاريخ لتحرس المدينة المقدسة وتتمسك بعروبتها وكنعانيتها، هي رمز المقاومة والبقاء.
تحية لكل الشهداء والأحياء إلى كل القديسين والأولياء والصالحين ولكل المبدعين والمثقفين وللعمال والمزارعين وبائعي الكعك والصحف، وللأطفال والنساء والشيوخ والشباب ولكل الأيادي الوطنية تتكاتف وتتلاحم لتحمى القدس من التهويد والتشريد.
القدس منبع الحضارات والثقافات المختلفة، مصدر الخلود الإنساني، فليس للتاريخ من معنى دون القدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، إنها منبع التراث الفكري والثقافي والديني والإنساني والكفاحي، القدس رابطة الأرض الفلسطينية بالشعب الفلسطيني بالثقافة العربية الإسلامية والمسيحية ولا يمكن فهم وجودها في فلسطين إلا انطلاقاً من جذورها التاريخية ومن حضارتها الكنعانية، ولن تنجح كل محاولات التشويه والتزوير فالقدس عربية وستبقى عربية للأبد كما ستبقى فلسطين عربية.
يسعد حزب الشعب الفلسطيني أن يكون المبادر في تنظيم هذه الفعالية المتواضعة بالتعاون مع لجنة إحياء فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 فأهلاً وسهلاً بكم جميعاً.
الأخوات والإخوة الضيوف
منذ احتلالها للأرض الفلسطينية اتخذت سلطات الإحتلال جملة من الإجراءات للاستيلاء على مدينة القدس وتهويدها وضمان السيطرة عليها بوسائل الإرهاب وطرد السكان المقدسيين، وبعمليات النسف والهدم للأملاك العربية داخل السور وخارجه، وأصدرت القرارات لضمها إدارياً وسياسياً، وعمدت إلى عزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني والعربي، وسارعت لتهويد الإقتصاد المقدسي والتعليم، ومصادرة أملاك الغائبين، والقيام بالحفريات تحت المسجد الأقصى، وبهدف جعل القدس مدينة يهودية بالكامل عمدت إلى تكثيف الإستيطان لمحاصرتها وإجبار المواطنين على الرحيل لمناطق خارج مدينة القدس، ومحاولتها المستمرة لتهويد الحرم القدسي وهدم المسجدين المبارك والصخرة المشرفة، والاعتداء على الأماكن المسيحية ورجال الدين المسلمين والمسيحيين، والعمل بكل الوسائل لإبعاد المواطنين وتفريغ القدس من أهلها لإضعاف الروح النضالية والصمود والمقاومة التي يتمتع بها أهلنا في القدس.
إن أبرز مخططاتها الإستيطانية مشروع القدس الكبرى، والعديد من الإجراءات المتواصلة اليومية العلنية والسرية التي تهدف في نهايتها إلى سلخها عن محيطها الفلسطيني سياسياً ومعنوياً وجغرافياً ومادياً ولمنعها من أن تكون العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.
فالواقع المأساوي الذي تتعرض له القدس عاصمتنا الأبدية، تتطلب خطة وطنية حقيقية على المستوى الداخلي الفلسطيني تضع قضية القدس في مقدمة سلم الأولويات باعتبارها إحدى القضايا القضية المحورية في النضال الوطني الفلسطيني، والتأكيد على كونها عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، ورفض أية بدائل حولها، والتصدي لمؤامرة تهويد القدس بتوفير كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لمواطنيها، والنضال ضد سياسة العزل والحصار المفروضة على المدينة، وضد سياسة تفريغها، والتطهير العرقي لأبنائها من العرب الفلسطينيين والدفاع عن أراضيها في وجه المصادرات والاستيطان الصهيونية ودعم لجان الدفاع عن عروبة القدس والأماكن المقدسة وحمايتها ووقف الحفريات الجارية أسفل الحرم القدسي الشريف، هي مهمة وطنية تتطلب من الجميع تحمل المسؤولية الوطنية، والعمل على تعزيز صمود أهلنا في القدس، وتحويل قضية القدس لرأي عام فلسطيني وعربي ودولي، ووضع خطة إعلامية حقيقية لفضح المخطط الإسرائيلي والممارسات التي تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية التي تعتبر القدس جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتأكيد في كل المحافل العربية والإسلامية والدولية على أن كل الإجراءات التي اتخذتها سلطات الإحتلال باطلة وغير شرعية، وضرورة وضع خطة إستراتيجية كفاحية لمواجهة غول الإستيطان في القدس والضفة الغربية التي تتعرض للنهب والمصادرة وجدار الفصل العنصري، وربط المفاوضات بوقف الإستيطان، ووقف تهويد القدس.
إن إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني الشامل لإنهاء حالة الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية هي مهمة وطنية عاجلة، ومطلب جماهيري مُلح يُمكّننا جميعاً من مواجهة المخطط الإسرائيلى، والبرنامج الإستيطاني القادم ومواجهة سياسة الترانسفير لحكومة اليمين المتطرف، واستعادة جوهر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وليست قضية إغاثية، وإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية وبمبادرة السلام العربية، والتوقف كليا عن الحسابات الضيقة، والصراعات على سلطة ما زالت تحت الإحتلال، أو وضع قضيتنا رهن المواقف الإقليمية والدولية، والإستفادة القصوى من نتائج لمصالحة العربية - العربية التي تمت في قمة الدوحة الأخيرة.
طلعت الصفدى غزة – فلسطين
talat_alsafadi@hotmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1362&I=37