عماد توماس
كتب: عماد توماس- خاص الأقباط متحدون
ضمن سلسة كراسات (عروض)، والتي تصدرها المكتبة الأكاديمية، صدرت مؤخرًا كراسة بعنوان "الاتجاهات العولمية 2025: عالم قد تحول" من عرض الباحث الشاب صموئيل رمسيس، وقدم الكراسة الأستاذ الدكتور أحمد شوقي.
تعرض الكراسة التقرير الذي يصدره مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، والذي يُعد مركزًا للتفكير الاستراتيجي داخل الحكومة الأمريكية، حيث يدعم رئيس الولايات المتحدة وكبار صناع القرار ويقدم التقارير لرئيسه، من خلال تحليل وتقدير قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي، التي يتم مراجعتها وتنسيقها عبر كل جهات الاستخبارات الأمريكية. والمجلس يصدر هذا التقرير كل أربع سنوات.
يُشير صموئيل رمسيس إلى أن التقرير يرى أن الـ 15-20 سنة القادمة ستكون بمثابة واحدة من أهم نقاط التحول التاريخية، حيث إن العديد من العوامل سيكون لها دورها الهام والحاسم فى تشكيل أحداث المستقبل، والتي يناقشها عبر فصوله السبعة (المستقبليات البديلة الممكنة).
تناول التقرير عبر فصوله السبعة العديد من القضايا العالمية المرتبطة بالنظام الدولي، وصعود وهبوط القوى، ووضع الولايات المتحدة، الموارد، والطاقة، والنزاع، وغيرها.. ويمكن إيجاز أهم ما جاء في التقرير على النحو التالي:
• تغير النظام الدولي المتعارف عليه منذ الحرب العالمية الثانية بسبب: صعود قوى بازغة، وتأثير لاعبين غير دوليين، واقتصاد معولم، وتحول تاريخي للثروة والقوة الاقتصادية النسبية من الغرب إلى الشرق.
• من أهم ملامح النظام الدولي الجديد الذي سيكون لا يزال في طور التشكيل، أنه سيكون متعدد الأقطاب، مع استمرار ضيق الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، وتزايد القوة النسبية للعديد من اللاعبين غير الدوليين (الشركات والقبائل والمنظمات الدينية والشبكات الإجرامية).
• احتمال تزايد انتشار السلطة والقوة بسبب: (بزوغ لاعبين جدد، والعجز المؤسسي، وتوسع التكتلات الإقليمية، وقوة اللاعبين والشبكات غير الدولية)، الأمر الذي سيؤدي إلى تعددية وتنوع اللاعبين، ومضيفًا مزيدًا من التفتت للنظام الدولي، وإضعاف التعاون الدولي.
• من غير المتوقع رغم الأزمة المالية العالمية الحالية أن يشهد النظام الدولي انهيارًا كاملاً مثلما حدث في الحرب العالمية الأولى، ولكن من المتوقع أن تكون العشرون سنة القادمة مليئة بالمخاطر المحتملة، التي سيكون أهم ملامحها: التنافس الاستراتيجي على التجارة، والاستثمار، والابتكار، والتوسع التكنولوجي.
• رغم تصاعد مناهضة الأمركة حديثًا، فقد تستمر الولايات المتحدة تلعب دور الموازن في الشرق الأوسط وأسيا، وعامل حسم للتنافس وللآراء المتنوعة في إيجاد حلول بشأن قضايا الأمن الجديدة مثل التغير المناخي، ومن المتوقع أن تستمر تلعب دورًا هامًا في تقويض الإرهاب من خلال استخدام القوة المسلحة.
• أهم القضايا العالمية التي ستستمر: شيخوخة السكان في الدول المتقدمة، وزيادة القيود على الطاقة والطعام والمياه، والقلق من التغير المناخي.
• سيرافق النمو الاقتصادي انتقال وتدفق، لا مثيل له تاريخيًا، لحجم وسرعة واتجاه الثروة والقوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، بسبب زيادة أرباح دول الخليج وروسيا المرتبطة بارتفاع أسعار البترول والسلع، وانخفاض تكاليف نقل أماكن التصنيع والخدمات إلى أسيا.
• أهم اللاعبين الجدد المتوقعين هم الصين والهند وروسيا، فمن المحتمل أن تكون مشاركة كلٍّ من البرازيل وروسيا والهند والصين BRIC's مجتمعين في الناتج المحلي الإجمالي GDP العالمي، مساوية لتلك التي تشارك بها الدول السبعة الكبارG-7. كما أنه من غير المتوقع أن توجد دول أخرى قادرة على الوصول إلى مستوي هؤلاء الثلاثة أو تماثل نفوذهم الفردي العالمي، رغم احتمالات وجود قوى سياسية واقتصادية أخرى مثل أندونيسيا وإيران وتركيا.
• النموذج الغربي الليبرالي لم يعد حتميًا، في ظل وجود نماذج تنموية بديلة، فكل من الصين والهند وروسيا تتبع نموذج رأسمالية الدولة State Capitalism حيث الدولة تتمتع بدور بارز في إدارة الاقتصاد.
• دول أخرى ستشهد تراجعًا اقتصاديًا مثل دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، التي ستظل الأكثر عرضة للضعف والضغوط الاقتصادية والصراعات المدنية وعدم الاستقرار السياسي. ومع أن العديد من دول أمريكا اللاتينية ستصبح قوى متوسطة الدخل، فإن أخرى مثل فنزويلا وبوليفيا التي اعتنقتا السياسات الشعبوية Populist Policies لفترات طويلة ستتراجع، والبعض مثل هايتي ستصير أكثر فقرًا وأقل حوكمة.
• ستمثل كل من أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كل النمو السكاني تقريبًا، بينما سيحتفظ الغرب بأقل من 3%. وفي الوقت الذي ستستمر أوروبا واليابان سابقة بمراحل القوي البازغة من حيث نصيب الفرد من الثروة، فإنها ستكافح من أجل الحفاظ على معدلات نمو قوية بسبب تناقص نسبة السكان في سن العمل. وستكون الولايات المتحدة استثناءً جزئيًا للدول المتقدمة من حيث شيخوخة السكان بسبب تزايد معدلات الهجرة وارتفاع معدل المواليد.
• من المتوقع أن يتراجع عدد الدول ذات الهياكل العمرية الشابة في قوس عدم الاستقرار الحالي بنسبة 40%.. حيث ثلاث من كل أربع دول ذات كتلة شبابية ستكون في دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، والباقي سيوجد في قلب الشرق الأوسط ومبعثرين عبر جنوب ووسط أسيا وجزر المحيط الهادي.
• سيستمر النمو الاقتصادي العالمي الغير مسبوق ضاغطًا على الموارد الاستراتيجية مثل الطاقة والغذاء والمياه، ويجعل من قضاياها الأكثر شهرة في الأجندة الدولية، فالطلب عليها من المتوقع أن يتجاوز المتاح منها، وعلى سبيل المثال؛ فإن إنتاج النفط والغاز للدول غير الأعضاء في الأوبك لن يكون بقدر الطلب عليه.
• البنك الدولي قدَّر ارتفاع الطلب على الغذاء بنسبة 50% بحلول عام 2030 نتيجة للزيادة السكانية عالميًا، وزيادة الثراء، وتبني طبقة متوسطة أكبر لنموذج النظام الغذائي الغربي.
• سيسوء وضع المياه لأغراض الزراعة بسبب عجز الوصول إلى إمدادات مستقرة، وزيادة معدلات الانتقال من الريف للمدن، وزيادة نسبة السكان بحوالي 1.2 بليون نسمة.
• من المتوقع أن تتفاقم ندرة الموارد بسبب التغير المناخي، فعدد من المناطق، تبعًا لتنوع التأثير حسب المنطقة، ستبدأ في المعاناة من ندرة المياه وخسارة الناتج الزراعي. كما يتوقع الخبراء خسائر زراعية كبيرة ستكون مؤلمة بالنسبة للعديد من الدول النامية، نظرًا لزيادة اعتماد هذه الدول على المحاصيل الزراعية.
• الحل سيكون على عاتق التكنولوجيا الجديدة لإيجاد بدائل للوقود الحفري، أو وسائل للتغلب على قيود الغذاء والمياه. رغم أن التكنولوجيا الحالية غير كافية لإحداث تحول في الطاقة، إلا أنه من المتوقع أن توجد تكنولوجيا جديدة تكون قادرة على ذلك، ولكن من المتوقع أيضًا أن يكون تبني الوقود بطيئًا، حيث إن دراسة وجدت أن التكنولوجيا الجديدة تأخذ في المتوسط 25 سنة لتكون متبناة بشكل واسع.
• رغم احتلال قضايا الموارد لمواقع هامة في الأجندة الدولية، فإن قضايا الإرهاب والنزاع والتخصيب ستظل من دواعي القلق الرئيسية. فمن غير المتوقع أن يختفي الإرهاب، ولكن سيتقلص اللجوء إليه إذا استمر النمو الاقتصادي وانخفاض معدلات بطالة الشباب في الشرق الأوسط. غير أن البعض المدفوعين بعوامل الرغبة في الانتقام والشهادة سيستمرون في اللجوء للعنف لتحقيق أهدافهم.
• غياب فرص التوظيف والوسائل الشرعية للتعبير السياسي ستزيد من حالات عدم الولاء والعنصرية وعضوية الشباب في الجماعات الإرهابية. وسيظل أهم دواعي القلق هو وصول وسائل بيولوجية ونووية إلى يد جماعات إرهابية وساخطة، والتي سيكون في متناول أيديها اخطر المقدرات العالمية، بسبب انتشار التكنولوجيا والمعرفة العلمية، والتي قد توظفها لإيقاع عدد كبير من الضحايا.
• قلق بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط من امتلاك إيران "غير الحتمي" لأسلحة نووية قد يدفعها إلى تطوير إجراءات دفاعية جديدة بالتعاون مع قوى خارجية، وامتلاك أسلحة إضافية، وإعادة النظر في متابعة طموحاتها النووية.
• وحيث إن معظم الدول ستكون مشغولة بتحديات العولمة، فإنه من غير المتوقع أن توجد صراعات أيدلوجية كتلك التي كانت أثناء الحرب الباردة، إلا أن قوة الأيدولوجيا من المحتمل أن تزداد في العالم الإسلامي وخاصة في القلب العربي.
• الصراع على الموارد الذي لم يحدث لفترات طويلة، قد يعود مرة أخري مجددًا، بسبب اتخاذ بعض الدول (التي ستدرك ندرة الطاقة) لإجراءات من شأنها ضمان وصولها المستقبلي لمصادر الطاقة، ورغم كونها ستكون نزاعات محدودة، إلا أن عواقبها الجيو-سياسية ستكون هامة.
• القلق الأمني البحري قد يُزيد من جهود تحديث القوى البحرية العسكرية مُسببًا المزيد من التوتر والتنافس وتغير التوازنات، إلا أنه في المقابل قد يفيد في إيجاد مزيد من التعاون لحماية الممرات البحرية الهامة وعلاج مشكلة ندرة المياه.
• رغم تراجع احتمالات استخدام السلاح النووي، إلا إنه لو حدث سيكون أخطر من اليوم، نتيجة حصول دول جديدة وجماعات إرهابية على التكنولوجيا النووية، واستمرار شبح الصراعات الحدودية بين القوي النووية مثل باكستان والهند، واستمرار تغير أو انهيار أنظمة حكم مضطربة في دول نووية مثل كوريا الشمالية، مما يزيد من التساؤلات حول إمكانية التحكم والتامين التي تفرضه الدول الضعيفة على مستودعاتها النووية.
كما أن استخدام السلاح النووي سيتسبب في صدمة دولية على المستوي الإنساني فضلاً عن حدوث تغيرات جيو-سياسية هامة مثل سعي بعض الدول لتأسيس وإعادة تشكيل أحلاف عسكرية مع قوى نووية موجودة ومحاولة البعض الآخر إلى نزع عالمي للسلاح النووي.
• رغم تصاعد قوى البرازيل وروسيا والهند والصين فمن غير المحتمل أن تتحدى النظام الدولي، سامحة لآخرين بتحمل أعباء التعامل مع قضايا الإرهاب وتغير المناخ ونسبة المواليد وأمن الطاقة. وسيكون على المؤسسات الدولية أن تتكيف مع الوضع الجديد وتزيد مصادرها وتأخذ مهامًا جديدة.
• المنظمات غير الحكومية المتخصصة في قضايا محددة ستكون جزءًا من المشهد العام، رغم محدودية تأثيرها في ظل غياب تنسيق الجهود بين المؤسسات الدولية والحكومات. كما أن احتضان المؤسسات الدولية للقوى البازغة سيعيق عملها في معالجة القضايا العالمية الهامة.
• التكتل الإقليمي الأسيوي من المحتمل أن يكون ذي ثقل عالمي، وهذا الاتجاه سيكون مُعززًا ومقويًا للاتجاه نحو القطاعات المالية والتجارية الثلاث لتصبح شبه تكتلات وهي: أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق أسيا، التي وجودها قد يحقق اتفاقيات مستقبلية لمنظمة التجارة العالمية، وقد يحدث تنافس بين هذه التكتلات في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية والنانوتكنولوجي وحقوق الملكية الفكرية ومناحي أخرى للاقتصاد الجديد. في غياب التعاون الإقليمي، فإن البديل الطبيعي هو المنافسة على مصادر وخاصة الطاقة الطبيعي وخاصة بين الصين واليابان.
وأخيرًا، يؤكد التقرير على أن تغير النظام العالمي المتسارع، في نفس وقت تزايد التحديات الجيو-سياسية، سيزيد من احتمالية عدم الاستمرار (تغير أكثر من استمرارية) وصدمات ومفاجآت، فلا توجد نتيجة واحدة تبدو حتمية، وفي بعض الأحيان فإن المفاجأة هي فقط عامل وقت، وإن كان هناك شيئًا حتميًا فقط ستتبقى أسئلة حول متى وكيف سيحدث؟، وما يبدو غير معقول اليوم قد يبدو معقولاً حينها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=13820&I=348