بقلم نجاد البرعي
على عكس ما قد يتصور البعض فإننى واحد من الذين أحسوا بالسعادة والرضا من التشكيل الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى طالعتنا به صحف الثلاثاء الماضى، ففى ظنى أن أصحاب الشأن قد كشفوا بشكل واضح عن حقيقة ما يريدون، وتصوراتهم لتطور عملية الإصلاح السياسى بشكل عام وأوضاع حقوق الإنسان بشكل خاص.
مازلت أذكر كيف دخلت فى نقاش صاخب مع إخوة كرام أعزاء يوم صدر قرار إنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان فى ١٩ يناير ٢٠٠٤ وقد ضم إلى عضويته ثلاثة من أبرز الحقوقيين المصريين فى ذلك الوقت: بهى الدين حسن وحافظ أبوسعدة والدكتورة هدى الصدة.
كنت أرى أن هذا المجلس سيكون مجرد حلقة فى سلسلة المجالس القومية والعليا فى مصر، وهى المجالس التى تكاثرت حتى لا يُعرف لها عدد، ويضم البعض منها- فوق هواة الشهرة والراغبين من الاقتراب من أصحاب السلطة والنفوذ- عددا لا بأس به ممن ترى الدولة أنها لم تعد فى حاجة إليه ولكنها لا ترغب فى إغلاق أبوابها فى وجهه، فهى والحال كذلك أشبه بمأوى العجزة تنهمر عليهم فيه صدقات الحكومة.
كنت أرى أيضا- استنادا إلى خبرة تعديل قانون الجمعيات الأهلية وقتها ٨٤ لسنة ٢٠٠٢- أن النظام السياسى المصرى قد أصبح قادرا على تبنى مبادرات المجتمع واقتراحاته، وإفراغها من مضمونها وإعادة تصديرها إليه مضيفا إلى عقبات التطور نحو الديمقراطية عقبة جديدة، هكذا يدور المجتمع فى دائرة مفرغة تفضى به إلى اليأس والقنوط، فمن المطالبة بتعديل قانون الجمعيات إلى المطالبة بتعديل القانون المعدل، ومن المناداة بتعديل المادة ٧٦ إلى المطالبة بإعادة النظر فيها من جديد.. وهكذا لا تنغلق الملفات فى مصر أبدا.
وكنت أرى أن اشتراك حقوقيين بارزين فى مثل تلك المساخر أمر يضر بهم وبصدقيتهم ويشجع على إنشاء كيانات هزيلة تتسمى باسم حقوق الإنسان وهى أبعد ما تكون عن الحقوق وعن الإنسان فى آن معا. على أن كل الحجج التى سقتها آنذاك لم تنجح فى إقناع أحد، فمنذ ثمانينيات القرن الماضى وحلم تغيير النظام من خلال مؤسسات النظام ذاته يداعب النخبة المصرية ويدفعها إلى الترويج والتعاون مع الأطر التى يبنيها، ولكنها فى النهاية تخرج من تجاربها إما مهزومة أو مُدجنة وفى الحالين يخسر مجمل العملية السياسية بعضا من القادرين على تطويرها. فى ظنى أن التشكيل الجديد للمجلس القومى لحقوق الإنسان جاء ليؤكد صدق ما كنت أقول وليحمل إلى المجتمع كله رسالتين واضحتين:
الأولى أن النظام السياسى قد بلغ من الضعف مبلغا جعله لا يحتمل النصيحة حتى من أقرب الأصدقاء، فلم يكن الدكتور أحمد كمال أبوالمجد أبدا من المعارضين السياسيين فقد شغل الرجل مقعد الوزارة، وهو قريب من السلطة السياسية فى ذؤابتها العليا، ولكنه حاول أن يحافظ على قدر من الاستقلال فى مواقفه، كما حاول قدر المستطاع أن يحفظ ماء وجه المجلس الذى كانت الحكومة تتلذذ بإهانته وأعضائه ما أمكنتها الفرصة، وجد الرجل نفسه خارج التشكيل بطريقة غير كريمة لم تُرَاعِ سنه ومقامه ولم تأخذ فى الاعتبار سابقة خدمته.
الثانية أن النظام السياسى لم يعد يهتم كثيرا بنظرة المجتمع الدولى إليه، ولا يعنيه رضاء المجتمع المدنى المصرى عن مؤسساته، فقد تضمن التشكيل الجديد بعضا من الذين شاركوا بحكم مناصبهم– بالتواطؤ أحيانا وبالصمت فى بعض الأحيان– فى التعمية على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وصفها القاضى الجليل سعيد العشماوى رئيس محكمة أمن الدولة العليا فى أحد أحكامه العظيمة خلال ثمانينيات القرن الماضى بأنها إجرام فى إجرام، أو كانوا حتى سنوات معدودات يرسمون للسلطة التنفيذية خططا للتنصل من التزاماتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان، ويشرح لها كيف ترد على تقارير المنظمات الحقوقية إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان.
إننا نرى أنه مازالت هناك حاجة إلى مجلس قومى حقيقى لحقوق الإنسان يراقب عمل الحكومة فى هذا الميدان، ويساعدها إن أرادت، وأن يكون أعضاؤه من المشهود لهم بالأمانة والإخلاص والرغبة فى تحسين أوضاع حقوق الإنسان. بغير رغبة جادة من الدولة فى منح المجلس اختصاصات حقيقية، واختيار أعضاء غيورين على أوضاع حقوق الإنسان لن نكون إلا أمام مجلس ميت، وكما نعلم جميعا فإن «إكرام الميت دفنه».
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=13934&I=350