عزت عزيز حبيب
كتب: عزت عزيز - خاص الأقباط متحدون
"كلنا مصريون في وطن واحد".. هكذا كان شعار المؤتمر الذي دعت إليه نقابة المحامين بأسيوط الخميس الماضي، وكان مُقررًا له أن يختتم فاعلياته بمسيرة سلمية لحشود الحاضرين، وقد غاب عن المؤتمر – اضطراريًا - محافظ أسيوط، نظرًا لتواجده بالقاهرة باجتماعٍ وزاري، وذلك حسبما أوضح لنا مقدم المؤتمر.
كان على رأس الحضور كلٌّ من السيد/ حمدي خليفة، النقيب العام لمحامي مصر، ورئيس اتحاد المحامين العرب، والذي حضر خصيصًا لهذا المؤتمر، والسيد/ صلاح السنوسي، نقيب محامي أسيوط والوادي الجديد، والسيد/ محمد فزاع، عضو مجلس النقابة العامة للمحامين، بالإضافة إلى حشدٍ كبير من السادة المحامين من كافة مدن أسيوط والسادة المستشارين، وعلى رأسهم السيد المستشار رفعت السيد، رئيس نادي القضاة بأسيوط، ولفيفٌ من من بعض رجالات الأزهر الشريف.
ومن ناحيةٍ أخرى، فقد حضر لفيفٌ من رجال الدين المسيحي من إيباراشية القوصية ومير، يتقدمهم جناب القمص بيمن بطرس، والقمص لوقا راضي.
وقد لفت الانتباه بشدة غياب التغطية الإعلامية من قِبل القنوات الأرضية والفضائية، الذين لم يكن لهم أي تواجد يُذكر، باستثناء قناة محلية تغطي منطقة شمال الصعيد، قام مراسلها بعمل بعض اللقاءات بعد نهاية المؤتمر.
وبدأ المؤتمر في تمام السابعة مساءً بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح شهداء نجع حمادي.
تحدث في المؤتمر القس بولس بشاي نيابة عن نيافة الحبر الجليل الأنبا ميخائيل مطران أسيوط وعن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد بدأ كلمته بالتعبير عن امتنان نيافة الأنبا ميخائيل لدعوة نقابة المحامين لهم بالحضور، وأعرب عن سعادته لهذه الصحوة الفكرية غير المسبوقة، والتي بادرت بها نقابة المحامين، أعرق النقابات، والتي دومًا ما تنحاز للحق وتدافع عنه من أبوابه الشرعية، تأكيدًا لوحدة مصر وتماسُكها، وقام أيضًا بتحية الحقوقيين وكلَّ مَن شارك بالعمل أو الفكر أو الحضور.
وعن دلالات هذه اللافتة الكريمة، قال: " إنَّ مجرد الاهتمام بعقد مؤتمرٍ كهذا، يعني أن دماءئنا وأرواحنا لها قيمة وثمن عند شركائنا في الوطن".. وأوضح أن هذا المؤتمر هو نقلة فكرية وحضارية لطالما انتظرناها بعد أحداثٍ مشابهة ومنعطفات خطرة ألمّت بأمتنا، ولكن خيّم عليها صمت مهين وكأن شيئًا لم يكن، ومن ثم فهذه الخطوة الإيجابية، نراها اليوم برقية عزاء لا لنجع حمادي فقط، بل ولمثيلاتها في الكشح وصنبو وملوي وديروط الزاوية الحمراء وغيرها.
وأضاف جنابه قائلاً: "سلامًا لكم أيها الشهداء الأبرار فصلوا لأجلنا"، ثم أكمل قائلاً: "إن هذه الصحوة ليست فكرية فحسب بل صحوة للضمير الإنساني، فالإنسان هو الإنسان والضمير هو الضمير، فالخالق واحد.. والله أصل الوجود والضمير السوي أيضًا واحد، فُطِر على الحب والتآلف، فهو يتأذى ويلفظ الأيادي الملطخة بالدماء تحت أي مسمى ولأجل أي اعتبارات، وما عدا ذلك فهو إثم ودخيل على خلقة الله المقدسة.
وقال أيضًا: "إنه لا يكتفي أن يكون اجتماع اليوم وقفة حداد فحسب، بل نريد أن يكون وقفة مع أنفسنا نصلح فيها ما أفسده الدهر وتراكمات السنين.. فكفانا اختباءً وراء شعارات جميلة لا تسمن ولا تشبع من جوع، فهي لم تحمِ البريء ولا مسحت دموع أم ثكلي.. إنها وقفة ننادي فيها من مرضت ضمائرهم كي يعيدوا حساباتهم.. فهل يُعقل أن المسيحية التي تنادي بمسالمة الأعداء وعدم رد الصاع صاعين، يكون جزاؤها رصاص الغدر؟؟.. إن الكنيسة دائمًا وأبدًا تقف ضد تيار متهور كي لا تكون مصر ساحة لصراعات طائفية تأكل الأخضر واليابس مثلما حدث في لبنان والسودان..
ثم قصَّ الواقعة التاريخية التي حدثت في القرن التاسع عشر والتي أرسل فيها قيصر روسيا رسولاً للبابا بطرس الجاولي بطريرك الأسكندرية في ذلك الزمان والتي عرض فيها القيصر على البابا حماية الأقباط في مصر، فرد البابا بكل هدوء وروحانية وتقوى وسأل الرسول: "هل قيصر روسيا لا يموت؟ فقال طبعًا
يموت، فرد وقال له: "قل للقيصر نحن في حِمى إله لا يموت"..
وأكد جنابه أن الكنيسة زرعت في كل قلب سمة الوداعة، أفيكون جزاؤها أن تكلم وتفجع في أولادها وعلى أعتابها وفي ليلة عيدها؟!!.. ثم استطرد حديثه قائلاً: "أقول لهؤلاء الذين ماتت ضمائرهم، لقد أخطأتم العنوان، أبدًا ما كانت الكنيسة يومًا صاحبة يد ملوثة، لا في السر ولا في العلن، لقد أخطأتم العنوان، فالكنيسة ليست بالعدو حتى لمن يريد أن يعاديها، فهي أيضًا تتبع معه تعاليم فاديها ومسيحها ومخلصها تبارك اسمه (صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم).. أقول لهؤلاء الذين تجمدت مشاعرهم: لن تستطيع رصاصاتكم الغادرة أن تغيّر سلوكنا المسيحي بالمحبة وهي الأشد بأسًا"، كما عبّر بذلك أمير الشعراء أحمد شوقي قائلاً:
يا فاتح القدس خلْ السيف ناحية ليس الصليب حديدًا كان بل خشبًا
وإذا رأيت إلى أين انتهت يده وأن سلطانه قد جاوز القُطُبا
علمت أن وراء الضعف قوتهُ وأن للحق لا للقوة الغلبا
وأضاف قائلاً: "اليوم وقفة لأجل مصر نعبر فيها عن وطنيتنا الصادقة الصحيحة البعيدة عن كل التعصب الأعمي كي لا يدع المراءون فيما بعد حبها، فما أسهل الكلمات والشعارات.
وتساءل: "ألم تُزين الشوارع فيما مضي بكلمات الغزل في حب مصر لأناس فضحت قضاياهم في القروض وغير القروض؟"، وأخشى أن يخرج علينا غدًا -حمانا الله- تاجر مخدرات تحت الشعارات أيضًا، إن من يحب مصر يصغي إليها ويميز حقًا أناتها، والتي فهي تنادي دومًا على أبنائها الشرفاء الأمناء العاقلين المثقفين قائلة: "انبذوا التعصب والتفرقة"، ونحن بدورنا ننادي كل هؤلاء أن يرفعوا عنها تراب الجهل وأمية الثقافة وإن لم تتشابك أيادينا في نبذ التعصب، فسيجني الجميع مرارة الثمر وهل يُجنى من الشوك عنب؟؟ فإن ما نصنعه اليوم سوف نحصده غدًا وإن كنّا نحصد ما زرع في أجيال قبلنا فمن الأمانة أن لا نورث أبناءنا مرارة الحلق وأن لا نعيد غرس بذار هذه المآسي وأن نتكاتف جميعًا للوحدة فمصر للجميع.
وفي آخر كلمته حيا نقابة المحامين وقال: "إلى الأمام دائمًا في مسيرات الاستنارة والأمسيات البناءة".
وأعطيت الكلمة بعد ذلك للدكتور محمود مهني، نائب رئيس جامعة الأزهر، فرع أسيوط، والتي جاءت ساخنة وبصوت عال، لأنه أراد بها الرد على ما جاء بكلمة القس بولس، ووجّه فيها الحديث أكثر من مرة وبصورة مباشرة للقس بولس وكيل الأنبا ميخائيل مطران أسيوط قائلاً: إن الدين الإسلامي تحمل في بداية الدعوة ما لا تتحمله الجبال الشامخة، مشيرًا إلي أن المسيحية أيضًا مرّت بأهوال مماثلة، وأوضح أن الإسلام دين سلام، وتساءل «أين العنف الذي يشيرون إلى أن الإسلام يحض عليه؟».؟.
وأشار مهني إلى أن الإسلام يحافظ على قدسية الكنيسة، وقال موجهًا حديثه لقيادات الكنيسة «إن لكم أعمالكم ولنا أعمالنا، والله يجمع بيننا ويتحكم بالمصير» وأشار في كلمته إلى أن الحروب الصليبية قامت ضد المسلمين وقتلت الكثيرين منهم.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش هاجم أفغانستان والعراق وغيرها وكل هذا باسم الدين، واستفاض الدكتور مهني في الحديث -وتعدى الوقت المحدد لكل متكلم- وذكر الكثير من الآيات القرآنية التي تنبذ العنف والإرهاب وتحث على معاملة أهل الكتاب بالمحبة والسلام.
واختتم كلمته طالبًا من الآباء الكهنة أن يتوددوا الوزير يوسف غالي وزير المالية أن يخفف العبء عن الشعب، فرد عليه القس بولس قائلاً له: "هذه سياسة".
وأرسل القس بولس تعقيبًا مكتوبًا للرد على ما جاء بكلمة الدكتور مهني وقال فيه: "إننا نحن مصريون أقباط ولا وجه لمقارنتنا بغيرنا وما فعله الأمريكان أو غيرهم"..
ثم جاءت بعد ذلك كلمة السيد المستشار رفعت السيد، رئيس نادي القضاة بأسيوط، وقال بأنه كان من الواجب أن تسبق هذا المؤتمر البحوث والدراسات لتكون مرجعًا في المستقبل. وأضاف بأن الحوادث الفردية كلها لو بُحث فيها وجدنا أن أطرافها من الجهلاء ومن قاع المجتمع ومن العشوائيين ولا يمكن أن ينعت عليهم بأنهم يمثلون المسلمين أو المسيحيين، وإن الوحدة الوطنية في مصر كانت ولا تزال وسوف تبقي قوية راسخة..
وأضاف سيادته قائلاً: "هناك قوانين أو إجراءات يتعين أتباعها أو أعراف يتعين إلغاؤها، فأننا جميعًا نناشد المشرع أن يسارع لتصحيح الأوضاع حتى نقضي على أي بادرة من بوادر الفتنة.
وجاءت كلمة السيد اللواء عبد الرحمن راشد، سكرتير عام محافظة أسيوط، نيابة عن السيد الوزير نبيل العزبي محافظ أسيوط، وقال: "إنه يجب العمل على تمكين المواطن في المشاركة والعمل على تنمية القدرات التنمية، فلا يمكن أن تنجح دون مشاركة شعبية فعالة، وإن المواطنة لها أثر إيجابي وهو الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية التي هي أساس كل بناء وتقدم بالمجتمع.
وقال النقيب: "السلام عليكم والسلام لكم.. قاسم مشترك يجمع فيما بين التحيتين، قاسم مشترك أعظم اتخذ منه شعب مصر العظيم دستورًا يبدأ به دستورًا يستظل بظله، فهذا هو الدستور الذي يجمع شعب مصر العظيم، "السلام" الذي من أجله رسم هذا الشعب العظيم مسلمين ومسيحيين صفحات تاريخية سجلها التاريخ مواقف وطنية دافع عنها من أجل السلام.
وأضاف قائلاً: "المواقف الوطنية التي يتبناها هذا الشعب العظيم لم يكن هناك فيها فرق في الدفاع بين مسلم أو مسيحي، وإن حرب أكتوبر المجيدة التي صنعها شعب مصر لم يصنعها المسلمون وحدهم أو المسيحيون وحدهم، ولكن اشتركت فيها القوى الوطنية دفاعًا عن مصر وأرض مصر وتاريخ مصر.. وكان لي شرف القتال في حرب أكتوبر وكتبت بدمي الله وأكبر على علم مصر.
ومن كان يشاركني في كتابة الله وأكبر بدمي على علم مصر؟ إنه الشهيد يوسف إبراهيم صديق وهو مسيحي.. لماذا لا تكون مصر هي الشيء العظيم الذي يجمع الشعب العريق والعظيم؟، وقال إنه يجب أن نتوحد جميعًا ويجب أن لا يكون هناك حادث فردي من الممكن أن يؤثر في العلاقة الإنسانية التي هي موجودة بالفعل بين المسيحيين والمسلمين ولن نسمح لأحد أن يتآمر على هذا الشعب ونحن قادرون على المواجهة.
وأضاف أن نقابة المحامين تتبنى القضايا القومية في مصر وقال إن أول من تطوع للدفاع عن مروة الشربيني هم محامون مسيحيون،
وطالب بضرورة نشر الثقافة الفكرية بين أفراد المجتمع وبضرورة تدريس المادة القانونية من بداية المراحل التعليمية حتى يعلم كل مواطن حقوقه وواجباته والتزاماته.
وحمّل السيد/ محمد إبراهيم فزاع، عضو مجلس نقابة المحامين العامة، في كلمته، النظام تراكمات الاحتقان بعد أن تجاهل المادة الأولى من الدستور، والتي تنص على أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وأوضح أن النظام لا يزال ينتهك حرية الإخوة المسيحيين في بناء دور العبادة، بل يُجرِّم بناء الكنائس أو حتى بناء دورات المياه فيها، وتساءل من يقوم ببنائها دون ترخيص قانوني.
وفي نهاية المؤتمر قام السيد/ صلاح السنوسي بتلاوة توصيات المؤتمر:
أولاً: تشكيل لجنة من نقابة المحامين بأسيوط والوادي الجديد يكون دورها العمل على ترسيخ روح الوحدة والإخوة بين أفراد المجتمع وتفعيل الحل المدني لما قد يطرأ من خلافات دون الاكتفاء بالحل الأمني أو السياسي.
ثانيًا: الدعوى إلي التمسك بكافة الثوابت الوطنية والدينية وتعميق الشعور بأن الدين لله ومصر لكل المصريين.
ثالثًا: تفعيل المادة الأولى من الدستور بجعل المواطنة واقعًا حالاً وليست مجرد شعارات تُردَد.
رابعًا: تطوير الخطاب الديني بما لا يفرق بين نسيج الوطن الواحد تفعيلاً لِما نادى به السيد رئيس الجمهورية في خطابة الأخير.
خامسًا: رفض كافة أشكال التدخل الخارجي في شئون الوطن وحل كل الخلافات من منظور وطني دون الاستعانة أو الاستقواء بالخارج.
وقد جاء هذا المؤتمر في دلالة قوية على أن لنقابة محامي أسيوط السبق دائمًا في اللقاءات الوطنية، وجاءت التوصيات مُرَّحبًا بها من الجميع، فهل سيعمل الجميع على تحقيق وتنفيذ هذه التوصيات، أم أن هناك جهات قد تقف حائلاً بين تنفيذها وبين أن تري النور؟؟.
http://www.copts-united.com/article.php?A=14081&I=354