ماذا يستفيد فِلان من تديّن عِلان؟؟؟!!!

نبيل المقدس

بقلم: نبيل المقدس
العلاقة بين الإنسان والإيمان بربهِ عِلاقة خاصة، لا تَرتبط ولا تَدخل في درجة شِدة قوميته ووطنيته ومحبته لبلدهِ.... كما أنه لو ركزنا على حقيقة الديانة, فسنجدها خاضعة للنسبية مهمًا يكن، فأصحاب كل دين يأكدون بحقيقة إيمانهم، وربما تتخذ هذه العلاقة شكلاً من أشكال التعصب عندما يبتعد عن جوهر العلاقة الروحانية بين الإنسان وربه من جهة، وبعيدًا عن العلاقة الإنسانية السوية والطبيعية بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهةٍ أخرى، فكثيرًا ما نرى الاهتمام بالشكليات، لكي يكون الهدف منه عكس صورة لحقيقة إيمانه أو تمسكهِ بديانته أمام أصحاب الديانات الأخرى، مع أنّ الإيمان بالديانة لا يمكن أن يكون له علاقة بالمظهر لأنه شعور داخلي أساسًا، ففي الثقافة الإسلامية أو شريعتها يُعتبر كلٌّ من المرأة غير المحجبة، أو الرجل الحليق، أو الذي يبدو من غير ذبيبة على جبهته،  بعيدين عن الله, وكذلك الحال بالنسبة لعدم إذاعة الآذان بصوت عال من خلال مكبرات الصوت، كما يعتبر القائمون على قيادة هذه البلد هم من الكافرين لأنهم لا يطبقون أحكام الشريعة.. وهذا أيضًا ما كانت تفعله جماعة الفريسيين قديمًا، وجماعة الأرثوذكس اليهود في عهدنا، فهم أنهم يلبسون لباسًا خاصًا, وقبعة عالية سوداء, وفي ما هم سائرون أو راكبون يقرأون الزبور أو التلمود لكي يُظهِّروا مدى ارتباطهم بيهوه.. أما المسيحييون فإن اقتناءهم للأيوقونات ولصور القديسين وتعليقها على جدران الكنائس والمنازل، فهذا مظهر من مظاهر التمسك بالعقيدة.

كما نلاحظ أن من مظاهر التدين الزائف هو إصرار جميع المصريين بكل طوائفهم بتعليق أيقونات تخص دين كل منهم في سياراتهم, ولصق بعض من الآيات الدينية داخلها وخارجها... حتي أصبحنا نستطيع أن نُمييز عقيدة صاحب هذه السيارة... مع العلم أنني كنت ضد القانون الذي ظهر فجأة منذ سنوات بعدم تعليق أي شيء يدل على الديانة, وهذا خطأ جسيم لأنه لا يحق للحكومة أن تتدخل في حريات الأفراد مع التحفظ في عدم استغلالها بطريقة مستفزة... كما نلاحظ في السنوات الأخيرة ظاهرة قراءة المصاحف في المواصلات العامة, وما يجعلني أتأسفُ له هو هذا الشخص الذي يقرأ في المصحف وعلى أكتافهِ كتل من البشر وهو ما يزال مُصرًا على قراءته, وأنا متأكد تمامًا أنه لا يعي ما يقرأهُ! ... إنه مظهر من مظاهر التدين... وأخيرًا وليس بآخر تحويل ملاعب الكرة إلى ساحات سجود ودعاء... اليس هذا مظهر زائف للتدين...
الإكثار من مظاهر التدين يُعتبر كارثة على البلدان وخاصة التي تضم طوائف دينية أخرى، فماذا يستفيد "فلان الذي من الأقلية" من تديّن "عِلان الذي من الأغلبية" إذا كان "عِلان" هذا له الحق أن يمارس ضد الآخـــر كل أنواع النبذ والاضطهادات وعدم مراعاة شعور وإحساسات إخوتهم في الوطن؟! فأنا أرى أننا أمام "حالة زيف " يتغلب فيها المظهر على الجوهر!!..
قد يبدو الإنسان على خلق من الخارج وقد يقوم بأعمال خيرية أو يبني كنائس وجوامع ومستشفيات خيرية وقد يساعد الفقراء وتراه يصوم ويصلي, وتمتد موائد الرحمن في شهر رمضان... لكن قد تكون هذه المظاهر كُلّها خدّاعة ليُرى الناس أنّه متديّن ويعرف الله... بينما قلبه (من الداخل هو غير ما يبدو من الخارج) بعيد كل البعد عن الله وقد لا يعرف الله الحقيقي!!..

الآن نري السلفيين يشددون على ذلك بحفظ قائمة طويلة من القواعد الدينيّة من الصوم ومظاهر البذخ والتباهي بالصيام والصلاة في الساحات والأماكن العامة والزكاة (أحيانًا من مال الحرام) والأعياد التي أصبحت مناسبات للاحتفالات التي أصبحت بعيدة كل البعد عن جوهر العيد الذي هو فرح مع الله وزيارة العتبات المقدّسة للحصول على لقب معيّن واستغلاله في التجارة وحتى قواعد الأكل والشرب والمعاشرة الزوجيّة وغسل الأيدي ومئات الفرائض والفتاوى التي جاوزت المئات بل الآلاف (عند بعض الديانات غير المسيحيّة) حتى أصبحت هذه التشريعات والفتاوى في بعض الديانات عبئًا ثقيلاً على الناس وحجر عثرة لهم، فأصبح الإنسان مستعبدًا لهذا الكم الهائل من التشريعات باسم الدين وما هو حلال وما هو حرام, وجميع المظاهر الخارجيّة التي تُعطي انطباع ومظاهر خارجية للتقوى بينما هناك فراغ في التقوى الداخليّة وجحود في القلب... فقد سمّي يسوع المسيح هؤلاء رجال الدين المتديّنين والمتشددين الذين يشرّعون ما هو ليس تشريعًا إلهيًا بالمرّائين ووصفهم بأولاد الأفاعي [الويل لكم يا مُعلّمي الشريعة والفرّيسيُّون المرُّاؤون، تُغلقون ملكوت السّماوات في وجوه الناس فلا أنتم تدخلون ولا تَتركون الدّاخلين يَدخلون] (متى23:13 ).

أما ما نراهُ من جهة الحكومة والمؤسسات الحكومية, والتي تنادي بالمواطنة وتسعى وتبذل مجهودًا ضخمًا ببناء الدولة المدنية الحديثة... نجدها تُطبق في نفس الوقت وعلى نفسها أول مباديء التمييز بين طوائف شعبها كما تمارس مظاهر التدين في مجتمع يشمل أكثر من طائفة... فنجد آيات قرآنية ملتصقة على جدران الحافلات العامة, والمصالح الحكومية... والسماح بعمل زاوية للصلاة في كل طابق من طوابق المصلحة, حتى أن مصالح الناس تتوقف لحين الانتهاء من الصلاة, وفجأة تسمع صوت الآذان "يُلعلع" في الطابق من شخص ربما على درجة رئيس قسم كرّس نفسه اليوم كله في خدمة هذه الزاوية... وما أحزنني أن أجد بعض مديري القطاعات تأكيدًا لتدينهم يسمحون بأن تُقام هذه الزاوية بجانب حجراتهم.. وما يدهشني أكثر هو وجود هذه الزوايا في مدريات الأمن وأقسام الشرطة...  فقد ذهبت إلى قسم الشرطة لكي أغيرّ عنوان بطاقتي الانتخابية... وتوجهت إلى الموظف المختص في عُقر دار قسم الشرطة وفرحتُ جدًا أنني كنت الوحيد أمامهُ, كان رجلاً بلحية, ابتسم لي وقال أرجو من سيادتك أن تصور لي صورة الطلب وتصور لي نسختين لأننا لا نمتلك هذه النماذج... قلت له وأنا تحت أمرك... "يادوب نزلت الدورين" وذهبت إلى مكتب التصوير بجانب القسم, ورجعت في غصون 11 دقيقة, وأخذت السلالم جريًا وصعودًا, ودخلتُ المكتب, وإذ بالموظف غير موجود... سألت عنه موظفة منقبة كانت تجلس في المكتب الذي أمامه, قالت لي وبشذر... إيه ياحاج... في إيه؟؟ ده راح يصلي... وانتظرت حوالي ساعة إلا ربع, حتى جاء هذا الموظف المتدين, لكي أعطيه فقط الورقة يوقع عليها ويحولني إلى سيادة العقيد.. ماذا استفدتُ أنا من تدينه إلا تعطيل مصالحي..

وما يزعجنا نحن المسيحيين أن نرى هذا التمييز موجود حقيقة في المدارس والتي أصبحت من مميزاتها التحلي بالتدين, والتي هي المفروض أن تكون أول درجة لتعليم المواطنة والتي على أساسها يتم بناء الدولة المدنية الحديثة والتي تتدشق بها الحكومة بأنها موجودة في دستورها ولأول مرة في تواريخ الدستور المصري.. فتجد العبارات الإسلامية هي المتغلبة على جميع المناهج لكل مادة... حتى مسائل الحساب أصبحت كلها "حواديت" إسلامية... بالإضافة إلى إلغاء تاريخ مصر الحقيقي والتركيز فقط على التاريخ الإسلامي... حتى وصل بهم التدين إلى وضع امتحان الرسم حول ما يدور في الحج مع إجبارهم على كتابة ( الشعار الإسلامي ).. فقد تخيّل واضع الامتحان أنه كسب الجنة وأظهر لإخوته في العقيدة مدى تمسكه بدينه..
لكن عندما وصل الخبر للسيد الوزير الجديد للتربية والتعليم... أدرك مدى خطورة الأمر، فقام بإلغائه.... هذه هي أول خطوة نحو المواطنة.. نحن نريد خطوات فعالة من المسئولين لوقف تيار التدين الزائف والذي سيأتي بالبلد إلى كارثة!!..
فعلاً ماذا يستفيد المواطن صموئيل ... من تدين المواطن إسماعيل ... !!!!!