بقلم: مشعل السديري
لا أدري من هو القائل، ولكنني أظن أنه الشاعر العراقي «معروف الرصافي» - «وصححوني إذا كنت غلطان» - وذلك عندما قال:
«رخصت عندنا المناصب حتى قد شروها بسبحة وبلحية»
وأعتقد أن بيت الشعر هذا لا ينطبق عليّ، وإن انطبق فهو ينطبق جزئيا، وأقول لكم كيف؟! أولا: ليس لي والحمد لله أي منصب في هذا العالم المتعدد الوظائف، إلا إذا كانت «الصرمحة» والتلاعب بالكلمات تعتبر وظيفة، عندها من الممكن أن أدعي أنني أتبوأ منصبا متواضعا في هذا المجال الرخيص.
أما ما يخص اللحية فقد فارقتها، أو بمعنى أصح هي التي فارقتني عندما هجرت بالمضاجع مدرسة الفن، ففي ذلك الوقت كنت أتأسى بـ«تشي غيفارا» وبـ«فان غوخ»، وأعتمر على رأسي «كسكتة» سوداء، وتزين وجهي غير الحليق «سكسوكة» أشبه ما تكون بلحية التيس عندما يكون في أحسن حالاته، أي «في قراع الخطوب».
ولكنني للأسف «جلمدت» أبو جدها - أي حلقتها - عندما عايرتني بها إحدى النساء المتخلفات عقليا ونفسيا وخلقيا.
ثانيا: فيما يخص «السبحة»، فإنني أعترف أنها لا تفارق جيبي وأحيانا أصابعي - وفي رواية أخرى أناملي - أعبث بها أكثر مما أسبّح، وذلك عندما تداهمني الهموم، وأبدأ بتعداد دراهمي وذنوبي والأشخاص الذين أود أن أذيبهم «بماء النار» أو أنفيهم إلى ما وراء الشمس، هل تريدونني أن أكذب؟! المشكلة أنني لا أستطيع، إنني بكل تواضع «إرهابي» مع وقف التنفيذ.
وسبحتي العزيزة هذه أعزها وأقدرها وأحافظ عليها مثلما أحافظ على أهلي، والفرق بينها وبينهم أنها «متحركة»، وكثيرا ما سألني من يعرفونني قائلين: «إنه مضى عليك أكثر من عشرين عاما وهذه السبحة لا تفارقك، كيف لا تبلى أو تضيع؟!»، وكنت على الدوام أكذب عليهم وأقول: إنها فلذة كبدي فكيف لا أحافظ عليها؟! والحقيقة أنها «مستنسخة»، فأنا على الدوام أشتريها «بخمسة ريالات» لا أكثر وهي من «البلاستيك»، وأفرطها ثم أحولها إلى سبحتين كل واحدة منهما لا تزيد على «16» حبّة فقط، ويوجد لي منها الآن أكثر من «30» سبحة، وهي من رخصها وتعاستها لا يطمع فيها أي إنسان لدرجة أنني حاولت في إحدى المرات أن أهديها لأحد الأصدقاء، وما إن وضعتها بيده حتى صرخ وكأنه أمسك بعقرب، وما كان منه إلا أن قذف بها من النافذة، وقال بالحرف الواحد: «والله إنني لو وجدتها مرمية في الشارع وكان معي مسدس لأطلقت عليها الرصاص من دون تردد». كل هذا الكلام الذي استعرضته أمامكم عن المناصب واللحى والسِّبَح ما هو إلاّ «توطئة» لما أثار شجوني من «ريبورتاج» مصور شاهدته في إحدى المجلات عن ملوك وسلاطين وأمراء أفارقة، حسدتهم من أعماق فؤادي على ما يتبوأونه من مكانة رفيعة، وهم، على فكرة، لم يشتروا مناصبهم تلك لا بسبحة ولا حتى بلحية، ولكنهم جلسوا على كراسيهم أو عروشهم «بالرّاحة» وبكل «قلاطة» وهم: ملك «الاكيجان» في نيجيريا، سلطان «الفومبان» في الكاميرون، سلطان «السوكوتو» في نيجيريا، أمير «الكاتسينا» في نيجيريا، ملك «البانا» في الكاميرون، ملك «اللامبدو» في الكاميرون، سلطان «الري بوبا» في الكاميرون، ملك «الكوبا» في بنين، أمير «البومي» في بنين، ملك «اللوا» في نيجيريا، سلطان «اوباردواوا» في نيجيريا، ملك «الاكروبونج» في غانا، ملك «الباند جون» في الكاميرون، أمير «اوبي النينوى» في نيجيريا.
الذي أصابني بالإحباط وسطح قلبي وجعلني أشعر بالحرمان المدقع، أن أقل واحد من هؤلاء الملوك والسلاطين والأمراء يجلس تحت كرسيه ما لا يقل عن ثلاث زوجات وثلاثين بقرة، أما من تبوأ منهم منزلة عالية فحدث ولا حرج، فلديه مئات الزوجات وآلاف الأبقار، واللهم لا حسد.
لك الله يا «أبو المشاعل»، راحت عليك، ولا شك في أنني في هذه الليلة سوف أنام نومة العازب وأحلم، وأدعو على كل من يوقظني.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=14333&I=359