يا ويله وسواد ليله
علي سالم
حتى بعد أن قضت في مهنة التدريس اثنين وعشرين عاما، يمكن وصفها بأنها جميلة، ولكنه ذلك الجمال الذي يذكرك بلحظات غروب الشمس. وفي تلك اللحظات هبط عليها وعلى الأسرة عريس يمكن وصفه بأنه لقطة، كان مهندسا تلوح عليه علامات التقوى والصلاح كما كان ظريفا خفيف الدم، وهذا استثناء جميل صعب أن تجده بين أصحاب التقوى والصلاح، أقصد أنه لم يكن متطرفا وهذا ما جعلني أفرح لهذه الفتاة التي تمت لي بصلة قرابة من بعيد. كان شرطه الأول هو أن ترتدي القناع، فوافقت الفتاة على الفور، ثم طلب منها أن تترك عملها كمدرسة للغة الإنجليزية وأن تتفرغ لبيت الزوجية لأنه - والحمد لله - قادر على الإنفاق على البيت وعلى كل ما تطلبه.. يا سلام.. عز الطلب من هي تلك الأنثى التي ترفض أن تبقى في بيتها معززة مكرمة، بعيدا عن صداع العمل والعذاب اليومي في المواصلات؟
وافقت قريبتي العروس بلا تردد، كانت المباحثات بينهما تصلني أولا بأول، ولم أجد في طلباته ما يمكن وصفه بالشطط أو الغرابة. ولكن الفأر بدأ يلعب في عبي عندما عرفت أنه طلب منها ألا تتقدم باستقالة.. سيبيهم يرفدوك.
لماذا؟ هذه اللماذة لم تقلها العروس.. أنا الذي قلتها، أما هي فوافقت على الفور بغير أن تسأل عن الحكمة في ذلك. ثم جئنا إلى الطلب الذي أشعل في صدري كل اللمبات الحمراء ودق كل الأجراس وحول عبي إلى أكبر ملعب لفئران العالم؛ طلب منها العريس المهندس ألا تأخذ معاشها أو مكافأتها من الحكومة. من حقها فقط الاحتفاظ بكل مدخراتها التي حصلتها طوال سنوات عملها، ولكن عليها ألا تقترب من فلوس المكافأة أو المعاش..
هو لم يوضح سبب هذا الطلب الغريب، والعروس أو أسرتها لم يطلبوا تفسيرا لذلك، غير أن التفسير الوحيد لهذا النوع من الأفكار، سبق لنا أن عرفناه نحن العجائز في سبعينات القرن الماضي مع بداية حركات التطرف في مصر الذي انتهى فاصل هام منه بإعدام زعيمهم شكري مصطفى. الفكرة التي دفعت العريس لهذا الطلب الغريب هي أن الدولة كافرة وبما أنها كافرة فلا يصح لمسلم أن يحصل منها على فلوس.
ربما لم يصرح العريس بذلك غير أنه أوحى بهذه الفكرة لكل من حوله بما يجعلها يقينا لديه. الواقع أنه في كل طلباته، كان بعيدا عن الدين كل البعد، هو فقط يريد امرأة لا حول لها ولا قوة، هو يريد حرمان امرأته شريكته أم أطفاله، يريد حرمانها من أي مصدر للقوة، منفذا بدقة تلك النصيحة القديمة في الفكر الشعبي الفلاحي «إذا كان للست مدْود في الدار هدّه»، والمدود كما تعرف هو ذلك الحوض الخشبي أو الحجري الذي نضع فيه أكل البهائم.
أن يكون لهذه الأنثى مبلغ من المال هو معاشها عن سنوات عملها الطويلة، وأن يضاف إلى حسابها في البنك كل شهر، فهذا معناه أن لها كيانا كآدمي، وهو يرفض ذلك. واقع الأمر، هو ليس في حاجة إلى زوجة بل إلى جارية وعندما تتأكد زوجته من ذلك.. فيا ويله وسواد ليله.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=146118&I=1840