نبيل شرف الدين
بقلم / نبيل شرف الدين
ما حدث فى قرية «الشورانية» بمحافظة سوهاج مع مواطنين مصريين كل جريمتهم أنهم يعتنقون «البهائية»، ليس له اسم سوى «العار» على كل مصرى ارتضى الصمت، فضلاً عن التورط بالفعل أو التحريض على جريمة الاعتداء على إخوان لنا فى الوطن بسبب معتقدهم الدينى، وهذه الجريمة لم تبدأ فى اللحظة التى هبّ فيها الغوغاء والمتعصبون، لكنها بدأت حين تراخت الدولة عن حماية مواطنيها، ونافقت الدهماء على حساب البهائيين، وقبلهم الأقباط، ولا ندرى إلى أين يمكن أن يقودنا هذا السلوك الأرعن، وتلك اللعبة السمجة التى يمارسها الفاشيون والمهووسون دينياً، ليبدلوا ذائقة مجتمع كان التسامح أحد أبرز سماته.
أفهم أن يحرض على البهائيين والأقباط والمتصوفة وغيرهم رجال الدين الذين أتخموا على موائد الوهابية حتى أصبحوا وكلاء لها فى مصر، وأفهم أيضاً أن نظاماً حاكماً بلغ من الترهل درجة يرضخ معها لابتزاز الفاشية الدينية الجديدة، كما أفهم أن يبيع القائمون على الصحف الرخيصة بضاعة التحريض، لأن هذا هو كل ما يملكونه، وربما أفهم أيضاً ذلك الصمت المتواطئ لمعظم الصحف ووسائل الإعلام على الاضطهاد الدينى وإنكاره.
لكن ما لا يمكن أن أفهمه أن يتفرغ صحفى يشغل موقعاً نقابياً للتحريض على البهائيين، ويكرس معظم وقته لمهاجمتهم لا لشىء إلا لأنهم يعتنقون ديناً آخر خلاف دين الأغلبية، مع أن الصحافة «مهنة رأى»، ولابد أن ينحاز الصحفيون لحرية التعبير والاعتقاد، وليس مقبولاً أن يتورط صحفى فى قمع الحريات العامة، ثم يتجاوز ذلك إلى التحريض على العنف، فهذه جريمة مكتملة الأركان، وتستوجب المساءلة، لو كنا حقاً فى دولة قانون.
نُقل عن أهالى قرية «الشورانية» قولهم، إنهم يشعرون بالخجل حين يعيرهم أبناء القرى الأخرى بأن بهائيين يعيشون بينهم، وكان أجدر بهم أن يفاخروا بذلك، لأن فى أرض الله متسعاً لكل الزهور والأشواك، وأن العار الحقيقى ليس فى وجود البهائيين، بل فى التحرش بأسر مسالمة والاستئساد على المستضعفين، وأن محاسبة الخلق على معتقداتهم هو شأن إلهى، لم يخول الخالق أحداً فيه، وأن ما يجرى ليس غيرة على الدين بل هستيريا جماعية انتشرت فى مجتمعنا مؤخراً كالوباء، مما يقتضى وقفة صارمة معها.
بالطبع ليست هذه هى المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التى اكتفت فيها السلطات بالاستمتاع بمشاهدة الوصلة الهستيرية التى قدمها الغوغائيون ضد مواطنين مخالفين فى المعتقد، فقد سبق أن حدث هذا مع اليهود المصريين، وحدث ويحدث مع المسيحيين، وها هى اللعبة الشريرة تتجدد فتقوم السلطات بعمليّة ترحيل للبهائيين من القرية وتغلق البيوت التى نهبها المهووسون، وتلتزم الجهات المعنية بالصمت المريب فلا بيانات تشرح ما حدث، ولا إجراءات تحول دون تكرار هذه الوقائع التى باتت تتواتر بشكل يحقّ معه للمسيحيين أن يتحسسوا رؤوسهم خشية أن يلقوا ذات المصير يوماً ما.
وحينئذ ستكون الطامة الكبرى، لأن الأقباط مجتمع كبير يقدر بالملايين، ولهم حضور فى شتى مناحى الحياة، وما قيل عن البهائيين وقبلهم عن اليهود يمكن أن يقال عن المسيحيين أيضاً، وبالتالى فلا يمكن التهوين من خطورة الأمر.
إلى متى سنظل ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونكتفى بالأحاديث الفارغة عن المؤامرات الكونية التى تحاك ضدنا، بينما نتورط كدولة ونخب ومجتمع فى أبشع الممارسات كالتمييز بين أبناء الوطن الواحد بسبب الدين أو العرق، فمما لا سبيل لإنكاره أن هناك حالة التهاب فى الأطراف، فالأقباط والنوبيون والبدو وأخيرا البهائيون تحاصرهم مشاعر المرارة، نتيجة الإحساس بالغُبن والتمييز والاضطهاد، يحدث كل هذا بينما الدولة لا تشعر بالانزعاج.
بل ربما كانت هناك دوائر تسعد بالقصة باعتبارها وسيلة لتنفّيس المأزومين عن الغضب المشحون وتعمى الأبصار والعقول عن أوضاع الحياة المتردية، فأهالى قرية «الشورانية» لم يحتجّوا على الفقر أو تدنى مستوى الخدمات، لكنهم احتقنوا لسبب لا يعنيهم ولا يمس مصالحهم الحقيقية.
أخيراً، هل ينبغى أن نبقى هكذا حتى نرى أنفسنا فى مواجهة مع المجتمع الدولى، وتتهم مصر برعاية التمييز الدينى للتغطية على تفشى الفساد، وانعدام المعايير العادلة، وتوزيع المناصب على أسس دينية، وليس استناداً للكفاءة والمواطنة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1464&I=39