حنا حنا المحامي
بقلم: حنا حنا المحامي
الشعب المصري كان قد وصل إلى مرحلة اليأس، وإذا بالسماء تنفتح ويظهر منها بريق من الأمل وشعاع من النور في وسط الظلمه ليبدد ظلمة الضياع الذي تاه فيه الشعب المصري. ظلم, استبداد, شرور, جرائم, فساد, ثروات غير مشروعة, تعذيب, تصفية جسدية, قضاء غير عادل, شرطة لقهر الشعب وليس لخدمته, وإجمالاً كل أنواع الفساد والشرور مما لا يقع تحت حصر.
في وسط تلك الظلمة الحالكة, ظهر في الأفق نجم وجد فيه المصريون الأمل المنشود, والمظله التي يستظلون تحتها, والشاطئ الذي يرسون عليه وغدير الحرية الحقيقية التي ينهل منه الشعب المصري. فسرعان ما نادوا به رئيسًا ومنقذًا لمصر ولمبادئ مصر ومثاليات مصر, وبعث لمصر من رقادها الطويل الذي يئس الشعب في أن يكون ثمة صحوة من ذلك الرقاد القاتم.
هتف الشعب المصري ونادوا بالدكتور البرادعي رئيسًا، وسرعان ما انبرت شلة المنتفعين والتي تكوّن بؤرة الفساد تهاجم الرجل الذي أثار إعجاب العالم بعلمه وبخلقه، وكان في مقدمة المهاجمين أو على رأس المهاجمين الصحافه الصفراء التي تُلقّب أحيانًا باسم القومية والتي يتقاضى رؤساء تحريرها ما يزيد كثيرًا عن حاجات أي إنسان يعيش في رغد من العيش مما يمكن أن يندرج تحت بند الرشوة حتى يحمون النظام بكل فساده، أي أنهم دافعوا عن الباطل، ولم لا وقد ماتت الضمائر ووئدت الأفئدة وانهارت كل القيم الإنسانية وغير الإنسانية.
وإذا بجريدة الجمهوريه تتهم الدكتور البرادعي بأنه لا يعرف مصر جيدًا, كما أنه قد أعجبته فكرة الأضواء. وهكذا يعبر إعلامنا المبجل كيف أنهم يبيعون أوطانهم مقابل المادة والمال الذي لا يمكن أن يُقال عنه حلال، فالمال الذي يُسدد مقابل شراء الذمم والضمائر ليس إلا مالاً حرامًا, المال الذي يُدفع مقابل انهيار الوطن وبيع القيم ووأدها لا يمكن أن يكون مالاً حلالاً.
أما جريدة الأهرام -التي كانت غراء- فقد وصفت ما قاله الدكتور البرادعي بأنه يريد به انقلابًا دستوريًا. نعم!! إن الهدف الديمقراطي النبيل يوصف بأنه انقلاب دستوري، ذلك أنهم لا يضمنون نهب ثروات مصر بواسطة الدكتور البرادعي. بينما لو تصورنا -كفرض جدلي بحت- أن الدكتور البرادعي قد وعد هؤلاء السادة بمضاعفة رواتبهم وعمولاتهم لتنكروا للنظام الحالي قلبًا وقالبًا، فالأمر لمن يدفع أكثر لأنه كما سبق القول, قد ماتت الضمائر.
وفي نفس السياق قالت الجريدة -التي كانت غراء- إن ما قاله الدكتور البرادعي "أوهام". البادى أنها أوهام لأنها تتعارض مع المصالح الخاصة وليس مع مصلحة الوطن، ذلك أن الوطن قد أصبح آخر هموم السلطة وذيول السلطة والصحافة، ولم تخرج جريدة المسائي عن هذا السياق الذى يعبر عن صدى للمصلحة الشخصيه ولا علاقة له بمصلحة الوطن.
والآن فإن الشعب عن بكرة أبيه (باستثناء هيئة المنتفعين) يريد تغييرًا، وهذه أكبر عبارة مهذبة توصف بها رغبة الشعب، من هنا يتعين أن يتحقق الآتي حتى لا نسبح في الهواء.
إن تغيير الدستور أمر مستحيل، النظام يتشبث بأنيابه وأظافره ورموش عينيه بالسلطة فلا يمكن أن يسلمها طواعية بإرادته. لذلك يتعين أن ننظر إلى البدائل:
1- أن يلتحق الدكتور البرادعي بأحد الأحزاب القائمة.
2- أن يكون رئيسًا لذلك الحزب, فلا يمكن أن نتصور أن يرشح نفسه رئيسًا للجمهورية عضو في الحزب بينما رئيس الحزب يظل كما هو. فإذا نجح الدكتور البرادعي يكون عضوًا في حزب يرأسه شخص عادي، منطقيًا ودستوريًا لا يجوز، وهذا يتطلب من رئيس الحزب التخلي عن "الأنا" التي هي مشلكة المشاكل في مصر.
3- بعد أن يرشح الدكتور البرادعي نفسه يتعين أن يطلب الإشراف الدولي على الانتخابات، فتاريخ تزوير الانتخابات تاريخ زاخر يربو على الستين عامًا كاملة، ونرجو أن تتمتع مصر في هذه المرحلة الحاسمة بانتخابات نزيهة تعبر عن رأي الشعب وبأمانه.
4- أن يعطى الدكتور البرادعي الأمان إلى رجال الحكم الحالي ويعدهم بعدم محاكمتهم عن أية جرائم أو فساد، تأسيسًا على أن المرحلة المقبلة مرحلة بناء ولا تنظر مصر إلى الوراء، ذلك أن موقف الفساد القائم سوف يكون سببًا رئيسيًا لتمسك النظام بالحكم. إنها مسألة حياه أو موت. لذلك يتعين أن نضمن له الحياة وننظر جميعًا إلى الأمام.
إن النظام يمكنه أن يعدّ بعض القمصان والبنطلونات المدنية لملايين عساكر أمن الدولة الذين ينتشرون حول القاهرة مع خمسة جنيهات لكل منهم (من أموال الشعب طبعًا) ليهتفوا بحياة الرئيس المُفدّى، ثم يبدلون صناديق الانتخابات بأخرى سابقة التجهيز وتكون النتيجة -على الأقل ومع التواضع- 76%، ثم نعود إلى حيث أتينا في دوامة الفساد الذي سوف يزداد وينمو ويترعرع إلى حيث لا يدري مآله إلا الله عز وجل.
لقد اتبع النظام أسلوب الفساد التقليدي وأراد رشوة الدكتور البرادعي فعرض عليه أي منصب حتى رئاسة الوزارة، ولما كان من الواضح أن هدف الرجل هو إنقاذ مصر من المستنقع الذي تردت فيه وليس المال ذلك أن الرجل من بيت طيب وله مثالياته العليا التي نفتقر إليها والتي وصلت به إلى تلك المناصب الدولية التي تشرفه والتي من المفروض أنها تشرف مصر. ومثل هذه المبادئ كان يتعين احترامها وتأييدها من كل من يحبون مصر.
على أية حال، فقد حاول النظام أن يسلك مع الدكتور البرادعي بشيء من الذكاء على غير العادة بدلاً من غباء الإرهاب والقمع والقهر التقليدي.
وكان من الأجدى للرئيس مبارك أن يرحب بترشيح الدكتور البرادعي ويحترم إرادة الشعب. تلك الإراده التي عبر عنها مسبقًا عند استقباله في مطار القاهرة من الشباب ومن كل الأعمار والمستويات الثقافية والعلمية والسياسية، كذلك فإن وطنية الرئيس مبارك تحتم عليه احترام إرادة الشعب الظاهرة في هذه المرحلة ويعقد انتخابات حرة نزيهة، ومقتضى هذا أن الرئيس لا يهتم عما إذا كان ثمة إشراف دولي على الانتخابات. ذلك أن العبرة هي إرادة الشعب ورغبته.
وإننا لا ننكر ان الرجل قد أدى خدمات جليلة إلى وطنه عن طريق فتح باب الاستثمار والانفتاح الاقتصادي, كما لا ننكر أن الرجل أعطى مساحة شاسعة من الحرية للشعب حُرم منها على مدى خمسون عامًا. وعلى الشعب المصري أن يعطي لكل ذي حق حقه.
ونأمل أن تكون هذه التأملات محل اعتبار، إذ أنها تتعلق بمصير وطن, ذلك الوطن الغالي الذي قيل عنه "مصر أم الدنيا" والذي قيل عنه الآن من منظمات دولية إن مصر لن تكون بعد ما تردت إليه "أم الدنيا". العالم, وليس المصريون فقط أصابهم اليأس.
يتعين أن ننكر ذواتنا من أجل مصر.
http://www.copts-united.com/article.php?A=14694&I=367