بقلم: سمير عطالله
تزدهر المهن على المنافسة. كلما تقدم منافسك شعرت أنه يتعين عليك أن تضاعف جهدك وأن تبحث عن مكامن الخطأ تصححها. وكانت لدي نظرية بسيطة لا تتغير، وهي أنه كلما نجحت الصحيفة المنافسة اضطرت الصحيفة التي نعمل فيها إلى التنبه. لا أحد يضمن مكانك مثل منافسك. الضعيف ينشر من حوله جو الضعف ويدني مستويات الجهد والإبداع ويدفع بالجميع إلى الاستهانة بنتاجهم.
ومثل جميع الذين أمضوا عمرا في هذه المهنة الغزولة، التي أفقها اللغة وسقفها المعرفة، أخاف جدا مما بدأ يصيبها من وهن، في كل مكان. أفزعني كلام رئيسة تحرير «الموند» عن أن على الصحيفة أن تتغير أو أن تفقد خيارها الأخير. نحن عشنا في زمن كانت فيه «الموند» هي التي «تغير» طلاب الجامعات وسيد الإليزيه وزعماء الأحزاب الفرنسية. وعندما أجريت مقابلة مع الكندي الأخير، بيار إليوت ترودو، كان يردد باستمرار، تأكيدا لما يقول: «لقد قرأت ذلك في (الموند) ولا بد أنك قرأته أيضا». وفي الانتخابات العامة كان الفرنسيون ينتظرون افتتاحية «الموند» عشية المعركة، لكي يقرروا في أي صف يقفون.
الآن العالم مليء بـ«البلوغرز» التي لا قواعد لها ولا أعراف، وغالبا لا أخلاق. وسوف يؤدي غياب الصحف المكتوبة وتقاليدها والتزامها الأخلاقي والقانوني إلى انهيار مهنة الصحافة بشكل عام وإلى سقوط الديمقراطية نفسها. وهذا ما حذر منه باراك أوباما نفسه الخريف الماضي عندما قال «إنني قلق من أنه إذا اتجهت الصحافة نحو عالم البلوغرز، وغابت قاعدة التأكد من الحقائق، سوف ننتهي إلى عالم تصرخ فيه الناس على بعضها البعض عبر الفراغ ويغيب أي تفاهم متبادل». أزمة الصحافة، قال أوباما، هي أيضا أزمة الديمقراطية.
سوف يتحول كل شيء إلى صراخ، كما يحدث في العالم العربي الآن، حيث تتعب صحف الحقائق والمستويات والضوابط، وتنتعش صحف قائمة على آراء ومواقف مموليها. أي أننا إلى عالم الصحافة فيه حرة جدا، لكنها غير ديمقراطية وغير مهنية. ومن تلفزيونات الصراخ إلى صحافة الصراخ. ودعونا نعترف: أكثرية الناس تفضل ذلك.
يبلغ دخل «فوكس نيوز» الإعلاني أكثر من دخل جميع الشبكات الأميركية الكبرى مجتمعة. ويتقاضى رئيس تحريرها 23 مليون دولار في العام. ولا شك أن كل شركة يمينية أو عنصرية أو «نيوكوم» تدعم أخبار مردوخ بصورة «شرعية» وغير مباشرة. كل هذه، بالإضافة إلى تأثير الإنترنت الفاحش وثقافة الأخبار السريعة والتحليل السريع و«الماكدونالد» التلفزيوني، يهدد تلك الصحافة التي عرفناها في الماضي، حين كانت جزءا مسؤولا من التطور البشري.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=14729&I=368