لطيف شاكر
بقلم: لطيف شاكر
دكتور طارق حجي يتناول الشأن القبطي في كتابه سجون العقل العربي بحكمة ومهارة وأيضًا بجرأة وشجاعة وبتقنين طبيب متخصص في تشريح (PATHOGOGIST) جسد الوطن المصري، ولم يكتف بالتشريح كعادة البعض وتحديد المرض بل وضع الحلول الإيجابية والناجعة وقام بدور الجراح الحاذق (SURGEON) ليبتر أصل الداء (سرطان التعصب) الذي يكاد ان يتفشى في الجسم كله وحتى يجنب الوطن أخطارًا قد تأتي على الاخضر واليابس..
يقول سيادته عن المشاكل الكبرى التي يعاني منها الأقباط، وقد أوجزها في الآتي:
- وجود مناخ عام تشيع فيه في بعض الأزمنة وفي بعض الأمكنة روح التعصب التي يستشعرها القبطي بحساسية عالية وبمجرد ذكر اسمه.
- وهناك الشعور السائد بين الأقباط أن تمثيلهم في الحياة العامة والمناصب الكبري قد انخفض تدريجيًا خلال السنوات الخمسين الأخيرة حتي بلغ حد عدم انتخاب قبطي واحد في مجلس الشعب.
- وهناك أيضًا الأحداث المحتقنة التي تقع بين الحين والآخر مثل أحداث الكشح (الكتاب صدر قبل مذبحة نجع حمادي)
وفيما يلي بعض الملاحظات التحليلية على جوانب من الشعور القبطي بالتأزم من تلك المسائل:
- أما المناخ العام الذي توجد في كثير من مواقعه روح تعصب بغيضة, فهو أمر لم يحدث بقرار حكومي أو سياسي وإنما جاء كنتيجة طبيعية لهزيمة المشروع المصري النهضوي وما واكب هذه الهزيمة (لا سيما منذ يوليو 1967) من تصاعد للفكر والثقافة الأصولية والتي عرضت نفسها كبديل عن قادة المشروع النهضوي, ومع استشراء مفردات ثقافة هذا التيار (وهو التيار الذي قتل أنور السادات ونفذ العديد من الجرائم الأخرى) تشبع المناخ العام بروح متعصبًا من الأقباط. وكما قال مفكر مصري مرموق: فكلما انهزم المشروع النهضوي في مصر انعكس ذلك بالسلب علي فريقين من أبناء مصر هما النساء والأقباط، والعكس صحيح.. فمع ازدهار جو ثقافي نهضوي تكون الآراء السائدة تجاه المرأة وتجاه الأقباط متحضرة وموائمة للعصر والتمدن. ولكن إذا كان من الظلم أن نقول أن النظام السياسي في مصر اليوم هو سبب وجود هذا المناخ العام الذي ينتشر في ظله في بعض الأحيان وفي بعض المواقع "التعصب" في مناخنا الثقافي العام من خلال ضرب المثل والقدوة ومن خلال برامج التعليم والإعلام, فبوسع الحكومة من خلال ذلك التعامل الفعال والناجح مع ثقافة التعصب. ولكننا نحتاج هنا لرؤية شاملة تبذر بذورها في برامج التعليم كلها وفي وسائل الإعلام والأنشطة الثقافية بل وتبذر في المنابر الدينية, فلا أمل في التقدم إذا وقفت المؤسسات الدينية الإسلامية موقفًا مناهضًا لمشروع ثقافي بهدف لاستئصال شأفة التعصب من مناخنا العام، وهنا فإن على الأزهر أن (يُقاد) من طرف رؤية النظام لا أن (يقود), فترك أي أمر لرجال الدين يعني قبول انتشار ثقافة ثيوقراطية لا يمكن بالمنطق والتنجربة أن تكون من أنصار ثقافة عدم التعصب والقبول العميق بحق الآخرين في الاختلاف (وهنا فإننا نتحدث عن حالة واضحة من حالات الاختلاف في ظل منظومة الوحدة).
- وأي زعم بأن النظام السياسي الحالي في مصر بطبيعته عدو لهذ الفكر هو زعم غير صحيح، فالنظام لم يخلق –في اعتقادي– روح التعصب وإنما "سكت" على وجودها زمنًا طويلاً ثم اكتشف عن قرب أن الفكر الواقف وراء ثقافة التعصب هو العدو الأول للنظام وهو الذي أفرز حادثة المنصة وحادثة أديس أبابا وغيرها من الأحداث التي ما هي إلا ذروة ثقافة معينة.
- وأما الشعور السائد بين الأقباط أن تمثيلهم في الحياة العامة والمناصب الكبرى قد انخفض بشكل كبير خلال العقود الأخيرة, فذلك حقيقة تثبتها مئات الإحصائيات ولا ينبغي أن نفهم على أن النظام يقصد ذلك (ومع احترامي للكاتب لديّ ما يثبت عكس ذلك تمامًا، فالنظام هو الرأس وإن لم يكن هذا فيستطيع أن يمنع) ولكن الحكومات المتوالية سمحت بتفاقم الظاهرة وأصبحت هذه الظاهرة السلبية يتعاظم حجمها في ظل مناخ من عدم رؤيتها وهو مايستحق الدراسة, وإن كنت اعتقد أنه يفسر بثقافة ذاعت وشاعت في حياتنا العامة خلال العقود الأخيرة.. جوهرها إنكار المشكلات والحديث بإصرار علي أنه ليس في الامكان أبدع مما كان وهي ظاهرة تخرج من رحم بعد ثقافي آخر هو عدم قبول النقد وعدم تأصيل القدرة علي ممارسة النقد الذاتي، وقد يدفع البعض قائلاً أن السبب الوحيد هو سلبية الأقباط وانكبابهم على الأنشطة المالية، والحقيقة أن هذا من باب وضع الحصان أمام العربة, فالأقباط سلبيون لا شك, كما أنه لا ريب أنهم انصرفوا إلى الأنشطة المالية والاقتصادية ولكن ذلك كان نتيجة لا مقدمة، نتيجة لانغلاق أبواب عديدة أمامهم وهم أصحاب الكفاءات الحقيقية التي لا يجوز لعاقل أن ينكرها.
- ورغم يقيني أن التحليل الوارد أعلاه سليم إلا انني أعلم أنه ناقص، إن هناك أبوابا عديدة مغلقة أمام أصحاب الكفاءات العالية من الأقباط فإن معظم هذه الأبواب أيضًا مغلق أمام أصحاب الكفاءات العالية بوجه عام, فأساس اللعبة هو المشاركة في المطبخ السياسي الذي تكون خلال العقود الاخيرة وهو مطبخ منفر بطبيعته لأصحاب الكفاءات، إذ إنه يقوم على قواعد من الولاء الشخصي وغير ذلك من مفردات المطبخ السياسي المصري المعاصر وهي مفردات لأصحاب الكفاءات وأصحاب الكبرياء.
أما الأحداث المختلفة التي تقع بين الحين والآخر مثل أحداث الخانكة ومرورًا بعشرات الأحداث حتى نصل إلى مآسي الكشح الحديثة (مذبحة نجع حمادي جاءت بعد إصدار الكتاب) فإنها ناجمة عن عناصر واضحة لعل أهمها:
- الرغبة في تصغير حجم ما يحدث خوفَا من آثار انعكاس الحقيقة على سمعة مصر –والحقيقة أن سمعة مصر تخدم بمواجهة الحقيقة لا بإدارة الظهر لها-.
- تفشي ثقافة تجاهل المشكلات والتغني بالإنجازات ومدح الذات.
- عدم أخذ العبرة من الجهود المخلصة التي بذلت في دراسة وتحليل مثل هذه الأحداث، وأشهر الأمثلة على ذلك عدم الاستفادة من التقرير المشهور بتقرير الدكتور العطيفي عن أحداث من هذا النوع وقعت في السبعينات وكان يمكن الاستفادة القصوي منها لولا ذيوع ثقافة أن ما حدث أمر بسيط (قتل 86 قبطي بخلاف إصابة المئات وتدمير محلاتهم وحرق منازلهم) حرضت عليه قوة خارجية تريد السوء لمصر (اسطوانة مشروخة).
- وفي كل الأحوال فإننا ندعو لا لتوجيه اتهام أو لوم لأحد وإنما لدراسة موضوعية محايدة تهدف للوقوف على عناصر ما يحدث ولا تهدف للقول بأن الحكومة تضطهد الأقباط (إذًا ماذا نسمي تكرار الحوادث وتصعيدها؟) فليس من الحكمة أو العقل أن يكون هذا هو الهدف، كما أنه ليس من الحكمة والعقل أن يُقال أن كل شيء على ما يرام (أري أن د. حجي يقدم تبريرًا مهذبًا للحكومة عن الأفعال المشينة التي لا يتحمل مسئوليتها أحد سواها... وهذا ما تقوله الأحداث الجارية على سطح الوطن ويؤيده العقل والمنطق).
وإلى لقاء في المقال الرابع والأخير..
لقراءة الجزء الأول أضغط هنا
لقراءة الجزء الثاني أضغط هنا
http://www.copts-united.com/article.php?A=14765&I=369