ماذا بعد نجع حمادي؟

منير بشاي

بقلم: منير بشاي
يمثل رد الفعل القبطي إزاء مذبحة نجع حمادي انتفاضة قبطية غير مسبوقة في تاريخهم الحديث. كانت الحادثة هي العمل الذي تعدى كل الخطوط الحمراء والقشة التي قصمت ظهر البعير. نتيجة له أحس الأقباط أن الوضع قد وصل إلى ما لا يمكن السكوت عليه، وأن سياسة المهادنة والمسالمة والدبلوماسية لم تأتى بنتائج إيجابية بل ربما كانت السبب الذي أوصلنا إلى هذه النتائج المأسوية.

بعد نجع حمادي قامت ثورة قبطية عالمية سوف يسجلها لهم التاريخ. واتحد الأقباط على شيء واحد وهو الاعتقاد أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها وأنه لن يكون صمت بعد الآن. ووجدنا جماهير الأقباط يجتمع شملها شعبًا وإكليروس -في خارج مصر وداخلها- من الرجال والنساء الشيوخ والشباب بل وحتى الأطفال. تحركوا معًا في تناغم وتلقائية منقطعة النظير، يدفعهم إحساسهم بالفاجعة، والاستعداد بالتضحية حتى بالنفس من أجل دفع الظلم الواقع عليهم.
وحدثت هزّة عنيفة في ضمير هذه الأمة. ولكن ما نخشاه أن هذه الهزة لا ينتج عنها مراجعة وتغيير وتصحيح للأوضاع. وأنه بمرور الوقت تهدأ الأمور وننسى ما حدث وتعود الأمور إلى سابق عهدها ويصبح ما حدث في نجع حمادي مجرد حلقة تضاف إلى سلسلة الاعتداءات على الأقباط. وننتظر في رعب متى وأين ستكون الحلقة الجديدة.

وما نخشاه أن تتحول الانتفاضة القبطية التي حدثت إلى نكسة ترجعنا إلى الوراء بدلاً من أن تدفعنا إلى الأمام، وتتسبب في عجزنا عن أن نرفع رؤوسنا لمدى أجيال قادمة. هذه النكسة جاهزة وعلى استعداد أن تفرض نفسها في أي لحظة عن طريق بعض العناصر الانهزامية الموجودة في صفوفنا.
هذه العناصر الانهزامية المدمرة ربما تكون نابعة من نفوس ضعيفة تعودت على الإحساس بالصغر، أو طغت عليها أيدلوجيات دينية مغلوطة، أو كانت في صورة يهوذات على استعداد أن يبيعوا أهلهم بقليل من الفضة أو عملاء تسللوا داخلنا بهدف بث أفكار انهزامية مفشلة.
 بدأنا نستمع مؤخرًا إلى تساؤلات تشكيكية تقول: ماذا حققنا في نجع حمادي؟ وهل هذه الضجة التي عملناها غيرت من شيء؟ والنتيجة التي يريدون أن يصلوا لها أنه (مفيش فائدة) ولا داعي لعمل أي شيء،  فهذا هو قدرنا ومصيرنا، وما باليد حيلة!!.

الذين يشككون في نتائج الانتفاضة القبطية الأخيرة إما أنهم سذج بطبيعة العمل السياسي أو مغرضون يهدفون إلى ذرع بذور اليأس في قلوبنا. فمن المؤكد أن هناك مكاسب حقيقية في ما قام به الأقباط إزاء حادثة نجع حمادي لا يمكن إنكارها. وأننا سنحصد نتائجها إن تسلحنا بالصبر والمثابرة. فالعمل السياسي لا يمكن أن يبنى على خطوة واحدة مهما كانت موفقة. والطرف الآخر يقامر على أن الأقباط بطبيعتهم شعب مسالم يرضى بالضيم وأنهم غالبًا سيهدأوا وينسوا كل شيء بمرور الوقت. ولكن هدفنا يجب أن يكون أن نثبت لهم أنهم سيخسروا الرهان وإن ما حدث ليس مجرد (هوجة) حدثت وستنطفئ ليعود الأقباط إلى مسكنتهم القديمة وتوسلاتهم طلبًا للعطف من الذين ثبت أنهم لا قلب لهم ولا ضمير. وأن الأقباط قد بدأوا مسيرتهم ولن يتراجعوا حتى يروا تحقيق أهدافهم في الحياة الآمنة والمعاملة المتكافئة لهم كمواطنين أصلاء في بلادهم.

لكي ينجح العمل السياسي لابد من توافر عناصر هامة يمكن أن تلخصها في الكلمات التالية:
الاستمرارية:
الذي ينتصر ليس من يبدأ ثم يتعب ويتوقف وينسحب بل الذي يستمر حتى يحقق النصر النهائي. سياسة النفس الطويل والاستمرار حتى نهاية المشوار مهما طال لا بديل لها في أي عمل ناجح. روح الملل والفشل والتراجع لا يمكن أن توصلنا إلى شيء بل ستفقدنا كل شيء.
التراكمية:
العمل القبطي هو عمل تراكمي بمعنى أن الانتصار الواحد يقويه ويعضده انتصار آخر والانتصارين معًا يؤديان إلى انتصار ثالث ورابع وهكذا... وقوة الدفع تتزايد وتتضاعف كلما تراكمت الانتصارات حتى تصل إلى درجة يصعب الوقوف أمامها.
التصاعدية:
علينا أن نصعد القضية مستخدمين كل الوسائل المتاحة وطارقين كل الأبواب. كل شيء مطروح ووارد، ونحن الذين نحدد ما يجوز وما لا يجوز. فنحن نحب بلدنا ونعرف حدودنا، ويجب أن لا ندع من يظلموننا أن يملوا علينا أخلاقيات مزيفة هم أول من لا ينفذها.
خلاصة القول إن نجع حمادي ليست هي نهاية المطاف بل بدايته. أمامنا مشوار طويل ونضال مرير. ونجاحنا في النهاية سيتوقف على ما إذا استطعنا أن نثبت أننا شعب صامد يبدأ ويكمل، وعندما يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء.
وسننتصر بقوة الله لأننا سئمنا الفشل وكرهنا الظلم وتعبنا من أن نكون دائمًا (الحيطة المايلة).