ماهر طلبه
بقلم: ماهر طلبة
زمان.. زمان قوي كان فيه صياد وحيد، كان عنده مركب صغير جدًا كان مصنوع م الخشب، كان كل يوم الصبح يركب مركبه وينزل يمسح البحر من ناحية لناحية بالشبكة ويرَوّح، يولع النار، يرمي سمكه في ناره وياكل لقمته ومايلقاش حاجة يعملها فيسأل نفسه سؤال ويبدأ يدور له على إجابة تكون لها منطق ومعقولة، مثلاً في يوم من الأيام سأل نفسه، "منين بيبدأ البحر،؟"، وفضل يفكر ويفكر وفي آخر اليوم قبل اليأس وقبل النوم زي الوحي جه الجواب...
"من عينين واحد حزين"
ونام سعيد قرير العين مطمئن البال للجواب، ومثلاً في يوم سأل نفسه، "ليه السمك مابيخلص؟ وليه دايمًا بيقع في الشبك؟"، وفي آخر اليوم هداه عقله لسبب معقول...
"السمك ما بيخلص لأن الطُعم ما بيخلص، ودايمًا يقع في الشبك لأنه عبيط زى الطُعم".
ونام سعيد، وفي يوم.. وفي يوم.. وفي يوم...
لكن في يوم، وفجأه خطر على باله سؤال، "يا ترى الإجابات –اللي وصل لها بعد كل التفكير دا واللي دايمًا بتتفق مع المنطق– يا ترى هي الحقيقة؟ وهل فعلاً بيوصل للإجابة السليمة عن كل سؤال؟".
يعني مثلاً... "هل البحر فعلاً بيبدأ من عنين واحد حزين، وهل السمك فعلاً عبيط؟"
احتار أكبر حيرة، سؤال صعب جدًا لأنه كان بيحط منطقه وعقله نفسه تحت الاختبار، إزاى يثبت إنّ عقله سليم ولا... فكر كثير، كثير، كثير، وبعدين... الصبح، ركب المركب، لم الشبكة ومامسحش البحر، ماقطعهوش من ناحية لناحية إنما مشي عكس التيار، أصعب ما في الدنيا إنك تمشي عكس التيار تتحداه وتقف قدامه، في الأول كان السؤال متقل راسه فماقدرش التيار يرجعه، لكن بمرور الوقت وعند نقطة معينة غلب التيار تقل الرأس فبدأت المركب تتحرك لورا، كل ما يوصل عند النقطة ده يرجع لورا، حاول كثير، قاوم كثير، يمكن يوم، شهر، سنة... ويمكن أكثر لكن في آخر اليوم، في آخر الشهر، في آخر السنة، هده التعب فنام ولما صحي لقى مركبه الصغير جدًا عند النقطة اللي بدأ منها الرحلة ولقى راسه لسه مليانه بالسؤال -اللي أصبح متأكد إنه مش ممكن هيوصل لجواب له من الطريق دا-، هده اليأس، هدته الحيرة، هده الحزن، فبكى، بكى لأن اليأس قتْله، بكى لأن الحيرة غَلَبته، بكى لأن الحزن مَلاه.
وهنا فتح عينيه، شاف قدامه بحر بيجري ما كانش موجود قبل كدا، هزه الفرح قوي، قوي، قوي، فبكى، بكى، بكى... بحر جديد.
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba.maktoobblog.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=14945&I=373