عماد خليل
- حق المرأة في العمل.. مدخل لكرامتها وكرامة المجتمع.
كتب: عماد خليل – خاص الأقباط متحدون
قدم الباحث أحمد راغب ورقة عمل عن حق المرأة في العمل، وجاءت الورقة البحثية كالتالي:
الحق في العمل في الدستور
نظم الدستور المصري الحق في العمل في خمس مواد منه، حيث اعتبر المشرِّع الدستوري العمل حقًا وواجبًا وشرفًا، وألزم الدولة بتمكين المواطنين من ممارسة هذا الحق(المادة 13)، كما نص على ضرورة كفالة الخطة الاقتصادية للدولة لهذا الحق من خلال توفير فرص العمل (المادة 23)، كما اعتبر الوظائف العامة حقًا للمواطنين المصريين (المادة 14)، وحظر المشرِّع الدستوري الإجبار على القيام بالعمل إلا بثلاثة شروط هي (المادة 13):
· أن يكون بمقتضى قانون.
· أن يكون لأداء خدمة عامة.
· أن يكون بمقابل عادل.
بينما أعطى الدستور ميزة وأولوية لقدامى المحاربين والمصابين في الحروب ولزوجات الشهداء وأبنائهم في فرص العمل (المادة 15)، كما حرص المشرِّع الدستوري على النص على كفالة حق المرأة في العمل ومساواتها بالرجل مع مراعاة واجباتها نحو الأسرة، وإن كان وضع قيد عدم الإخلال بالشريعة الإسلامية كقيد على تمتع المرأة بهذا الحق.
الحق في العمل في التشريع المصري
مع مراعاة أحكام القانون رقم 39 لسنة 1975 بشان تأهيل المعوقين، فقد نظم المشرِّع المصري الحق في العمل في قانون العمل 12 لسنة 2003 في باب منفصل تحت اسم"التشغيل"، وذلك بأن أنشأ وفقا للمادة 11 من القانون سالف الذكر لجنة عليا لتخطيط واستخدام القوى العاملة في الداخل والخارج، ويدخل ضمن اختصاص تلك اللجنة رسم السياسة العامة لاستخدام العمالة المصرية.
وقد فرق قانون العمل بين تنظيم عمل المصريين والأجانب وذلك على النحو التالي:
تنظيم تشغيل المصريين
الدولة كوسيط بين العامل وصاحب العمل
رسم المشرِّع المصري دورًا للدولة في تدخلها لتنظيم الحق في العمل كوسيط بين العامل وصاحب العمل وذلك بأن يوفر بيانات الراغبين في العمل أو العاطلين (المادة 12 من القانون سالف الذكر) وبين صاحب العمل الذى عليه أن يقدم بيانات عن احتياجاته من العمالة (المادة 15 من قانون العمل)، ورغم ذلك فقد أعطى الحق لصاحب العمل الحق في تلبيه احتياجاته الوظيفية أو المهنية من خارج القوائم أو المقيدين لدي جهة الإدارة كراغبين وطالبين للعمل (المادة 14 من القانون) بل إن المشرِّع أعطى لصاحب العمل أيضًا الحق في الاستعانة بآخرين لوضع معايير للتوظيف لديه دون التقيد بالوساطة (المادة 16).
إلحاق العمالة المصرية سواء بالداخل أو بالخارج
حدد المشرِّع المصري 6 جهات تمارس عمليات إلحاق المصريين بالعمل في الداخل أو في الخارج وهذه الجهات هي: (المادة 17 من قانون العمل 12 لسنة 2003).
(أ) الوزارة المختصة.
(ب) الوزارات والهيئات العامة.
(ج) الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
(د) شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص المصرية فيما تبرمه من تعاقدات مع الجهات الأجنبية في حدود أعمالها وطبيعة نشاطها.
(ه) شركات المساهمة أو شركات التوصية بالأسهم أو ذات المسئولية المحدودة، بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة المختصة.
(و) النقابات المهنية بالنسبة لأعضائها فقط.
العمالة الموسمية والغير منتظمة
أحال المشرِّع المصري رسم سياسة ومتابعة تشغيل العمالة الغير منتظمة مثل عمال الزراعة الموسميين وعمال البحر وعمال المناجم والمحاجر والمقاولات، لوزارة القوى العاملة، لتتولى تحديد قواعد والاشتراطات لهذه الفئات (المادة 26 من قانون العمل).
تنظيم عمل الأجانب
وضع المشرِّع المصري سياسته التشريعية بخصوص تشغيل الأجانب في مصر على قاعدتين، الأولى هي قاعدة المعاملة بالمثل، والثانية هي أن الأصل في عمل الأجانب يكون بترخيص من جهة الإدارة، وذلك بأن أعطى المشرِّع سلطات واسعة للوزارة المختصة (وزارة القوى العاملة والهجرة) في منح التراخيص ووضع الاشتراطات لعمل الأجانب، وربط المشرِّع بين الحصول على تصريح دخول وإقامة بغرض العمل وبين الترخيص بعمل الأجنبي، كما توسع في تعريف العمل ليشمل خدم المنازل رغم أن هذه الفئة استثناها المشرِّع من تطبيق مواد قانون العمل (المواد من 27 وحتى 30 من قانون العمل).
موقف المحكمة الدستورية العليا من الحق في العمل
انطلق موقف المحكمة الدستورية العليا من الحق في العمل من أمرين، أولهما أنه حق للمواطنين وليس منحة، وثانيًا أنه قائم على الاختيار الحر باستثناء العمل الإلزامي في الخدمة العامة والتي وضع لها المشرِّع الدستوري شروطًا.
وهو الموقف الذي نصت عليه المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها منها:
" وحيث إن البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض في إطارالوحدة العضوية التي تجمعها، وتصون ترابطها أنه في مجال حق العمل والتأمين الاجتماعي، كفل الدستور بنص مادته الثالثة عشر أمرين:
أولهما: أن العمل ليس ترفا يمكن النزول عنه.. ولا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون منها.. ولا هو إكراه للعامل على عمل لا يقبل عليه باختياره، أو يقع التمييز فيه بينه وبين غيره من المواطنين لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، وغير ذلك من شروطه الموضوعية.. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 13 من الدستور تنظم العمل بوصفه حقًا لكل مواطن لا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، وواجبًا يلتزم بمسئوليته والنهوض بتبعاته، وشرفًا يرنو إليه.. وهو باعتباره كذلك، ولأهميته في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، ولصلته الوثيقة بالحق في التنمية بمختلف جوانبها، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته، ولحرياته الأساسية، وكذلك لإعمال ما يتكامل معها من الحقوق، توليه الدولة اهتمامها، وتزيل العوائق من طريقه وفقًا لإمكاناتها، وبوجه خاص إذا امتازالعامل في أدائه وقام بتطويره.
ولا يجوز بالتالي أن يتدخل المشرِّع ليعطل حق العمل، ولا أن يتذرع اعتسافا بضرورة صون أخلاق العامل أو سلامته أو صحته، للتعديل في شروط العمل، بل يتعين أن يكون تنظيم هذا الحق غير مناقض لجوهره، وفي الحدود التي يكون فيها هذا التنظيم منصفًا ومبررًا.
ثانيهما: أن الأصل في العمل أن يكون إراديًا قائمًا على الاختيار الحر، ذلك أن علائق العمل قوامها شراء الجهة التي تقوم باستخدام العامل لقوة العمل بعد عرضها عليها.. فلا يحمل المواطن على العمل حملاً بأن يدفع إليه قسرًا، أو يفرض عليه عنوة، إلا أن يكون ذلك وفق القانون وبوصفه تدبيرًا استثنائيًا لإشباع غرض عام وبمقابل عادل.. وهي شروط تطلبها الدستور في العمل الإلزامي، وقيد المشرِّع بمراعاتها في مجال تنظيمه كي لا يتخذ شكلاً من أشكال السخرة المنافية في جوهرها للحق في العمل باعتباره شرفًا، والمجافية للمادة 13 من الدستور بفقرتيها.
قضية رقم 16 لسنة 15 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
وفي حكم آخر قالت المحكمة الدستورية العليا:
"وحيث إن ما نص عليه الدستور من اعتبار العمل حقًا، مؤداه ألا يتقرر هذا الحق إيثارًا ولا يمنح تفضلاً؛ وألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضًا لفحواه؛ وألا يكون نوع العمل طاردًا لقوة العمل، بل ملائمًا جاذبًا لها؛ وأن يكون فوق هذا اختيارًا حرًا؛ والطريق إليه محددًا في إطار شروط موضوعية؛ متوخيًا دومًا تطوير أنماط الحياة وتشكيلها في اتجاه التقدم؛ معززًا ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتعُين على تعاون العمال فيما بينهم، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل في إطاره إسهامًا وطنيًا وواجبًا.
قضية رقم 30 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
التفرقة بين الحق في العمل وبين غيره من الحقوق المرتبطة
يرتبط الحق في العمل بعدد من الحقوق مثل الحق في الضمان الاجتماعي أو الحق في مستوي معيشي كافي أوغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وذلك باعتبار أن الحق في العمل يؤدي إلى تمكين المواطنين من النجاة من العوز والفقر، كما قد يوفر لهم العمل فرصة للتمتع بضمان اجتماعي، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد فرقت بين الحق في العمل كحق للمواطنين مستقلاً عن باقي الحقوق، وهو المنطق الذي قالته المحكمة في رفضها لأحد الدعاوى الدستورية التي عرضت عليها لطلب عدم دستورية النصوص الخاصة بإلزام الدولة بتعيين نسبة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المصالح الحكومية، وقد كان منطق رافعي الدعوى الدستورية أنه كان أولى بالمشرِّع أن يمنحهم معاشًا مناسبًا وهو ما ردت عليه المحكمة الدستورية العليا بما يلي:
"ذلك أن العمل ليس منحة من الدولة تقبضها أو تبسطها وفق إرادتها ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمُنعون منها، بل قرره الدستور باعتباره شرفا لمن يلتمس الطريق إليه من المواطنين، وواجبًا عليهم أداؤه، وحقا لا يُهدر، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل، وطريقا لبناء الشخصية الإنسانية من خلال تكامل عناصرها، وإسهامًا حيويًا في تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها، وإعلاء لذاتية الفرد، وتقديرًا لدوره في مجال النهوض بمسئوليته، وصونا للتقاليد والقيم الخلقية الأصيلة، التي ينافيها أن يظل المعوقون مؤاخذين بعاهاتهم لا يملكون دفعها أو تقويمها تصويبًا لأوضاعهم.. وهو ما ذهب إليه المدعى بتقريره أن منحهم معاشًا مناسبًا، ينبغي أن يكون بديلاً عن فرصهم في العمل، بما يعنيه ذلك من إبطال حقهم في حياة ملائمة تكون كرامتهم قاعدتها، واعتمادهم على أنفسهم مدخلها".
قضية رقم 8 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
موقف المحكمة الدستورية العليا من عمل المرأة
رغم أن المشرِّع الدستوري قد وضع نصًا خاصًا بالمرأة في المادة 11 من الدستور يكفل فيه التوفيق بين تمكين المرأة من حقها في العمل والقيام بواجباتها تجاه الأسرة دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو النص الذي يمكن تفسيره بإعتباره نصًا في صالح المرأة المصرية لأنه يلزم الدولة بضمانات للمرأة العاملة في مصر مثل حقها في "أجازة الوضع" وغيرها من الميزات، إﻻ أنه في نفس الوقت، فإن نص المادة 11 لم يوضح ما هي الواجبات التي تلتزم بها المرأة تجاه الأسرة تحديدًا، فضلاً على أنه يفترض بوجود تعارض بين حق المرأة في العمل وبين ما يسمي بواجبها تجاه الأسرة، وفي حالة التعارض بين حقها في العمل وبين واجباتها فما هي المصلحة الأولى بالاعتبار هنا؟
وقد حاولت المحكمة الدستورية أن تجيب على هذا التساؤل بأن تتخذ موقفًا متزنًا من تمكين المرأة من حقها في العمل وذلك بإقراراها بحق المرأة في العمل – باعتبارها أحد المخاطبين بنص المادة 13 من الدستور – وبين ما نص عليه الدستور من واجباتها الاسرية بمراعاه القيد الخاص بأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بأن نصت في أحد أحكامها على أن:
"وحيث إن الدستور تضمن مادتين تقيمان مبدأ مساواة المرأة بالرجل؛ أولهما مادته الحادية عشرة التي تكفل الدولة بمقتضاها التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها في مجتمعها، وكذلك مساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ودون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية؛ وثانيتهما مادته الأربعون التي حظر الدستور بموجبها التمييز بين الرجل والمرأة سواء في مجال حقوقهم أو حرياتهم، على أساس من الجنس، بما مؤداه تكامل هاتين المادتين واتجاههما لتحقيق الأغراض عينها، ذلك أن الأصل في النصوص التي يتضمنها الدستور، تساندها فيما بينها، واتفاقها مع بعضها البعض في صون القيم والمثل العليا التي احتضنها الدستور.. ولا يتصور بالتالى تعارضها أو تماحيها، ولا علو بعضها على بعض، بل تجمعها تلك الوحدة العضوية التي تقيم من بنيانها نسيجًا متضافرًا يحول دون تهادمها".
قضية رقم 144 لسنة 18 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
بينما نصت في حكم آخر على أن مسئولية المرأة الأساسية هي واجباتها تجاه أسرتها
"وحيث إن ما نصت عليه المادة 11 من الدستور من أن تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في مجتمعها، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية؛ قد دل على أن عمل المرأة في مجتمعها، لا يجوز أن يخل بواجباتها قبل أسرتها أو يجور عليها، تقديرًا بأن مسئوليتها أصلاً وابتداء، تحتم عليها أن تحسن تدبير شئون بيتها وأولادها، وعلى الأخص من خلال تربيتهم ورعايتهم بصورة رشيدة حانية، وأن يكون لزوجها معهم المودة الغامرة والسكينة النفسية والعصبية، فلا يكون عقلها وقلبها ويدها إلا موقفا متوازنًا بين واجباتها قبلهم - وهم مسئوليتها الأساسية - وبين عملها؛ بما مؤداه أن احتياجها إلى العمل أو تفوقها فيه أو كسبها منه، لا يجوز أن يصرفها عن روابطها الأصيلة بأسرتها، ولا أن يبدد تماسكها بل ينبغي أن يكون حق بيتها من الأمن والاستقرار مقدمًا على ما سواه، وأن يتضامن مجتمعها معها فيما يعُينها على التوفيق بين مسئولياتها الأسرية والمهنية، وأن يوفر لها كذلك ظروفا تناسبها فيما تتولاه من عمل وما ذلك إلا لأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، فلا يكون تواصيهم بالخير إلا تعبيرًا عن تراحمهم، والدستور فوق هذا يعهد إلى الدولة ذاتها بأن تتخذ من التدابير ما يكون لازمًا للتوفيق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها، وأن يكون اجتهادها في ذلك عملاً دءوبًا، فلا تكون المواءمة بينهما توقيا لتعارضهما، أمرًا مندوبًا، بل مطلوبًا طلبًا جازمًا، ليقوم بالقسط ميزانها عدلاً ورحمة.
قضية رقم 18 لسنة 14 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
وهو الأمر الذي يتعارض مع موقف المحكمة الدستورية العليا من التفرقة بين الحق في العمل وغيره من الحقوق المرتبطة، ومن أنه مدخل لكرامة الإنسان.
http://www.copts-united.com/article.php?A=15124&I=377