ماجد سمير
بقلم: ماجد سمير
ظلت لسنوات طويلة وقفتي لمدة ساعة يومياً تقريباً مع عبد الله أمام محل الحدايد والبويات بتاعه عادة شبة يومية، نتحدث خلالها عن أمور مختلفة سياسية واقتصادية ورياضية وغيرها، العادة لم تنقطع إلا في حالات نادرة مثلاً في الأعياد أو في حالة سفري خارج القاهرة أو خارج مصر لتغطية مؤتمرات صحفية أو في زيارات متباعدة مع زوجتي وأولادي لأسرتي في الفيوم.
عبد الله استغل الساعات الطويلة التي يقف فيها في المحل في القراءة بنهم شديد وأصبح له خلفية ثقافية جيدة وأراء سديدة في مواضيع مختلفة وقراءته دي خلقت نوع من التواصل الذهني بيني وبينه وأصبح لنا آراء متشابهة في عدد من القضايا المختلفة.
وبعد عودتي من زيارة برفقة زوجتي وأولادي للفيوم قعدت خلالها أربعة أيام مع أهلي فوجئت بأن محل عبد الله مغلق والسبب زي ما عرفت من فتحي أنه تعبان شوية فما فتحش المحل من أمبارح، رحت لعبد الله البيت لقيته زي ما بيقولوا بالبلدي شايل طاجن سته وأنا بصراحة عمري ما أكلت عند جدته ومش عارف مستواها في طبخ الطواجن كمان هو كان قال لي قبل كدا إنه جدته ماتت قبل ما يخترعوا الطواجن، ومكنش فارق معاها موضوع الطواجن دة لأنها كانت ساكنة في القللي ولما سألته أيه العلاقة قال لي إن عائلته كانت من فخار الناس.
عبد الله هو دايماً بيقول إنه عايش في شيكارة، قلت لعبد الله: أنت لازم تخس شوية جسمك سمن قوي وكدا هاتتحشر جوة الشيكارة زيادة ما أنت محشور، عبد الله أبتسم ابتسامة خفيفة وقال لي حمد الله على السلامة وحشتنا، رديت عليه الله يسلمك مالك يا عم في إيه أتعدل في قعدته على طرف السرير وقال مخنوق مش قادر، الدنيا مش عايزة تضحك رغم إني ودين النبي بزغزغ فيها ليل ونهار لكنها كئيبة بنت كئيبة، المحل عليه شيكات بضاعة وضرايب والتليفزيون هارينا إعلانات مصلحتك أولاً وجايبين الراجل أبو دم خفيف يحسسك أن العملية شكة دبوس وهي لا مؤخذاة خازوق.
وللا فاتورة الكهرباء اللي بتيجي تهد الحيل والله أنا خايف ألغي الكهرباء الحكومة تعمل لنا عداد يحسب علينا العتمة، وسكت وبصي لي وقال أنا والله تعبت يا أستاذ وراح قايم فاتح الثلاجة في آخر الأوضة ورفع زجاجة المياه على بقه وشرب وقال مش أنت اللي بتقول دايماً إن المواجهة هي أنسب الحلول وإن مشكلة البلد دي إن مفيش حد منهجه الأساسي وضع الحلول الجذرية؟؟، أنا لاقيت إن الحل الجذري الوحيد لحالتي إني أقفل المحل واقعد في البيت العيال خلصوا تعليم يشتغلوا ويشيلوا هم نفسهم وأنا والولية نعيش بإيجار الكام شقة اللي في البيت وخلاص لحد ما يجي الأجل ونقابل رب كريم.
شربت الشاي ومحسيتش بطعمه وسلمت عليه ونزلت من غير ما أقول ولا كلمة وفي السكة لاقيت باتعة صاحبة الكشك اللي على ناصية الحارة واقفة مسهمة وضحكتها اللي كانت بتوصل لغاية شقتي واللي في الدور التاسع في مساكن الشباب في أول الشارع العمومي، سلمت عليها وواضح إنها مسمعتنيش لأنها ماردتيش السلام رغم إنها كانت بتهلل لما تشوفني جاي من أول الشارع!!
وأنا في السكة شفت "عبده على ما تفرج" راجع بعد ما خلص شغله في السوق ماشي بيكلم نفسه، قلبي أتقبض مش دة الشارع اللي ارتبطت بيه من ساعة ما أتجوزت وعشت فيه من أكثر من 11 سنة، الناس من الهم ماشية تكلم نفسها.
وصلت البيت والحمد لله الأسانسير كان مش عطلان على عكس العادة بعد ما فتحت الباب لاقيت ولادي وأمهم قاعدين على السرير بيتفرجوا على التليفزيون، سألتني مراتي مالك قلت لها يا منى هي الناس بتكلم نفسها ليه؟ قالت لما مبتلقاش حد تكلمه، فهمت قصدها على طول أنا مشغول عنها على طول وهي شايلة البيت ومشاكل العيال لوحدها وأنا الكتابة واخدة وقتي بشكل صعب.
ضحكت وقلت لها عامل لنا أيه على العشاء من إيديكي الحلوة دي قالت بغيظ، وهي بتجز على أسنانها: أيديا الحلوة عاملة لك "سد الحنك".
http://www.copts-united.com/article.php?A=1524&I=41