القس. رفعت فكري
بقلم : القس رفعت فكري سعيد
"قرية الشورانية" التابعة لمركز المراغة محافظة سوهاج اشتهرت بقوة وذاع صيتها هذا الأسبوع من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, وسبب الشهرة ليس بسبب أن أحد أبنائها حصل على جائزة نوبل وليس بسبب أن أحداً من أبنائها أصبح عالماً مشهوراً أو طبيباً قديراً ولكن للأسف اشتهرت الشورانية بسبب جهل وتعصب بعض أبنائها.
ففي السبت الماضي 25 مارس وقعت بعض الأحداث المؤسفة التي يندى لها الجبين حيث قام سكان مسلمون بالتجمهر خارج المنازل التي يقيم بها ساكني القرية من البهائيين، وقاموا بترديد هتافات من بينها (لا إله إلا الله.. البهائيين أعداء الله) ثم قاموا بقذف هذه المنازل بالحجارة وتحطيم نوافذها ثم قاموا بإحراق المنازل التي يقطنها مواطنون بهائيون وذلك بعد برنامج أذاعته إحدى القنوات التليفزيونية المصرية الخاصة تضمن هجوماً على البهائية، وبكل تصلف وتجاهل لمبدأ المواطنة قال عدد من أهالي قرية الشورانية.
إن الإقامة في قريتهم ستكون مقصورة على المسلمين والمسيحيين فقط ولا مكان للبهائيين بينهم وعليهم البحث عن مكان آخر، وحذروا من عواقب الضغط عليهم من أجل السماح بعودة البهائيين بقولهم: «لن نتركهم هذه المرة يخرجون منها سالمين»، وبالطبع إذا وافق سكان الشورانية على بقاء المسيحيين معهم اليوم فمن المؤكد إنهم غداً سيقولون إن الإقامة في القرية ستكون مقصورة على المسلمين فقط وبعد غد سيقولون إن الإقامة في القرية ستكون مقصورة على المسلمين السنة فقط، وهكذا يتحول المجتمع المصري إلى مجتمع طائفي متزمت يدمر بعضه بعضاً على الأساس الديني والعقائدي ويصبح البقاء للأقوى والأشد عنفاً وفتكاً!!
وما حدث في الشورانية مؤخراً من اعتداءات على البهائيين وما حدث في قرى أخرى من اعتداءات على المسيحيين مثل بني ولمس والعياط والكشح والطيبة وأبو قرقاص وغيرها من القرى المصرية التي نالت شهرتها بسبب أحداث العنف الطائفية.
ما حدث يؤكد أن هناك عنصرية بغيضة قاتلة وأن هناك تعصباً أعمى وفكراً ظلامياً سيطر على عقول الكثيرين من المصريين، فالمجتمع المصري مجتمع متعدد دينياً وثقافياً وهذا المجتمع لم يعد متسامحاً كما كان من ذي قبل, ففي فترات قليلة استطاع المصريون أن يتعايشوا معاً في تسامح وقبول للآخر المغاير دينياً ولكن هذا التعامل مع الآخر لم يتحقق دائماً في إطار من الاعتراف المشترك والاحترام المتبادل والتسامح والقبول, وإنما شاب المجتمع المصري في تعامله مع التنوع ومع إفرازه للآخر أو للأخرى أو للآخرين الكثير من المشاكل التي أعاقت بعض مراحل تطوره وأخرت تقدمه، وسبب البلاء في كل أحداث العنف الطائفية هو التعصب، فالتعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً سلبياً كارهاً ولذلك فإن المتعصب يتخذ موقفاً متشدداً في الرأي تجاه فكرة يعتبرها الحقيقة المطلقة الوحيدة وكل ما عداها خطأ فادحاً.
والتعصب أولاً وقبل كل شيء يعتبر نزعة ذاتية أنانية "نرجسية" كامنة في كل كائن بشري ولكنها تطفو إلى السطح وتبرز إلى الواقع حين يتهيأ الجو الملائم لها، حين تواجه الذات "الأنا" بالآخر وتتصور أنه تتوقف على هذا الصراع مسألة الوجود من عدمه.
إن التعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر فكل ما تقوله "الأنا" يدخل في حكم الصحيح المطلق وكل ما يقوله الآخر يدخل في حكم الخطأ، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار بين البشر وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق وتحفر الخنادق وتستباح الدماء, إن التعصب انغلاق وانكفاء نحو الداخل وارتداد على الذات وتقوقع في زاوية ضيقة ورؤية قاصرة للكون.
والبشرية في سعيها لتحقيق المجتمع الإنساني المثالي هي بحاجة دائماً إلى الانفتاح والنزوح نحو الخارج واستشراف الأفاق البعيدة وتمزيق الشرانق التي ترسم الدوائر الضيقة، فهي بحاجة إلى التآلف والتآخي والتكاتف واقتسام المعاناة بدلاً من التخندق والمواجهة ورسم التخوم العازلة وهدم جسور التواصل التي تؤدي بالنتيجة إلى الإرهاب ذلك الكابوس الذي تعاني منه البشرية.
إن ما يحتاج العالم العربي أن يدركه بقوة في هذه الأيام أن الآخر هو جزء من حياتي, جزء من عالمي الخاص وهو في رقبتي على طول المدى فلا يمكن أن أعيش بدون الآخر ولا أستطيع حتى أن أمارس العبادة بدون الآخر بل لا أستطيع الوصول إلى الله بدون الآخر أياً كان لونه أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو عرقه أو معتقده.
ألم يحن الوقت لعالمنا العربي لأن يدرك أن المجتمعات الإنسانية تزدهر بقدر حرصها على مبدأ التنوع والتعدد وقبول الخلاف والاختلاف، وأن أحوالها تتدهور عندما تقاوم هذه الشروط الأساسية وتقلل من شأن التنوع والتعدد وقبول الاختلاف؟!!
إن الآخر هو جزء من التنوع الذي يتمتع به كل مجتمع وهذا التنوع هو الذي صاحب الإنسانية منذ أن وعىَ الإنسان حقيقة أن تعميره للكون لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة عامة مع كل إنسان خلق على شكيلته ووُجد وعاش معه تحت السماء الواحدة وعلى الأرض الواحدة, وإذا كانت الإنسانية قد صاحبت التنوع دائماً فإنها صاحبت هذا التنوع من خلال وجود الآخر المختلف في اللون والعرق والنوع والدين والعقيدة فكان تعايشها مع الآخر هو التعايش مع التنوع الذي أثرى ماضيها ويثري حاضرها ولا شك أنه سيثري مستقبلها, فهل سيتعلم المتعصبون والعنصريون في عالمنا العربي الدرس؟ ومتى سيتعلمون؟!!!!!!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1528&I=41