محمود الزهيري
بقليم : محمود الزهيري
حديث السياسة واضح في بيانه ودلالته لأنه يخاطب مصالح مجتمع , وتحميله بأكثر مما يحتمل بمثابة خيانة للمجتمع , وحديث السياسة في مصر غالباً لاتتبدي منه دلالة المصالح الإجتماعية , لأنه هارب إلي الماضي وتراكماته وأزماته وإعادة إنتاج تلك الأزمات للمجتمع في صيغ جديدة مأزومة مغلفة بغلاف المصالح القومية والدينية المتوهمة التي غالباً ماتنحي تجاه الفاشية لتنتج مناخ سياسي عقيم و فاسد واستبدادي .
لايمكن إنجاز عمل كبير بدون رجال كبار , وقد أصبح هؤلاء كذلك لأنهم أرادوه لأنفسهم , هكذا قال شارل ديجول .
من اللحظات الهامة في حياتي والتي وصفتها بأنها فصلة تاريخية في تاريخ مصر السياسي , أنني كنت من ضمن المستقبلين للدكتور محمد البرادعي بصالة الإستقبال بمطار القاهرة , والذي أثلج صدري مشهد الشباب والشابات الذين حضروا تلك اللحظة الفصلة .
كان مشهد إستقبال الدكتور البرادعي لاتطاق روعته في عيون مستقبليه الناظرين لحلم التغيير في أفق يحتاج فقط إلي طموح واضح في معالمه ومطالبه لتحقيق هذا الحلم المصري , ولأن العمل الكبير يحتاج إلي رجال كبار فقد كان الدكتور البرادعي مؤهلاً لهذا العمل .
ثارت بداخلي الظنون وارتابت نفسي بعد يوم واحد فقط من إستقبال الدكتور البرادعي عندما استقبل مجموعة من المصريين بتوجهاتهم المختلفة حيث كان المشهد متناقضاَ تمام التناقض , وإن كنت ألتمس الأعذار للدكتور البرادعي في عدم معرفته بتاريخ بعض من أفراد تلك المجموعة التي التقاها بمنزله والتي تشكلت منها نواة الجمعية الوطنية للتغيير . فمنهم من إحتج علي الإشراف الدولي علي الإنتخابات المصرية , ومنهم من وقف ضد قرار البرلمان الأوروبي بإدانة النظام المصري في الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات الدينية , ومنهم من وقف ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف طاغية السودان عمر البشير , ومنهم من وقف ضد تقرير ديتليف ميلتس في إدانة بشار الأسد طاغية سوريا في قضية إغتيال رفيق الحريري وجرائم البعث في لبنان , ومنهم وقف بجرأة وشجاعة ضد عمل المرأة بالقضاء وإتخاذه موقفاً صلباً متوهماً , ومنهم من أدار صراعات قومانية عربية متوهمة أيضاً وحارب طواحين الهواء متمثلة في الصراع ضد الإمبيريالية والصهيونية العالمية ليغطي خياباته وعجزه وقصوره في مواجهة الطغيان المصري , وغير ذلك من المسائل التي تكرث للإستبداد والطغيان والفساد , وتكرث للفاشية السياسية والفاشية الدينية في المجتمع المصري , وكأنني أري الدكتور البرادعي جالساً مشبكاً أصابعه علي منضدة الفاشية , وهو لايريد أن يكون للفاشية مجال أو حيز بإعتبارها معوقة للتغيير , ولكن من إلتف حوله يريدوا له أن يكون كذلك .
بيان الدكتور البرادعي بشأن تعذيب أحد أنصار الجمعية الوطنية للتغيير , كان شديد في عباراته وتلويحه لتقديم المسؤلين عن هذه الجريمة للمحاكمة الوطنية أو الدولية وجاء البيان محمولاً علي حقيقة مفرداته اللغوية حينما يقرر بعد تحذيره للأجهزة الأمنية ووصفها بإستخدام الأساليب القمعية ضد أنصاره وضد المطالبين بتغيير الأوضاع السياسية في مصر ويؤكد أن هذه الأساليب غير المتحضرة انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية ، وتعرض مرتكبيها للمساءلة أمام المحاكم.
وسياق كلام الدكتور البرادعي يحتمل تقديم المجرمين إلي المحاكم الدولية أوالمحاكم الوطنية .
الغريب في الأمر أن صحيفة المصري اليوم الغير بعيدة عن الأجهزة أوردت البيان كما جاء علي لسان الدكتور البرادعي إلا أن منسق الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور حسن نافعة , أعاد إنتاج هذا البيان في صورة من صور المسخ , وحول كلمة الدولية إلي الوطنية وهذا في مقاله بالصفحة الخامسة بالمصري اليوم عدد الجمعة 12 مارس 2010, وكأنه يستبعد تقديم مجرمي النظام المصري إلي المحاكمة الدولية , في حالة من حالات إعادة إخراج بيان الدكتور البرادعي ولكن بمفردات مصرية محلية أو قومية أو ناصرية , فهل إعادة إنتاج بيان البرادعي بمثابة إعادة إنتاجه فاشياً , والإبتعاد به عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في ظلال حلم الدولة المدنية عدوة الفاشية السياسية والفاشية الدينية !!
أعتقد أن المهام الكبري تحتاج رجال ونساء كبار !!
والسؤال الهام , من المستفيد من تحويل كرسي الدكتور البرادعي ووضعه أمام منضدة الفاشية ؟!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=15298&I=382