بقلم: عبداللطيف المناوي
تمتلئ الحياة حولنا بالحكايات والمشاهد, وهي حكايات ذات دلالة, ومشاهد لها من المعاني الكثير, وتحمل ذاكرتنا أيضا الكثير من الحكايات القديمة والقصص التي لها أصول فولكلورية, والغريب أن تلك القصص والحكايات تحمل من العمق والحكمة, رغم بساطة شكلها, ما يفاجئنا عندما نكتشف أن ما نراه في حياتنا من أمور, وعلاقات علي المستويين الخاص والعام, ما يبدو وكأن كل هذه الحكايات هي تعبير قديم جديد عما نعيشه ونشاهده.
هذه المقدمة ليست محاولة لإصباغ قدر من التعقيد أو افتعال الحكمة, ولكنها حقيقة أكتشفها كل يوم, وأدعوكم إلي التأكد من هذه الحقيقة ـ كما أعتبرها ـ باستحضاركم لنصوص من حكايا الأجداد أو الأمثال الشعبية للأمهات والجدات, أو كتب التراث المليئة بالخرافات وحكايات الحيوانات التي هي في النهاية تعبير عن واقع حياتي لهم, والغريب أنه أيضا واقع متجدد لنا.
لفت صديق لي نظري في معرض حديثه عمن يستمتعون بإفساد الجيد من الفعل وإعاقة الصحيح من الحركة في مجتمعنا ـ المحلي والإقليمي ـ عندما وصفهم بالثعالب الصغيرة المفسدة للكروم, وكان الحديث حول تلك الكائنات الصغيرة ـ حجما هنا ـ والتي تستمتع بإفساد الأفعال التي يهدف أصحابها إلي أن تكون أفعالا إيجابية.
لا أظنه صعبا النظر حولنا, شخصيا ومحليا وإقليميا, لكي نكتشف تلك الثعالب الصغيرة التي تبدو وديعة المظهر, آمنة الجانب, لكنها في النهاية مفسدة لحياتنا ولأي محاولة إنجاز, نجاهد من أجل قبول الآخر, من أجل فتح دائرة الحوار مع أطراف الأمة وتوحيد أبنائها, ليأتي أولئك الذين احترفوا حرق الجسور ليعيشوا علي نارها, ويطربوا بانهيارها, تدور المحاولات الجادة لوضع الكتف معضدا للكتف لمواجهة المستقبل معا بين أطراف عشقت هذا الوطن, واختارت العيش فيه, والعمل من أجله, اتفقت علي الارتباط والارتقاء به, حتي وإن اختلفت تلك الأطراف علي الأسلوب, فتأتي مرة أخري تلك الثعالب الصغيرة لتعبث بثمار هذا الوطن, وتفسد محاولات التوحد من أجل الدفع به إلي الأمام, وهي هنا ثعالب لا تنتمي لطرف واحد, ولكنها تنتمي لأطراف متعددة ومتناقضة, ولكن يعميها ضيق الأفق وقصر النظر والرغبة في الربح السريع ولو كان ذلك ثمنه إفساد الثمار, وهي هنا تنطلق من رغبتها قصيرة النظر في تحقيق مكاسب, وعدم إدراكها إن ذلك يسبب إفسادا أعم وأشمل.
وإقليميا نجد تلك الثعالب الصغيرة مرة أخري تقوم بدور المفسد للجهود الكبيرة, وهي هنا تلعب أدوارها لمصلحة ثعالب أكبر وأكثر مكرا, ولكنها ـ أي هذه الثعالب الكبيرة ـ قررت ألا تواجه بنفسها وتركت المجال للصغير منها ممثلا لها, ومدفوعا برغباتها في القيام بذلك الدور المفسد, وأنا هنا إن كنت أبرئ الثعالب الصغيرة محليا من سوء النية وأغلب قصر النظر, أو عدم القدرة علي تقدير الأمور, فإنني هنا لا أبرئ الثعالب الصغيرة إقليميا, والتي ـ يبدو واضحا أنها ـ تلعب دورها لمصلحة ثعالب أكبر إقليميا أو دوليا, وما يحدث في المنطقة المحيطة بنا يمكن لنا أن نقرأه في إطار تلك الحكايات, فكيف لنا أن نفسر محاولات الإعاقة المستمرة للجهود التي تحاول توحيد صف الفلسطينيين في مواجهة مستقبل يزداد قتامة كل يوم, وفي محاولة لتحقيق حلم بدولة يبدو يوما بعد يوم أكثر بعدا, وهي محاولات إعاقة لا يبدو الهدف منها سوي البحث عن دور أو اختطاف قضية شعب لتكون ورقة في لعبة سياسية لمصلحة الآخرين.
وكيف يمكن لنا أن نفسر محاولات القفز للعب أدوار الهدف منها إيجاد مكانة غير حقيقية ودور وهمي لكيانات هي في الأصل محدودة القدرة في القيام بأدوار لأسباب تاريخية وجغرافية لا يد لأصحابها فيها, حتي لو دخلت عناصر جديدة مثل الثروة المفاجئة أو التحالفات المريبة, فإن هذه العناصر وحدها ليست كافية لتغيير حقائق تاريخية وجغرافية, وبالتالي تتحول تلك الكيانات مرة أخري للقيام بدور الثعالب الصغيرة.
تقول القصة التي هي جزء من الثقافة المسيحية إن الثعالب الصغيرة كانت تربض بجوار مزارع الكروم, حتي إذا ما حل الظلام تسللت إلي الداخل لتحصل منها علي وجبة سهلة لذيذة, وينتبه الحارس لذلك فيسعي باستمرار لتفقد السياج وتسديد الثغرات وتقريب المسافات بين أعواد السياج, وبذلك يتعذر علي الثعلب الكبير الولوج إلي داخل المزرعة, ومن ثم, فإنه يدفع بصغيره من بين السياج الضيق ليحصل له علي الطعام, وقد يفعلها الصغير من تلقاء نفسه دون تكليف, يدخل ويعبث بالكروم هنا وهناك, يتلف أكثر مما يأكل, فهو عديم الخبرة, وإذا ما شعر بالخطر فيمكنه الاختفاء بسهولة بحيث يصعب علي الحارس الوصول إليه, ويكرر الصغير فعلته يوميا, ويطيب له المقام داخل الكرم, هناك يكبر ويلد كثيرين فيصبح مع الوقت قوة خطيرة في الداخل.
فلنحذر جميعا من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم, فهي مفسدة للحياة, معيقة للانجاز, ولتراجع تلك الثعالب نفسها ومواقفها, ولتعد إلي حيث الصف الصحيح والطريق السليم.
رئيس قطاع الاخبار ـ اتحاد الاذاعة والتليفزيون
menawy@gmail.com
نقلا عن الاهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=1532&I=41