من الذى يحكم مصر اثناء مرض الرئيس؟

د. صبري فوزي جوهرة

 بقلم : د/ صبرى فوزى جوهره
ما زال الرئيس حسنى مبارك يقضى فترة نقاهة, تبدو لى انها قد طالت, بعد خضوعه  لما قيل انه جراحة استئصال الحوصلة المرارية فى معهد متخصص فى جراحات البنكرياس و القنوات المرارية بهايدلبرج بالمانيا . و اعلن عقب انتهاء الجراحة انها اجريت عن طريق فتح التجويف البطنى و ليس بالاستعانة بالمنظار, وهى الوسيلة المتبعة الان و منذ اواخر تسعينات القرن الماضى لاجراء عمليات استئصال المرارة المعتادة, ما لم تكن الحوصلة مصابة بورم غير حميد  معروف مسبقا او ان  هذا التشخيص موضع شك قوى. و فى البيان الاول عقب اتمام الجراحة و لمرة واحدة لم تتكرر,

اعلن الجراح استئصال ورم فى الاثنى عشر بالاضافة الى الحوصلة المرارية, و وصفت كل الانسجة المقتطعة تكرارا بانها حميدة و هذا ما نرجوه جميعا للرجل. الا انه بالرغم من الحقيقة المعروفة بان الرئيس المصرى قد اجتاز الثمانين من عمره  و ما يتطلبه المريض المسن من عناية دقيقة  خاصة, الا انه يبدو ان حقيقة المرض قد تكون مخالفة لما اعلن. ثم ان مجرد الاعلان السابق للسفر الى المانيا والتشخيص الذى قد يكون مبالغ فى تفاؤله, و تصريح الجراح بانه ازال ورما من الاثنى عشر و اللجوء الى التدخل الجراحى المفتوح و امتداد فترة البقاء فى المستشفى, كلها علامات تدعو الى القلق و افتراض ان ما يقال فى العلن غير مطابق للحقيقة. فان كان الامر لا يتعدى استئصال حوصلة مرارية ملتهبة لما اعلن عن مرض الرئيس مطلقا و لاجريت الجراحة بالمنظار فى القاهرة دون ان تعلن انباء مرض الرئيس يتم كل شيىء فى سرية كما كان الحال فى الماضى  حتى  وان استدعى جراح  من خارج مصر  ان قلت الثقة فى جراحى مصر.

ذلك ان استئصال الحوصلة المرارية الملتهبة  لا يستدعى ما احاط بمرض الرئيس و ملابساته. و يعلم الجراحون انه فى استطاعة  صغار الاطباء الذين هم فى مراحل تدريبهم الاولى اجرائها تحت اشراف اساتذتهم.  ولا يستغرق بقاء المريض فى المستشفى بعد الجراحة سوى ساعات قليلة لا تمتد الى اكثر من يوم واحد عند تواجد ظروف خاصة مثل تقدم السن او احتمال اكبر لحدوث مضاعفات لسبب او آخر.
 
كان ما سبق عن "الغلوشة" على حقيقة مرض الرئيس. الا ان هناك امور أخرى تدعو للتساؤل. فقد اوكل الرئيس رسميا الى رئيس الوزراء القيام باعماله خلال رحلته العلاجية . و بالرغم من ذلك ذكرت الانباء, عن عمد بلا شك, ان الرئيس يتصل بكبار المسئولين فى مصر, و الى هنا و الواحد يمكن يقول كتر خيره, لعله يريد الاطمئنان على سير الامور فى البلاد. اما ما يبعث على الحيرة فهو اصدار قرارات خطيرة تتعلق بحاضر البلاد و مستقبلها مثل تعيينه شيخ جديد للازهرفى وقت قد تخلى فيه رسميا عن مسؤلياته, و ان كان ذلك مؤقتا بالطبع, و لم يعلن رسميا عن انتهاء تكليف رئيس الوزراء بالقيام باعماله.  و هنا ارجو من الاساتذة المحامين من القراء افادتنا برأيهم المهنى فى هذه اللخبطة. هذا ان لم  يكن الرئيس قد قام فعلا باعادة سلطاته الى نفسه بقرار لم يعلن عنه او اعلن بس فات على العبد لله.
 
على اى الاحوال خلينا نفوت دى. فاقصى ما يمكن توقعه من مثل هذا الاجراء هو ان يرفع الشيخ يوسف البدرى قضية بعدم شرعية تعيين الشيخ احمد الطيب لعدم اختصاص من آتخذ قرار التعيين, و ان جاء الحكم فى صالح الشيخ البدرى فاقصى ما فى الامرهو ان يعود الشيخ الطيب الى عمله القديم الذى ربما يكافأ  البدري بمشيخة الازهر لدفاعه عن الشرعية .
 
اما ما هو اكثر خطورة فهو ترك اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية فى ايدى رجل مسن و مريض لا شك انه يتعاطى  مسكنات للالم  معروف عنها جميعا مدى التأثير على مقدار يقظة الانسان و قدرته على الرؤيا الواضحة و التحليل السليم للامور ووزن السلبيات و الايجابيات فى قرارات تؤثر على حياة الملايين من ابناء مصر و باحوال الوطن باكمله. و للمقارنة, سأذكر اجراء متبع  هنا فى الولايات المتحدة و لعله يراعى الان فى مصر ايضا. فلا يسمح للطبيب ان يجرى اى اختبار تشخيصى او تدخل جراحى دون اذن موثق و موقع من المريض او ولى امره بعد شرح طبيعة التدخل و نتائجه و مضاعفاته و اقرار المريض بان الطبيب قد قام بشرح التفاصيل و اجابة كافة استفساراته عنها. و يشرف على هذا الاجراء طرف ثالث بشهد بصحة امضاء المريض و ان الاقرار قد تم دون ان يكون المريض تحت تأثيراحد المسكنات, و ان كان فيعتبر الاقرار لاغ و يعاد استصداره بعد زوال مفعول المسكن المفترض. هذه الاحتياطات المشددة تطبق على الجميع دون ادنى استثناء لانها تتعلق بحقوق انسان مفرد, فما بالكم بمصائر وطن؟
 
لا شك ان ما سبق من مفارقات يرمى الى  تأكيد  سيطرة الرئيس التامة على مجريات امور الحكم و قدرته على الاستمرار فى موقع السلطة العليا بالبلاد . فهل هذا هو الواقع ام ان هناك ايدى خفية  تلعب فى الخفاء (على رأى الزعيم الخالد بتاع النكسة)؟ على اى الاحوال يبدو ان اللعب لسه فى اوله و ربنا بستر!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع