هل الأقباط أقلية؟

هاني عزيز الجزيري

بقلم: هاني عزيز الجزيري
فرضت المشكلة القبطية نفسها على الساحة السياسية في الفترة الحالية, والتي تعتبر من أهم المشاكل والهموم المصرية، رغم كل ما تزعمه الدولة من إنكار وجود مشكلة من الأصل. لقد خرج الأقباط عن أدائهم المعتاد حينما نظمت حركة "أقباط من أجل مصر" مظاهرة في 14 فبراير الماضي فى ميدان التحرير ـ أكبر ميادين العاصمة المصرية وأهمها ـ حيث دوت هتافاتهم لتهز الأرجاء من حولها وتزلزل الأرض تحت أقدام نظام الحكم المتخاذل، ليفيق من سباته العميق ويفرك عينيه جيدًا ليجد نفسه وجهًا لوجه مع شباب مصري جديد يتخلص من صمته ويصرخ في وجه السلطه ويقول للظلم لا، مسجلاً موقفًا تاريخيًا، لم يحدث من قبل.

تشخيص المشكلة:

لقد راودت فكرة الأقلية عددًا من الأقباط في محاولة للتخلص من ظلم الدولة وتمييزها بين المسلمين والأقباط؛ والأقلية ـ أيًا كان تعريفها ـ لن تصل بنا إلى الهدف المنشود، لأننا ببساطة لو استعرضنا وضع الأقليات في كل العالم لن نجدهم نالوا حقوقهم كاملة ولكنهم يُعاملوا كأقليات فقط والقوانين لم تنصفهم.
والمشكلة في الأصل هي فكرة التعالي والخصوصية التى يعتنقها البعض؛ فالأبيض يتصور أنه أفضل من الأسود، ولكن لو تركنا الألوان وحسبناها كإنسان أمام إنسان نجد أن الأفضلية لمن أجاد وليس للون، وكما هي في الألوان الأمر كذلك في الأديان.

لماذا يطلب بعض الأقباط معاملتهم كأقلية؟

 إذا كان هناك جدلاً واضحًا ومستفزًا حول فكرة الأقلية، فلو وصلنا للمساواة التامة بين جميع أفراد الشعب ـ ونقصد بذلك سيادة القانون على الجميع وليست المواطنة ـ سنجد أن فكرة الأقلية اختفت من تلقاء ذاتها. المشكلة التى نحن بصددها، لو نظرنا إليها من منظور آخر، أو لو طرحنا سؤالاً بسيطًا وهو: لماذا يطلب بعض الأقباط معاملتهم كأقلية؟! سنجد الإجابة: لأنهم يشعرون بتمييز بينهم وبين الأغلبية، والأقلية هنا بسبب الدين وليس بسبب العدد. بمعنى آخر؛ لو إنتهى التمييز الدينى ضد الأقباط فلن يكون هناك أقلية لأننا كلنا مصريين وهنا نستطيع أن نردد بكل ارتياح عبارة أننا نسيج واحد, لأن المشكلة هنا قد انتفت، ثم بعد ذلك يطلب كل المصريون المواطنة الكاملة؛ وهي الحقوق والواجبات المتساوية.

أسباب ترجيح فكرة الأقلية:

-  التمييز في التعليم، في التعيين، في الإعلام، في الدستور، في الأحكام القضائية، في تطبيق القانون، وفي الأحوال الشخصية.

- لو أن شهادة المسيحي معترف بها في المحاكم كمواطن كامل لن يطلب أن يعامل كأقلية، لو أن إختلاف المسيحيين في مذاهبهم وأمام القضاء لن يفرض عليهم تطبيق الشريعة الإسلامية؛ فلن يطالبوا بمعاملتهم كأقلية.

- لو أن أطفال المسيحيين المنفصلين أو الذي يتحول أحدهم إلى الإسلام سيستقر الأبناء على دين الثابت على عقيدته وليس الذى غيَّر عقيدته؛ لن يطلب أحدًا معاملته كأقلية.

- لو أن قوانين الإرث تطبق على المسيحيين بمفهوم مسيحي وليس إسلامي؛ لن نحتاج إلى المعاملة كأقلية.

- لو أنني تطلعت لوسائل الإعلام الحكومية لأجد منها إنصافًا لعقيدتي وساعات بث مناسبة له؛ لن أطلب أن أعامل كأقلية.

- لو أنني أجد في أحكام القضاء عدم تعسف، وعدم إزدراء لعقيدتي بعبارات خادشة لآدميتي مثل الدين الأصلح وهو الإسلام، أو عادات الكفر مثل شرب الخمر وأكل الخنزير من قاض يفترض أن يحكم بالعدل وبأسلوب مهذب؛ لن أطالب بمعاملتي كأقلية.

- لو تساوينا في الوظائف, في التعيين, وفي المناصب القيادية, فما الحاجة إلى معاملتي كأقلية؟ لن يكون هناك أقلية.

- لو أن دور العبادة تعامل بالمثل وتبنى بنفس الطريقة ودون معوقات من الدولة ومن المحافظ ومن الأمن ومن المسلمين أنفسهم فما حاجتي إلى المعاملة كأقلية؟

الدولة هي السبب:

 الدولة نفسها تعاملنا كأقلية؛ حينما نص دستورها في مادته الثانية على أن دين الدولة الإسلام, وكان المبرر أنه دين الأغلبية فاعترفت بوجود أقلية، وهذه المادة العجيبة قسمت المصريين إلى أغلبية وأقلية.
وحينما أقرت الدولة من خلال الدستور أن مبادىء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, شعرت ـ وأنا كمسيحي ـ بغربة في وطني.
الدولة هي التي أوجدت هذا التقسيم وعليها أن تلغيه.

كل المصريون أقلية في بلادهم:

كل المصريون أقلية في بلادهم بسبب الفكر الوهابي والسلفي الذى عشش في عقول قادتنا مما جعلنا كمصريين غرباء في بلادنا؛ ينكرون علينا مصريتنا من أجل العروبة، ويريدون منا أن نتبرأ من أصولنا الفرعونية ونلعن أجدادنا ونستهزأ بحضارتنا من أجل فكر سلفي وهابي لا حضارة له ولا أصل, وبالرغم من ذلك لا يعترف إلا بنفسه.

نحن لسنا أقلية، نحن أحفاد الفراعنة وأصل هذا البلد، كل منا مصري لا غش فيه, ولو عوملنا كأقلية سيقُضى علينا وسنعطي لهم الذريعة لعدائنا جهارًا ومباشرةً ولن نستفاد شيئًا إلا خسارة إخوتنا المعتدلين والمؤمنين بقضيتنا.

علينا انتزاع حقوقنا بأنفسنا وفرض رأينا بالجدل والحوار والضغط المستمر واستخدام كل الطرق المشروعة والتعامل مع كافة الوسائل المتاحة من مؤسسات مجتمع مدني وأحزاب وكتل سياسية شرعية لتحقيق مطالبنا وغايتنا.

ليست المطالبة بالحق كفرًا وبهتانًا    إنما هي من الحق حقيقة وبيانًا

إن عظمة مصر من عظمة أبناءها المخلصين