الفريق عبد المنعم رياض

د. ماريانا يوسف

بقلم: ماريانا يوسف
في شهر مارس من كل عام، وتحديدًا في التاسع منه، تحتفل مصر بعيد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، الذي يُعتبر واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ شارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامى 1941 و1942، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، و نكسة 1967، وحرب الاستنزاف.

ولد الفريق محمدالفريق عبد المنعم رياض عبد المنعم محمد رياض عبد الله في قرية سبرباى إحدى ضواحي مدينة طنطا، بمحافظة الغربية في 22 أكتوبر 1919، ونزحت أسرته إلى الفيوم، وكان جده عبد الله طه علي الرزيقي من أعيان الفيوم، وكان والده القائمقام (العقيد) محمد رياض عبد الله، قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، والذي تخرج على يديه كثيرون من قادة المؤسسة العسكرية.

ودرس في كُتاب القرية وتدرج في التعليم، وبعد حصوله على الثانوية العامة من مدرسة الخديوي إسماعيل، التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه وبعد عامين من الدراسة، فضل الالتحاق بالكلية الحربية التي كان متعلقا بها، وانهى دراسته بها في عام 1938 م برتبة ملازم ثان، ونال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في انجلترا عامي 1945 و1946.. وأجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وانتسب أيضًا لكلية العلوم لدراسة الرياضة البحتة، وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة لإيمانه بأن الاستراتيجية هي الاقتصاد.

وفي عام 1941، عُيِّن بعد تخرجه في سلاح المدفعية، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية، حيث اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا.

وخلال عامي 1947 – 1948، عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومُنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك.
 
وفي عام 1951 تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم، وفي عام 1953، عُيِّن قائدًا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية.
 
أما في الفترة من يوليو 1954 وحتى إبريل 1958، فقد تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية.
 
وفي 9 أبريل 1958، سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز وقد لقب هناك بالجنرال الذهبي، ثم شغل عام 1960 بعد عودته منصب رئيس أركان سلاح المدفعية، وعُيِّن عام 1961 نائب رئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة، وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي.
 
وفي الفترة ما بين عامي 1962 و1963، اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات حصل في نهايتها على تقدير الامتياز، ثم عُيِّن عام 1964 رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقي في عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا.
 
حصل الفريق بعد المنعم رياض على العديد من الأنواط والأوسمة، ومنها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ووسام الجدارة الذهبي ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني طبقة أولى ووسام نجمة الشرف.
 
وفي مايو 1967، وبعد سفر الملك حسين للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك، عُيِّن الفريق عبد المنعم رياض قائدًا لمركز القيادة المتقدم في عمان، فوصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة.
 
وحينما اندلعت حرب 1967، عُيِّن الفريق عبد المنعم رياض قائدًا عامًا للجبهة الأردنية، وفي 11 يونيو 1967، اختير رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها، وفي عام 1968، عُيِّن أمينًا عامًا مساعدًا لجامعة الدول العربية.
 
حقق الفريق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وذلك في آخر يونيو 1967، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967، وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968.
كان الفريق عبد المنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل، ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصرًا عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية، وكان يؤمن بأنه "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية، فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه".. كما كانت له وجهة نظر في القادة وأنهم يُصنعون ولا يولدون فكان يقول: "لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدًا هو "فلتة من الفلتات" التي لا يُقاس عليها كخالد بن الوليد مثلاً، ولكن العسكريين يُصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة.. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار".

وقد تنبأ الفريق عبد المنعم رياض بحرب العراق وأمريكا، حيث قال إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاد وستتطوق إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريبًا.. ومن أقواله المأثورة: "أن تبين أوجه النقص لديك، تلك هي الأمانة، وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك، تلك هي المهارة".

أيضًا أشرف الفريق عبد المنعم رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف بنفسه على تنفيذها وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969م موعدًا لبدء تنفيذ الخطة، وفي التوقيت المحدد، انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمر جزءًا من مواقع خط بارليف، وتُسقط بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.

وفي صبيحة اليوم التالي (الأحد 9 مارس 1969)، قرر الفريق عبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدمًا والتي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترًا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق.

وشهِد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبد المنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي عبد المنعم رياض بعد 32 عامًا قضاها عاملاً في الجيش متأثرًا بجراحه.. وقد نعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر، واعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يومه، تخليدًا لذكراه كما أطلق اسمه على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة وأحد شوارع المهندسين.