دولة الرئيس والإمام الأكبر‮..‬ من‮ ‬يقدم التهنئة إلي الآخر؟‮!‬

بقلم: سعيد عبد الخالق

بريطانيا العظمي أو الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس‮.. ‬خرجت من الحرب العالمية الثانية تغني أناشيد النصر علي أعدائها،‮ ‬وفي مقدمتهم دول المحور التي تضم إيطاليا‮!. ‬وتوجهت الملكة إليزابيث الثانية‮ »‬الأم‮« ‬التي تجلس علي عرش نصف الكرة الأرضية وقتها إلي إيطاليا،‮ ‬وتضمن جدول الزيارة لقاء مع بابا الفاتيكان‮. ‬ولم تجلس ملكة بريطانيا في قصر الضيافة أو مقر سفارتها وتطلب من كبير الياوران الملكي استدعاء البابا للقائها‮!!. ‬بل‮.. ‬ارتدت الملكة إليزابيث الفستان الأسود،‮ ‬ووضعت‮ »‬الغطاء الأسود‮.. ‬علي شعرها،‮ ‬وتوجهت إلي مقر الفاتيكان للقاء البابا جان بولي الثاني،‮ ‬ولم تخرج ملكة بريطانيا خلال الزيارة عن قواعد البروتوكول التي تفرض علي الزائر احترام وتبجيل وتعظيم البابا‮.. ‬حتي في لون الملابس‮!.

‬وتكرر نفس السيناريو عام‮ ‬1980‮ ‬عندما زارت الملكة إليزابيث وزوجها دوق أدنبرة إيطاليا،‮ ‬وتوجها إلي مقر الفاتيكان لنيل شرف مصافحة ولقاء البابا‮.. ‬الحبر الأعظم‮!!‬ ولم تقتصر تقاليد وبروتوكول لقاء البابا علي ملوك بريطانيا‮!!. ‬فقد زار الرئيس الأمريكي رود روويسلون عام‮ ‬1919‭.‬‮ ‬وتوجه إلي الفاتيكان للقاء البابا في أول زيارة لرئيس أمريكي‮!. ‬وبعد‮ ‬40‮ ‬سنة‮.. ‬قام الجنرال أيزنهاور رئيس أمريكا بزيارة الفاتيكان عام‮ ‬1959،‮ ‬وتوالت زيارات جميع رؤساء الولايات المتحدة ابتداء من جون كيندي عام‮ ‬1963،‮ ‬ومروراً‮ ‬بالرئيس جورج دبليو بوش الذي زار الفاتيكان خمس مرات،‮ ‬وآخرها في‮ »‬يوليو‮« ‬الماضي عندما زار الرئيس بارك أوباما بابا الفاتيكان الحبر الأعظم‮.‬ وحرص رؤساء الولايات المتحدة علي اصطحاب زوجاتهم خلال زياراتهم إلي البابا،‮ ‬وارتدين الفساتين السوداء الطويلة وغطاء الشعر الأسود طبقاً‮ ‬للتقاليد وقواعد البروتوكول‮!. ‬وعندما عقد الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا قرانه علي‮ »‬كاميلا‮« ‬زوجته الثانية‮.. ‬توجه إلي الفاتيكان بصحبتها لزيارة البابا‮!. ‬في‮ »‬ديسمبر‮« ‬2007‭.‬‮

. ‬زار الرئيس الفرنسي ساركوزي إيطاليا بصحبة صديقته المغنية كارلا بروني،‮ ‬ولم‮ ‬يجرؤ علي اصطحابها خلال زيارته إلي الفاتيكان لأنه لم‮ ‬يكن قد تزوجها وقتها‮!!.‬ولم‮ ‬يخرج عن بروتوكول زيارة البابا رئيس أو ملك أو إمبراطور،‮ ‬والتزموا جميعاً‮ ‬بالزي المحدد‮.. ‬ابتداء من رؤساء الدول المتقدمة والسبع الكبار،‮ ‬ووصولاً‮ ‬إلي مجموعة الثلاثين بالإضافة إلي كبار الزوار الأخيرين‮..

‬جميعهم احترموا الرمز الديني الكبير،‮ ‬وتوجهوا إليه في مقر إقامته،‮ ‬ولم‮ ‬يطلب أحد من كبير الياوران استدعاء البابا إلي مقر سفارة دولته أو قصر الضيافة للقائه‮!!.‬ ولكن‮.. ‬كيف تنظر حكومة الدكتور أحمد نظيف إلي الجالس علي كرسي الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذي‮ ‬يمثل ملياراً‮ ‬و700‮ ‬مليون مسلم‮ ‬ينتشرون في أنحاء العالم‮.. ‬وهؤلاء جميعاً‮ ‬يعتبرون شيخ الأزهر رمزاً‮ ‬دينياً‮ ‬كبيراً؟‮!.‬ كما أن شيخ الأزهر تمتع بمكانة عالمية قبل‮ »‬يوليو‮« ‬1952،‮ ‬واعتاد مجلس الوزراء أن‮ ‬يتوجه بكامل هيئته إلي مقر المشيخة لتهنئة الشيخ الجديد بانتخابه شيخاً‮ ‬للأزهر‮.

 ‬ونعود إلي التساؤل الذي طرحناه عن كيفية تعامل حكومة الدكتور نظيف مع الجالس علي هذا المنصب الكبير‮.‬ عندما تلقينا خبر وفاة الدكتور المرحوم محمد سيد طنطاوي أثناء ركوبه الطائرة في مطار الرياض عائداً‮ ‬إلي القاهرة‮.. ‬لم نعلن الحداد الرسمي،‮ ‬ولو لمدة ساعتين أو ثلاث‮!!. ‬ولم‮ ‬يأمر الدكتور نظيف بتخصيص طائرة تقل وزير الأوقاف وقيادات الأزهر للسفر إلي المدينة المنورة للمشاركة في تشييع جثمان الدكتور طنطاوي‮!!. ‬وبالمناسبة‮.. ‬انتقل شيخ الأزهر الراحل إلي رحمة الله في الساعة السابعة صباحاً،‮ ‬وشيعت جنازته إلي مثواه الأخير عقب صلاة العشاء‮.. ‬أي هناك وقت‮ ‬يسمح بسفر وفد مصري رسمي كبير إلي المدينة المنورة للمشاركة في تشييع شيخ الأزهر الراحل‮!!. ‬كما لم‮ ‬يتم فتح سجل لقبول التعازي اكتفاء بقبول العزاء في مسجد عمر مكرم‮!!.

 ‬وليس سراً‮.. ‬أن رؤساء وملوك العالم استقلوا طائراتهم،‮ ‬وتوجهوا بها إلي روما للمشاركة في تشييع جثمان البابا‮ ‬يوحنا بابا الفاتيكان الراحل‮!!.‬ واستبشرنا خيراً‮ ‬عندما بدأ الرئيس مبارك ممارسة مهام منصبه‮.. ‬بإصدار القرار الجمهوري بتعيين الدكتور أحمد الطيب شيخاً‮ ‬للأزهر،‮ ‬والذي‮ ‬يشغل في الوقت نفسه عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني‮!!.‬ وفوجئنا بالدكتور الطيب‮ ‬يتوجه إلي مقر مجلس الوزراء ليتلقي تهنئة الدكتور أحمد نظيف بالمنصب الجديد‮!!. ‬هل هذا معقول؟‮!. ‬إننا لم نر رئيس الحكومة،‮ ‬ولا حتي وزيراً‮ ‬يتوجه إلي مشيخة الأزهر لتقديم التهنئة للدكتور الطيب،‮ ‬والذي توجه إلي مقر مجلس الوزراء لتلقي التهاني‮!!.‬ وهذا هو الفارق بين تعامل ملوك ورؤساء العالم مع بابا الفاتيكان‮.. ‬وبين تعامل رئيس الحكومة المصرية مع شيخ الأزهر الذي‮ ‬يحمل درجة رئيس وزراء حالياً،‮ ‬ودرجة نائب رئيس جمهورية في الماضي‮!!.

 ‬تصوروا‮.. ‬شيخ الأزهر الذي‮ ‬يمثل ملياراً‮ ‬و700‮ ‬مليون مسلم‮ ‬يتوجه إلي الدكتور نظيف الذي‮ ‬يمثل مجموعة من الوزراء لا تزيد علي أصابع اليدين لتلقي التهنئة بتوليه منصبه الجديد‮!!. ‬ولا أتصور أن شيخ الأزهر توجه إلي الدكتور نظيف لأسباب أخري،‮ ‬خاصة أن الدكتور الطيب كما ظهر في صور اللقاء‮.. ‬لم‮ ‬يصطحب أحداً‮ ‬من قيادات مشيخة الأزهر حتي‮ ‬يناقش مع رئيس الحكومة مستقبل الأزهر أو السياسة الجديدة للمشيخة‮!!. ‬كما لم‮ ‬يصطحب الدكتور الطيب الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف للتباحث في شئون المسلمين‮!!. ‬وليس معقولاً‮ ‬أن الدكتور الطيب توجه إلي مقر رئيس الوزراء لتقديم التهنئة والشكر إلي الدكتور نظيف‮!!. ‬وليس معقولاً‮ ‬أن رئيس الحكومة استدعي شيخ الأزهر لتقديم التهنئة إليه علي منصبه الجديد‮!!.‬

 بالأمس‮.. ‬رأينا البابا شنودة الثالث بطريك الكرازة المرقسية‮ ‬يتوجه إلي مقر المشيخة لتقديم التهنئة إلي الدكتور الطيب لمنصب شيخ الأزهر،‮ ‬كما أهداه البابا‮ »‬سبحة‮« ‬وميدالية ذهب‮!!.‬ وأمس الأول‮.. ‬رأينا شيخ الأزهر‮ ‬يتوجه إلي رئيس الوزراء لتلقي التهنئة أو تقديم الشكر والتهنئة‮!.. ‬وهل نراه‮ ‬غداً‮ ‬يتوجه إلي صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني أوأحمد عز أمين التنظيم بالحزب باعتباره عضواً‮ ‬في المكتب السياسي للحزب الوطني‮!!. ‬وهل سيحضر فضيلة الشيخ اجتماعات المكتب السياسي للحزب الوطني،‮ ‬والتي تعقد برئاسة‮ »‬الشريف‮« ‬أو‮ »‬عز‮« ‬أو‮ ‬غيرهما؟‮!‬ هل هذا‮ ‬يليق بمنصب شيخ الأزهر الذي‮ ‬يمثل ملياراً‮ ‬و700‮ ‬مليون مسلم،‮ ‬ويحمل لقب الإمام الأكبر‮!!.

 ‬إن مكانة شيخ الأزهر لدي المسلمين لا تقل عن مكانة الحبر الأعظم بابا الفاتيكان لدي المسيحيين الأرثوذكس،‮ ‬ولا تقل عن مكانة البابا شنودة بين الأقباط الكاثوليك‮. ‬إننا رأينا رؤساء وملوك العالم‮ ‬يتوجهون إلي بابا الفاتيكان،‮ ‬ورأينا شيخ الأزهر‮ ‬يتوجه إلي مقر رئيس الوزراء‮!!.

نقلاً عن الوفد‬

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع