مينا نبيل فرنسيس
بقلم: مينا نبيل فرنسيس
لا أخفي أن لديَّ ومنذ نعومة أظافري شغفًا كبيرًا بالاطلاع على ثقافات وحضارات الآخرين، ولا سيما الحضارات الأوربية واللاتينية، ولا أخفي أيضًا أن ذلك قادني لقبول واحترم الآخر حتى لو اختلفنا معه، فكان أهم ما دفعني للبحث في الخلفيات الحضارية للبلدان المختلفة، ليس فقط حبي للمعرفة، بل الإبحار في عوالم أولئك الناجحين المتميزين، لأننا وفي الوقت الذي فيه نحن أكثر بلدان العالم تدينًا، فنحن أكثرها فشلاً وتخلفًا وتقهقرًا للخلف..
وكثيرًا ما قادتني قراءتي للأمثال المنتشرة في البلدان الأوربية واللاتينية، للربط بينها وبين أمثالنا الشعبية التي نحفظها جميعًا عن ظهر قلب، وبين واقعنا الذي لا يُعبرِّ إطلاقًا عن الإمكانات المهولة التي خلق الله به الإنسان المصري..
فمن الأمثال البرازيلية الرائعة التي أحبها، مثلان أعتقد أنهما شديدا الارتباط ببعضهما وهما:
("الإرادة الجيدة تُقصِّر المسافات"، و"الفمُ المُطبَق لا تدخله البعوضة").. بنظري أن الإنسان المصري أصلد إنسان على وجه الأرض، لكن تنقصه وتنقص غالبية دول العالم الثالث التي تعاني إجهاضًا شديدًا لأحلامها، تلمس مذاق الإرداة الإيجابية، فلو تحسس المصري طريق الإرادة واختبر مفعولها السحري لقصَّر وفي وقتٍ لا يتخيله المسافة بينه وبين ما يتمناه، خاصة وأن بداخله من الأساس طاقة فطرية جبارة من الإرداة والإصرار والجلد هو مولودٌ بها، لكنه بحاجة لأن يبحث عنها بداخله، وإذ وجد طريقًا إليها، فأنا على تمام اليقين أنه لن يسمح لـ "البعوض"، أي كل ما يعوق نجاحه، أن يقترب منه..
ومن الأمثال البرتغالية الراقية جدًا؛ "القمر والحب عندما لا يتزايدان يتناقصان":
الشرقيُ عامة والمِصري بصفةٍ خاصة، للعاطفة في وجدانه مكانة كبير جدًا، للدرجة التي لا يكون معها في كثر من الأحيان عمليًا في تناول أمور حياته، القمر والحب أعتقدُ أنهما وجهان لعملةٍ واحدة وهي "المحبة الناضجة"، فالنور من ثمار الحب، والحب من ثمار النور، وإذ لا يجدان العقلية المتزنة التي تزيدهما عمقا وإشراقًا، فإنهما يتضاءلان ويكسوهما الضيق والحزن، ولا "محبة ناضجة"، بلا إردة جيدة تقود للاتزان بين العملية والنجاح وبين استخدام مشاعرنا وعوطفنا وميول الرحمة بداخلنا في مكانها الصحيح، ولذا أنا دائم الربط بين تلك الأمثال الثلاثة وبعضهم من ناحية، وبينهم وبين مثل دانماركي جميل من ناحيةٍ أخرى..
هذا المثل الدانماركي جميعنا بحاجة للتأمل به ولو قليلاً، حتى نكتشف أننا كمصريين كثيرًا ما نطبقه، وهو "مَن يخشَ السؤال يخجل مِنَ التعلُّم"، فبدون السؤال والبحث، لن نتوصل لما نحن غافلون عنه، وإن أحببنا التعلم، لتوصلنا إلى أن "القمح الجيد لا يُحصد من الحقل الفاسد"، وهو بالمناسبة أيضًا مثل دانماركي، فالرغبة في الاستزادة والتعلم الحقيقي، إنما تفتِّح ذهن وبصيرة الإنسان، ونتيجة لذلك؛ يكون لديه دافع حقيقي للإرادة والإصرار الإيجابي، ومن ثم للعاطفة المتزنة.. إلخ إلخ..
وفي النهاية أحب أن أذكر مثلاً رومانيًا.. يلخص ما أردت طرحه من ضرورة أن نكون إيجابيينَ منفتحينَ مطلعينَ، أصحاب إرادة حقيقية، وهو "حيث زرعكَ الله أزهر"، فكم هي رائعةٌ كل تلك الأمثال والحِكم، التي أردت ذكرها لأنها متعمقة جدًا برغم بساطتها، شأنها أيضًا شأن أمثال مصرية كثيرة طريفة ومفيدة.
http://www.copts-united.com/article.php?A=15888&I=396