د. صبري فوزي جوهرة
بقلم: صبري فوزي جوهرة
يجتاز كفاح الأقباط لاكتساب حقوقهم المشروعة في بلادهم مرحلة جديدة.. فما بدأ كجهود فردية متناثرة للرواد العظام في المهجر، بل قُل في الشتات، لم يكن سوى مرحلة أولى لعمل شاق طويل، انتهت بانتقال من انتقل منهم إلى عالم الخلود وتقاعد البعض عن الجهد الشاق الذي تتطلبه طبيعة النضال ضد قوى دولة ما زالت مُصرة على اضطهاد الأقباط وعزلهم وإنهاء وجودهم في بلاد أجدادهم.. فإذا أضفنا عوامل أخرى إلى هذه المعطيات، مثل اشتداد العنف والعدوان المنظم والمكرس بجهود وتواطؤ سلطة متهالكة فاشلة تترنح تحت وطء الشيخوخة والتصلب ورغبتها الشديدة في التشبث بالحكم، وما يتطلبه ذلك من تغاضٍ صريح عن القيام بواجبها في حماية مسيحيي مصر في سبيل مهادنة أعدائها وأعدائهم الفعليين والمتربصين بالجميع، فهناك أيضًا التقدم المعروف في وسائل الاتصال وسرعتها مما سلب الحكام المطلقين قدرتهم السابقة على إخفاء عوراتهم وأساليبهم الشيطانية في قهرالشعوب.. أضف إلى ذلك التطور الطبيعى لإنسان هذا العصر المتحضر وتعرفه على الأهمية القصوى لقدسية حقوقه وكرامته والعمل على حمايتها كشرط محتم للتقدم واستقرار السلام بين الأمم.. فأصبح الدفاع عن هذه المبادىء شأنًا دوليًا يتخطى الحدود الجغرافية وما كان يُسمَّى بسيادة الدولة على أراضيها وعلى من عليها من بشر.
لقد تراكمت صنوف العدوان على الأقباط وتضاعف كمها بقدر متزايد خلال العقود الثلاثة الماضية.. ثم خيَّم ظلام مذبحة نجع حمادي على الضمير الإنساني، فأنهى صمت الأقباط داخل مصر وفي الشتات.. فخرج الأقباط معلنين عن غضبهم بحزن ونبل وحق أكسبهم احترام العالم وتعاطفه، وأربك السلطة الطاغية في مصر إلى حد الهلع.. فكذب رئيس مجلسها التشريعي على مسمع من العالم وهرول المُعيَّن وزيرًا لشئون المجالس النيابية إلى جنيف ليتلو المغالطة تلو الأخرى، فاكتسب مساندة المملكة السعودية بما عُرف عنها من حفاظ على حقوق الإنسان وكرامته بينما أدانته كافة شعوب الأرض الأخرى.
لقد تذوق الأقباط طعم النجاح في قض مضاجع الطغيان ربما لأول مرة، وتبينوا أن ذلك يرجع إلى عملهم الجماعي إلى حدٍ بعيد.. فأعيدت للأذهان إرهاصات قديمة عن إقامة كيان موحد يجمع أشتات جهودهم الفردية وجماعاتهم المتعددة والمتفرقة في إطار واحد قوي فعَّال.. وعاد الحديث يتردد مرة أخرى عن برلمان أو "كونجرس" قبطي في الشتات.. وقامت بعض الجماعات فعلاً باتخاذ الخطوات الأولى في هذا المضمار.. ولم يكن هناك خلاف يُذكر بشأن احتواء كافة التيارات القانونية، فالعمل الديموقراطي المؤسسي يجب أن يستوعب كافة التيارات المشروعة ويحتويها ثم يلتزم الجميع في داخله برأي الأغلبية.. ومن جهةٍ أخرى، كان هناك إجماع على إبعاد شخصيات معينة ممن قد يسعون لاختراق هذه المنظمة المقترحة لهدمها من الداخل أو إعاقة جهودها.
هناك ثلاث فئات هي موضع الرفض:
1. المخربون و"الفشارون" الذين أفسدوا عمل الآخرين من الرواد الأوائل في الماضي لصالح شهرتهم وعشقهم للرئاسة، وحطموا فعلاً جهود العاملين المخلصين في السابق.. وعُرِف عنهم المبالغات المضحكة عن "جهودهم واتصالاتهم" وإحاطة أسماءهم بألقاب رئاسات مؤسسات وهمية أو شبه وهمية لم يُسمع عنها أنها أطفأت عود كبريت بل حاولت اختطاف عمل الآخرين ونسبه إلى ذواتهم.
2. اللاعبون على أكثر من حبل الذين قيل إنهم على اتفاق مع السلطات المصرية على عدم إثارة القضية "خارج مصر" والاكتفاء "بالعمل داخل البلاد"، وهو طريق المراوغة والخداع والتأجيل بلا مبرر الذي اختبرناه من قبل مرات عديدة ولم ينتهِ سوى بتفاقم الأمور وازدياد قهرالأقباط.. وهم يحصلون في سبيل ذلك على مزايا الشهرة التي تتيحها لهم وسائل الإعلام المصرية والتمتع بكرم ضيافة السلطات خلال الزيارات المتعددة لمصر، إلى جانب ما يؤكده البعض من تقبل "هدايا" "على الماشي" من العقار والأراضي.. وقد "حرق" هؤلاء أنفسهم داخل الولايات المتحدة وتخلى عنهم مؤيدون سابقون كانوا على غير علم بما يجري في ضمائرهم.. ويُقال إنهم يسعون الآن إلى "حشر" أنفسهم في لقاءات وأعمال نشطاء الشتات في أوروبا خاصة للبقاء تحت الأضواء التي يعشقونها وللتمكن من تفكيك العمل الأوروبي الواعد من الداخل.
3. هناك فئة ثالثة من "المهافيف" والمتطرفين، وهى الأقل عددًا بمراحل، لا يمثلون سوى أنفسهم.. منهم من تخاطب مع رؤساء وزارات الأعداء في الماضي وما زال يطالب بدولة منفصلة للأقباط في مصر(!).. ومن عجائب الأمور أنهم قاموا بزيارة مسئول حكومي مصري كبير في الولايات المتحدة مؤخرًا مما يُشير إلى خطة حكومية خبيثة لإظهار هؤلاء الشاردين وكأنهم ممثلون حقيقيون "لأقباط المهجر"، تمامًا كما يصرون على وصف "بتوع نمرة 2 عاليه!"..
يُواجه الداعون إلى قيام كيان قبطي موحد عقبات عديدة لا شك أن أولها هو كيفية استبعاد العناصر السابق ذكرها من اختراق الجماعة وهدمها من الداخل.. ولا يخفي على أحد أن لهؤلاء "مريدين" سواء من المخدوعين أو المنافقين.. فكيف للعاملين المخلصين أن يحققوا هذا الاستبعاد دون الظهور بمظهر "الدكتاتورات" الذين لا يريدون مشاركة الآخرين لهم في العمل، وما قد يستنتج عن هذا من الاتهام بالـ elitism والعجرفة وحب السيطرة وحب الرئاسة وعدم تمثيل كل الأقباط وبالتالي انتقاص الشرعية، إلى آخر هذه القصيدةlitany) )؟
استحثت الملكة فيكتوريا ذات يوم رجالها ألا يبنوا امبراطوريتها على عمد ملوثة.. إننى هنا أستجدي آراء كل مهتم بمصير أقباط مصر في هذا الشأن.. ونحن هنا لسنا بصدد بناء امبراطورية عظمى بل مؤسسة هي غاية في التواضع.. ما هو السبيل إلى وقاية الجنين من سم زعاف ثبتت فعاليته في الماضي؟.
http://www.copts-united.com/article.php?A=15941&I=397