عمال وفلاحون ومرأة وأقباط

بقلم: جمال دربك

ينساق العديد من المثقفين والنخب فى الكثير من المجالات وراء الخطاب العام، ذاك الخطاب الذى إن لم يكن مغرضا تعبويا فإنه بلا شك غير موضوعى ومتهافت وناقص الوعى، مثال ذلك ما يتردد شعبيا، وذهب البعض إلى ترويجه، مثل: "اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش"، و"اللى موجودين شبعوا فمش هايسرقوا تانى"، وهكذا.

ومن جنس هذا الخطاب العام الذى انتشر فى السنوات الأخيرة بصورة فجة، ولم يرفضه أحد، بل انساق الجميع فى مناقشته بكل مستويات وعيهم وثقافاتهم، هو سياسة المحاصصة و"الكوتة" التى يطالب بها الأقباط، واعتمدت فعليا للمرأة، والتى من شأنها أن تحول المجتمع المصرى إلى عمال وفلاحين وفئات ومرأة وأقباط.. وما خفى كان أعظم.

فبدلا من أن ينجح المجتمع فى أن يتمدن ويتطور، ويتخلص من تقسيمه إلى عمال وفلاحين وفئات، انكفأ ليضيف فئات أخرى بالقوة رغم أنف الاختيار الحر المباشر للمواطنين، باعتبارهم ما زالوا قصّرا وناقصى الأهلية ولا يجيدون أو يحسنون الاختيار. أو أنه لدعم فئة أو طائفة على حساب الآخرين، وكأنهم ليسوا من نسيج الشعب، أو أنهم أقلية يجب الحفاظ على حقوقها المهضومة بين الأغلبية المجحفة.

وفى الحقيقة أن هذا الموضوع لا يبتعد كثيرا عن كونه رافدا من روافد الحديث عن "جرعات الديمقراطية" التى نسمع عنها منذ عقود طويلة على لسان حكامنا الطيبين الأبويين، الذين يخافون علينا من إعطائنا جرعة زائدة من الديمقراطية (over dose)، فنصاب بغيبوبة أو ربما "تسمم ديمقراطى" قد لا تحتمله عقولنا الضعيفة.

ولا أدرى كيف لساسة ومثقفين يريدون فعليا تطوير الوطن والحياة السياسية فيه أن يمرروا فكرة المحاصصة القصرية هذه، بل إن بعضهم "أخذته الجلالة" فراح يدافع عنها، ظنا منه، والظن هنا إثم، أنه سيكون الأكثر تقدمية وانفتاحا وليبرالية وتسامحا. وفى الواقع أنه ليس كذلك، بل ويؤكد أن هناك أزمة فى الوعى بين بعض نخبنا، أو على الأقل من نصبهم الإعلام نخبا.

فإذا كانت المرأة على أرض الواقع لا تجد قبولا شعبيا حقيقيا، فمن ستمثل؟ هل تمثل الشعب الذى رفضها أو لم يعترف بها، أو على الأقل من لم يخترها، أم تمثل من عينها وفرضها قضاءً وقدرا فوق صدور العباد؟!

وإذا كان الأقباط لا ينجح منهم فى الانتخابات غير عدد قليل، فلا يجب أيضا تعيينهم، ولا فرضهم بالحصة، ولكن من الممكن زيادة عدد دوائرهم، أو عدد مرشحيهم فى أماكن تجمعهم، فإن نجحوا فبها ونعم، وقد مثلوا بذلك أنفسهم ومن انتخبوهم، وإن لم ينجحوا فلا يجب أن يجرؤ أحد بعد ذلك أن يطالب بما لا يستحق. هذا إذا كان الأخوة الأقباط حقيقة يريدون أن يبقوا مواطنين، وليسوا طائفة أو فئة، أو مجرد أقلية دينية تريد من يمثلها ويعبر عن مطالبها ومصالحها.
فمن عجب أن نعتمد نظام المحاصصة بين مواطنين متساوين فى كل شىء، ولا يختلفون إلا فى وجهات النظر، أو فى الدين ولا يمنعهم أحد من ممارسة دينهم. فربما يصلح ذلك فى نقابات المهن والحرف، أو بعض الجمعيات الأهلية، أو روابط مشجعى الأندية، وروابط أبناء المحافظات وغيرهم. فمن حق المرأة والأقباط وأى شخص كان أن يؤسس ما يشاء من جمعيات وفعاليات وتجمعات، أما إذا كان الأمر على مستوى الوطن ككل، فأعتقد أن هناك التباسا كبيرا فى هذا الأمر لا يجب تمريره، لأن باب المحاصصة فى الأوطان الحقيقية مغلق، ولا يفتحه إلا الشيطان والفتنة، وإذا فتح فلن يوصده أحد.

فإذا كان الأقباط يريدون نسبة، فلماذا لا تمنح للشيعة والبهائيين؟ ولماذا لا تمنح للطرق الصوفية والجماعات السلفية؟ ولماذا لا توزع على الملل المختلفة بين المسيحيين أنفسهم، مقعد للإنجيليين، واثنان للكاثوليك، وحصة لكنيسة المقطم، وهكذا؟

وإذا كانت المرأة تطالب بحصة، فلماذا لا تخصص حصة للشباب؟ خصوصا وأن دولتنا الرشيدة تعتبر أى مسئول تحت الستين سنة أنه مازال شابا، والشباب فى مصر هم أكثر فئات المجتمع ضياعا وتهميشا فى ماضيهم منذ أن ولدوا، وفى حاضرهم المسلوب ومستقبلهم الغامض.

فرغم اقتناعى المطلق بأن المرأة مخلوق مستقل وحالة بمفردها، مثل الرجال والنباتات والطيور والأسماك، إلا أنه ليس من حقها، مادامت تطرح نفسها ككيان منافس، أن تطالب بحصة، ولا أعتقد أنه يشرفها، كما لا يشرف الأقباط -هذا إذا أرادوا أن يبقوا مواطنين وليسوا مجرد أقلية دينية- أن يحصلوا على مقاعد بالتعيين أو بالكوتة، لأنه بذلك يبحث فقط عن مصلحة ذاتية أو فئوية، ولا يصبو إلى إثبات وجوده بذاته فى المجتمع، ولا إلى خدمة هذا المجتمع أو تمثيله، لأنه ليس كذلك، ولكن فليتم تعيينهم ليخدموا مصالح معينيهم، وليأخذ من لا يستحق ممن لا يملك، أما الوطن بباقى فئاته، فليذهبوا جميعا إلى الجحيم.

نقلاً عن اليوم السابع

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع