الجاليات الإسلامية في أوروبا: أزمة الهوية وشكوك حول الانتماء

العربية نت - كتب: نورالدين الفريضي

تجتاز الجاليات الإسلامية في أوروبا مرحلة مثيرة على جميع الأصعدة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية. فهي تستقطب انتباه الأحزاب من اليمين واليسار في المواسم الانتخابية، وتوجه صوبها أصابع الاتهام في كل مرة يتم اعتقال متشددين في هذا البلد أو ذاك.

ومن فعاليات المؤتمر في ستراسبورغتلفت النظر خاصة عندما يجاهر أبناؤها بحقهم في تعلم الدين الإسلامي في المدارس العامة أسوة بالديانات الأخرى، والحنين إلى لغات آبائهم والتعبير عن آرائهم المناهضة للحروب الجارية في بلدان إسلامية.

وتتميز الجاليات الإسلامية بتنوعها الثقافي الداخلي والناجم عن تعدد الأصول الجغراقية والثقافية والتوزع عبر الحيز الثقافي الأوروبي.

ويقدر عدد المسلمين في أوروبا بنحو 20 مليون من إجمالي 490 مليون هم سكان الاتحاد الأوروبي. وتمثل الجاليات دائماً هدفاً لنشاطات الممثليات الأجنبية من أجل الحفاظ على التأثيرات السياسية والاجتماعية لدول الأصل. كما يثير تنامي الجاليات الإسلامية حذر الأوساط الأمنية الأوروبية لأنها تمثل في نظر الكثيرين طابوراً خامساً "إسلامياً" داخل أوروبا ذات الخلفية الثقافية المسحية اليهودية.
 
 من دين المهاجر إلى ديانة المواطن

وتتراكم التعقيدات عبر العقود وتتسع الهوة بين المسلمين ومواطنيهم الأوروبيين في ظل غياب مؤسسات تربوية وثقافية كافية لإدماج الإسلام ضمن مركبات الهوية الأوروبية الجديدة.

وأكد مؤتمر نظمه "مجلس الجالية المغربية بالخارج" حول "الإسلام في أوروبا: التعليم وتدريب الكوادر الإسلامية"، يومي 39 و30 مارس في مقر مجلس أوروبا في ستراسبورغ، بأن "الدين الإسلامي أصبح جزءاً من النسيج الثقافي في المجتمعات الأوروبية، وقد تحول من ديانة المهاجرين إلى ديانة مواطنين أوروبيين". لكنه "لم يتساوى بعد مع الديانات الأخرى من حيث إقامة أماكن العبادة والتعليم في المدارس الأوروبية وتدريب الكوادر المسلمة".

وقال رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي إن "مسار اندماج السكان المسلمين يمثل حقيقة تاريخية ثابتة ويجعل الإسلام شأناً أوروبياً. ويضع السكان المسلمين وكذلك السلطات العامة وكافة الأطراف المعنية (الأحزاب والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام) أمام تحديات تاريخية غير مسبوقة".

ويمثل تعليم الدين الإسلامي وتدريب الكوادر والأئمة وتطوير معرفة الفقة الإسلامي في الجامعات الأوروبية وإنشاء مؤسسات أكاديمية متخصصة ضمن التحديات القائمة من أجل أن يكون الإسلام جزءاً نشطاً من الحيز الثقافي العقائدي في بيئة أوروبية علمانية ومتعددة الثقافات.

ورعى مجلس أوروبا مؤتمر تعليم الدين الإسلامي. وقالت المديرة العامة لشؤون التعليم والثقافة والتراث في مجلس أوروبا، غابريالا باتايني ـ دراغوني إن "العولمة تضاعف فرص التعددية اللغوية والثقافية والعرقية، لذلك يتوجب التساؤل عن القيم المشتركة، النظر إلى الآخر، طبيعة التنظيم الذي من شأنه ضمان حق كل مواطن في المعتقد والكرامة".

وذكرت بأن مجلس أوروبا تربطه علاقات قرب بالطوائف الدينية حول "مسائل حقوق الإنسان، المواطنة، الديمقراطية، التعليم، التضامن"، ويدعو ممثلو الطوائف الدينية إلى المساهمة في التحليل والتفكير. ورأت دراغوني أن "العلمانية الأوروبية هي علمانية الحوار والتسامح على أساس مبادئ حرية المعتقد، حرية الديانات، تغيير الدين، مكافحة التمييز، الاستقلال المتبادل بين رجل الدين ورجل السياسة".

وتعتقد المسؤولة الأوروبية أن "الإسلام يمثل عنصر إثراء بالنسبة لأوروبا ويجب أن تتم مساهمته على أساس مبادئ التعددية". 
  
الحاجة إلى التعليم والمساواة

ورأى أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج، عبدالله بوصوف، أن جوهر المشكلة لا يتمثل في الخطاب الإسلامي ودور الإمام ومدى إلمامه بجوانب الحياة واللغات الأوروبية بل "تكمن في الحاجة الملحة إلى تعليم الفقه الإسلامي بما يقتضي من موائمة بين القوانين والتشريعات الأوروبية وقيم حقوق الإنسان والتعددية".

وتنفرد بلجيكا ضمن دول الاتحاد الأوروبي بتعليم الدين الإسلامي في المدارس العامة، حيث تتحمل سلطات الإشراف على كلفة رواتب المدرسين والإنفاق على المساجد المعترف بها. ويتم تدريب كوادر التعليم بالتعاون بين "المركز الثقافي الإسلامي" في بلجيكا والسلطات المعنية. وتتولى المنظمات والمراكز الإسلامية في غالبية الدول الأوروبية تعليم الدين الإسلامي في الجوامع والمدارس الخاصة. وتحظر فرنسا العلمانية تعليم الديانات في المدارس العامة باستثناء مقاطعة "لالزاس لورين" التي اقترنت في فترات من تاريخها بالسيادة الألمانية.

وتؤمن قوانين المقاطعة تدريس الديانة المسحية واليهودية لكنها لم تفتح الباب بعد أمام مدرسي الدين الإسلامي. وقال عبدالله بوصوف "نعول على أوروبا لإعطائنا فرصة تعليم الدين الإسلامي في المدارس العامة". ويدعو أيضاً علماء المسلمين إلى "عدم الاكتفاء بمعرفة الديانات الأخرى من خلال القراءات الإسلامية ودراستها أيضاً من خلال مراجعها الخاصة لأن الأمر يتعلق بإدماج الآخر في ذهنية المواطن المسلم".
  
تداعيات انقسام المنظمات الإسلامية

ويتفق ممثل الكنائس حول التعددية الدينية والثقافية التي تشهدها أوروبا. وأكد ممثل خاضرة الفاتيكان في مجلس أوروبا الدو جياردونو على أن تعليم الديانات "يخلق حيز الحوار" ويري بأن "التوتر ينجم في الكثير من الأحيان عن الجهل والأمية الدينية".

ويرى الخبير القانوني في تعليم الأديان بمجلس أوروبا، جان ماري وورهيرلينغ، أن الإسلام في أوروبا بشكل عام وفي فرنسا بشكل خاص يشكو من افتقاده القاعدة القانونية والمؤسساتية من ناحية، وانقسام الجاليات الإسلامية من ناحية أخرى.

ورأى أن "المدرسة الفرنسية لا تقدم دروساً دينية في المدارس العامة، باستثناء مقاطعة الالزاس لورين، حيث يرتبط النظام بالديانات ذات التواجد المؤسساتي في المقاطعة، الكاثوليك، البرتستانت، اليهودية. و لا ينطبق على تعليم الدين الإسلامي". ويبرز الحاجة إلى "وضع قاعدة قانونية تتلائم مع القانون المحلي وتنظيم الجالية الإسلامية من أجل إيجاد الهياكل اللازمة الكفيلة بوضع برنامج بيداغوجي وتدريب الكوادر والتفاوض مع السلطات الأكاديمية".

وتواجه كافة الأنظمة التربوية تساؤلات تفرضها التغيرات الاجتماعية والقيمية في أوروبا. ويرى الأستاذ في جامعة "كوم" في إيطاليا، الساندو فيراري أن "التحدي يتمثل في إعادة الاعتبار إلى تعليم الأديان" بشكل عام و أن "الإسلام يشهد تحولات ومفارقات: التعددية الداخلية، عدم وجود إطار عام يمثل المسلمين أو سلطة الإشراف".

ويدعو العديد من المفكرين والناشطين الإسلاميين إلى إنشاء كلية للشريعة الإسلامية في مدينة ستراسبورغ. إلا أن السلطات الفرنسية تصغي بأذن وتصم الأخرى.

وأوضح خبير فرنسي إلى "العربية.نت" بأن رفض موقف الحكومات المتعاقبة في فرنسا "يتأرجح دائماً بين رفض إقامة كلية للشريعة وقبولها وفق ميول ميزان القوى السياسي في مقاطعة لالزاس لورين". كما أن أوساط الكنيسة من الجانبين الكاثوليكي والبروتستانت لا تتحمس لدعم المقترح، والتردد نفسه ينسحب على موقف السطات الأكاديمية في جامعة ستراسبورغ".

وأوضح الخبير أن المسلمين في فرنسا يخضعون لتأثيرات داخلية وخارجية وفق دور كل جهة. وأضاف أن "اتحاد المنظمات الإسلامية" في فرنسا يعرف بقربه من طروحات الإخوان المسلمين لكنه يتعرض بدوره أيضاً إلى تمرد فكري من الشباب المسلمين أنصار المفكر طارق رمضان.

وأشار إلى وجود بعض المنظمات الإسلامية التي تخضع إلى تأثير المغرب وتعرف بانتشار هياكلها على صعيد التراب الفرنسي، جنبا إلى جانب الاتجاه التقليدي المنسوب إلى جامع باريس حيث يتوافق تقليداً مع وجهات النظر الرسمية في العاصمة الفرنسية، فضلا عن بعض المنظمات الإسلامية التي تعد امتداداً للمؤسسات التركية.

ويجمع الخبراء من مختلف الدول والتيارات حول الحاجة الملحة إلى تعليم الإسلام في مختلف مراحل التعليم من أجل أن يكون جزءاً فاعلاً في الهوية الأوروبية الجديدة. وتقتضي المعادلة من السلطات العامة والأحزاب التقليدية في أوروبا وكذلك ممثليات الدول الأصل الكف عن النظر إلى المسلمين من منظار وزارات الشؤون الأمنية والمنافع السياسية. فكلما اتسعت دائرة المعرفة اتسعت رحاب الحوار والفكر ودون ذلك سيكون انتقاصاً من هوية ملايين المواطنين في أوروبا.