العالمانية وحد السرقة

بقلم: د. وسيم السيسى

فى ندوة تليفزيونية على قناة المحور عن العالمانية جمعت ما بين الأستاذ سامى حرك المحامى والدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، والدكتور السيد عبدالستار المليجى، الأستاذ بكلية العلوم جامعة قناة السويس، وكاتب هذه السطور.

كان الحوار حول العالمانية، فقلت من ضمن ما قلت، إن النصوص فى التوراة مثلاً لا تحرّم الرق (شراء أو بيع إنسان لإنسان)، بل تحتم رجم الزانية، وغنائم الحرب، وسبى النساء، وقطع يد السارق، فهل يتم هذا الآن؟! أم أن معاهدة جنيف، وقانون حقوق الإنسان هما اللذان يحكمان العالم الآن؟! الله مطلق، والعبادات ثابتة، أما الواقع فهو نسبى ومتغير، فيجب أن تقتصر العبادات على المطلق لأنها ثوابت.. أما الواقع فهو متغير ونسبى، أضف إلى ذلك.. أن هناك جرائم.. لم يرد بها نص.. كالسرقة بالكمبيوتر، دون أن يتحرك السارق بالمسروق..! هنا اعترضنى الدكتور عوضين، وهو رجل جميل دمث الخلق، وقال: «لا.. بل لا ضرر ولا ضرار»!!

وليسمح لى الدكتور عوضين أن أذكره بما درسه فى كلية الحقوق عن شروط تطبيق الحد على السارق:

١- أن يكون عالماً بأن ما سرقه يساوى نصاباً، لقول عمر: «لا حد إلا على من علمه».. كجوهرة يعتقد السارق أنها فالصو.

٢- لا قطع فى سرقة ابن لأبيه (لوجوب النفقة) ولا أب لابنه لحديث: «أنت ومالك لأبيك».

٣- لا قطع لسرقة من بيت المال (القطاع العام مثلاً) لقول عمر: «ما من أحد إلا وله فى هذا المال حق».

٤- ألا يكون مضطراً (عام الرمادة) أى الفقر.

كما يشترط فى المسروق:

١- أن يكون مالا، فلا قطع فى سرقة طفل، ولا كتب بدعة وتصاوير، ولا آلات لهو كالعود والمزمار، ولا صنم من ذهب أو فضة.

٢- أن يكون قابلاً للنقل، فلا قطع فى سرقة العقارات.

٣- أن يكون محرزاً بالمكان (مغلقاً) أو بالحافظ (الحارس)، فلا قطع فى سرقة المحال أو الفنادق أو المطاعم مادامت مفتوحة أثناء العمل.

٤- ألا يكون فى الأصل مباحاً كالصيد والسمك، أو يتطرق إليه الفساد كاللحوم والخضراوات والفواكه، أو محاصيل قبل حصدها كالقمح والذرة، لا قطع فى كل هذه الأشياء.

مسائل فى السرقة:

١- لا قطع إذا قُبض على السارق داخل المنزل.. لأن تمام السرقة يتم بإخراج المسروق من الحرز.

٢- لا قطع إذا ناول السارق المال المسروق لصاحب له على الباب، الأول لم يخرج بالمال من الحرز والثانى لم يدخل الحرز.

٣- لا قطع إذا قال السارق: هذا مالى.. استودعته عنده، لأن المسروق منه صار خصماً للسارق.

٤- لا قطع إذا نقب السارق الحائط، وأدخل يده أو مد عصا، لأنه لم يدخل الحرز فتكون الجناية ناقصة.

والآن أيها الصديق العزيز دكتور عوضين.. هذه هى عظمة الحدود.. أنها تحمل فى طياتها صعوبة تنفيذها رحمة بالناس، لذا قال عمر بن الخطاب: «ادرأوا الحدود بالشبهات»، فكيف توقع عقوبة الاختلاس بالكمبيوتر وأنت تعلم أنه لا عقوبة إلا بنص!

إن الفقر يتحدى كل فضيلة، وقبل عصر البترول.. كان الحاج يحمل كفنه معه حين كان الأمن مختلاً، ويكفى أن تعلم أن دخل الفرد فى السعودية خمسة وعشرون ألفاً من الدولارات سنوياً.. لك أن تقارنه بدخل الفرد فى مصر، إن الذى يسرق فى السعودية لابد أن يكون مريضاً نفسياً بسرقة المعرَّة أو الكلبتومانيا وأخيرا أحب ألا يفهم القارئ أن عدم تطبيق الحد معناه أن يذهب السارق بريئاً، بل توقع عليه عقوبة التعزير، وهذا هو القانون الوضعى وإن كان التعزير يختلف من قاض إلى قاض.

كما أحب أن أوضح مصدر هذه المقالة ألا وهو: «تلك حدود الله» تأليف الأستاذ إبراهيم أحمد الوقفى، مفتش العلوم الشرعية بالأزهر، عضو لجنة تطبيق الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب سابقاً.

waseem-elseesy@hotmail.com
نقلاً عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع