البرادعي والسفيرة الأمريكية

محمود يوسف بكير

بقلم : محمود يوسف بكير
منذ حوالي أسبوع قام د.محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة في مصر بزيارة كاتدرائية القاهرة لتهنئة البابا شنودة والأخوة الأقباط  بعيد القيامة وليفتح قنوات اتصال بينه وبين الأخوة الأقباط ليحصل على تأييدهم لحملته الداعية إلى تغيير الدستور وفتح باب الترشح للرئاسة للمستقلين لمنع احتكار منصب الرئاسة لأل  مبارك فقط .

وبالرغم من أنه كان معلوماَ لدى الإخوة الأقباط بالزيارة المزمعة للبرادعي لحضور القداس وموافقتهم عليها إلا أن الرجل فوجئ لدى وصوله إلى قاعة القداس بعدم وجود اسمه على أي من المقاعد المخصصة لكبار الضيوف وتم إجلاسه في أقصى طرف الصف الأول كما نشرت الصحف المستقلة .
وبعد قليل وصلت أيضاَ سفيرة الولايات المتحدة إلى القاعة وعلى مايبدو فقد اختارت بشكل تلقائي أن تجلس إلى جوار البرادعي وما هي إلا لحظات حتى أقترب منها أحد المسئولين في الكاتدرائية وطلب منها أن تغير مقعدها وأن تجلس في منتصف الصف الأول حيث يجلس مندوب الرئيس مبارك ورئيس ديوان الرئاسة وبعض الوزراء أي وسط إل VIPs (الناس المهمين ) .

 استوقفني هذا الخبر الذي قرأته في أكثر من صحيفة على الإنترنت ـ لأنني غير مقيم في مصر ـ وتساءلت بيني وبين نفسي :
• هل السفيرة الأمريكية أهم لدى الأخوة الأقباط من د. البرادعي ؟ وهل يقل البرادعي مكانة عمن كانوا يجلسون في منتصف الصف الأول ؟
• هل يمكن مقارنة موظفة رسمية حتى ولو كانت بدرجة سفير بالدكتور البرادعي الحاصل على جائزة نوبل في السلام وعلى قلادة النيل وهي أعلى وسام في مصر ،كما نال أعلى وسام في ألمانيا سلمه إياه الرئيس الألماني نفسه ؟
• هل يستحق البرادعي هذه الإهانة والتقليل من مكانته أمام جميع الحضور وهو ضيف على البابا شنودة الذي وافق مسبقاَ على زيارته للكاتدرائية ؟
• إلى متى سنظل نعاني من عقدة الخواجة في مصر ونمتهن أبنائها النابهين ممن هم في قامة ومكانة البرادعي من أجل عيون الخواجة رغم إن السفيرة الأمريكية غير مسئولة بالمرة عما حدث .
• هل يعتقد مسئولو الأمن والكاتدرائية إنه من الصعب على البرادعي الوصول إلى السفيرة الأمريكية ومن ثم أرادوا أن يضيعوا فرصة لقائه بها حتى بالرغم من عفوية اللقاء ، وهل تصور هؤلاء المسئولون أن البرادعي سيحصل من السفيرة على تأييد الولايات المتحدة لترشحه للرئاسة ؟ وهل يضيف لقاء السفيرة أي قيمة لشخصية عالمية مثل البرادعي ؟
• هل أراد مسئولو الأمن والكاتدرائية إثبات أننا عملاء لأمريكا حتى النخاع عن طريق توصيل رسالة ساذجة للسفيرة المسكينة بأنها أهم من البرادعي ؟
• إذا لم نحترم أنفسنا وأبناءنا هل نتوقع أن نحظى باحترام الآخرين ؟ و ألا تكفينا خيبتنا الثقيلة في كل شئ حتى نؤكد للعالم إننا أخيب بكثير مما يعتقدون وننشر غسيلنا القذر على مرأى من السفيرة الأمريكية والسفراء ألآخرين؟

يمكنني أن أجزم أنه لو حدث موقف مثل هذا في إنجلترا أو أي دولة أوروبية لهاجت الصحافة والرأي العام وانتهى الآمر باستقالات واعتذارات على أعلى المستويات .  
والأكثر من هذا أنني قرأت أيضاَ أن البابا نفسه تعمد أن يتعامل مع البرادعي بشيء من الفتور وتعمد ذكر أسمه في ذيل كلمته بعد كل الأسماء المعروفة وغير المعروفة.
والحقيقة أنني لم أصدق أن يتصرف البابا بهذا الشكل لما يتمتع به من أدب وذوق رفيع وكياسة في التعامل وقد سبق لي التشرف بلقائه ولمست كل هذه الصفات فيه .

و أخيرا فقد سبق أن كتبت مقالا إلى الأخوة الأقباط على هذا الموقع وغيره طلبت منهم فيه تناول ظاهرة البرادعي بجدية لما يمثله من أمل في نفوسنا جميعاَ في الخلاص مما نحن فيه من فساد واستبداد وتخلف جرنا إليه الرئيس الحالي وهو يسعى الآن إلى توريثنا إلى أبنه وكأننا قطيع من البقر وأوضحت أنه لا خوف على الأقباط مع البرادعي المعروف عنه العقلانية والانفتاح والواقعية والإيمان بالتعددية .
ولذلك فإنني لم أفهم أسباب هذا الاستقبال الفاتر والمهين لرجل بمثل قامة البرادعي .

إنني أضع كل هذه الأسئلة أمام الأخوة الأقباط و غيرهم متمنياَ أن نكون صادقين مع أنفسنا ، وأن نناقش الأمور بموضوعية بهدف أن نتعلم من أخطائنا وألا نقلل من شأننا أمام العالم حتى نحظى باحترامه.

مستشار اقتصادي مصري
mahmoudyoussef@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع