سامى إبراهيم
بقلم: سامي إبراهيم
حتى يكون لأي إنسان وجود، فإنه يسعى لصنع حياة خاصة به تميز وجوده، وبالتالي طريقة عيش خاصة بهذه الحياة التي صنعها. وحتى يصل لهذه الطريقة فإنه يحدد لنفسه أهداف يسعى لتحقيقها. ولأن كل شيء في الوجود له هدف، كدوران الأرض حول الشمس له هدف، وجود الجليد في القطبين له هدف، الدين له هدف، فإن الإنسان أيضا كجزء من هذا الكون له هدف.
والإنسان أثناء سعيه لتحقيق أهدافه دائمًا ما يتساءل: ما هو الهدف من الدراسة؟ ما هو الهدف من العمل؟ ما هو الهدف من الزوج والارتباط؟ أو الهدف من العائلة.....
متأكد أن كل واحد لديه أجوبة مقتنع بها، لكن هل سألنا أنفسنا لماذا نحن في هذه الحياة، أي ما هو هدف وجودنا؟. هل نحن في هذه الحياة مجرد صدفة؟ وأننا ندرس لأنه يجب أن ندرس أو نتزوج ونكون عائلة لأن هذا ما هو متعارف عليه؟.. أم أن هناك شيء أسمىَ لوجودنا في هذه الحياة.
عندما يصل الشاب لأيديولوجية تسمح له بالجواب على هذا السؤال فإنه يكون قد قطع شوطًا كبيرًا على درب الوصول للحياة التي ينشدها وبالتالي تحقيق وجوده. هذه الحياة المتزنة التي تؤمن له الاتزان بين الانفعال والسلوك. أي بين المشاعر والتصرف الواجب على الإنسان اتخاذه.
برأيي إن وجودنا في هذه الحياة له غاية وهدف عظيم. وهو أننا في هذه الحياة لنكمل عمل الخالق ولنتمم مسيرة الكون. فعملية الخلق المتكاملة -بما فيها خلق الإنسان- لم تكن محض صدفة. بل أتت بدقة لا يمكن لعقلنا البشري أن يتصورها أو أن يضع حدودا لماهيتها الفيزيائية أو الوجودية.
فلو طرحنا هذا السؤال: ما الذي يعطي صفة الأبوة للرجل، أي متى نقول عن رجل أنه أب، بالتأكيد عندما يكون لديه طفل، أي أن ذلك الطفل هو الذي أعطى صفة الأبوة لذلك الرجل الذي أنجبه، فالعلاقة تكاملية وليست من طرف واحد. أي أن الذي أعطى الأمومة للأم هو الطفل المولود، فبدون ذلك الطفل لن تكون أمًا. ونفس الشيء بالنسبة لعملية الخلق بدون الإنسان لن يكون هناك الله.
ولا أقصد هنا الله بالمفهوم الفيزيائي ، بل أقصده بالمفهوم الإلهي المتكامل من صناعة تكنولوجية معقدة تمثلت في صنع الإنسان. حتى لو أن الله موجود قبل الإنسان، لكنه لم يأخذ صفته الإلهية إلا عندما خلق الإنسان، تماما كما أن الأب أيضًا موجود قبل الطفل لكن لم يأخذ صفة الأبوّة إلا عندما أنجب ذلك الطفل. فالكواكب والنباتات والحيوانات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفهم وتعي ماهيتها وطبيعتها، وحده الإنسان مَن يستطيع أن يفكر، وحده الإنسان من يشبه الله، وهو الوريث الوحيد لله.
إذا هدف وجودنا في هذه الحياة هو لنكمل عمل الله ونساهم في خلق عالم أفضل، كل فرد حسب إمكانياته. هذا ما يجب على الشباب أن يعتقدوه ويؤمنوا به، لكي يصلوا إلى حياة تؤمن لهم راحة نفسية خالية من التناقضات التي يعيشونها.
والشاب حتى يصل لهذه الإيديولوجية عليه أن يرسم أهدافه ويخطط لها، فالتخطيط هو الذي يعطي الأهمية للشيء الذين نسعى لتحقيقه قبل أن نحققه. والتخطيط هو الذي ينقذنا من المواقف المربكة التي تعترضنا ويساعدنا كثيرًا على تجاوزها لأن التخطيط للهدف يتمثل بالاستثمار الكامل للحظة التي نعيشها، وبالتالي معرفة ما يتوجب فعله.
والإنسان في أي وجود وكيان له أهداف، إذا كان بالجامعة فله أهداف وطموحات وإذا كان بالوظيفة أو بالعمل فله أهداف وطموحات. ولكن حتى يصل لها فإنه يجب عليه تجزئة الأهداف بشكل تصاعدي أي يجب عليه وضع أهداف صغيرة مرحلية كخطوات أولى على درب تحقيق الهدف المنشود. فالهدف الصغير يمكن تحقيقه بحشد طاقات ذاتية لا نحتاج فيها إلى ظروف خارجية لتحقيقها، وعندما تتحقق هذه الأهداف الصغيرة يصبح الدافع نحو تحقيقه للهدف المنشود أكبر ويصبح الدرب أسهل. فإذا وضعنا لأنفسنا أهداف كبيرة فإن احتمال فشلنا بتحقيق هذه الأهداف يكون كبيرًا وبالتالي فإن خيبتنا ستكون كبيرة وسنقع في دوامة اليأس والشعور بالفشل والتقهقر. وستكون آلامنا النفسية لا تحتمل. فمعرفة كل شخص لإمكانياته وطاقاته يجب أن تكون معرفة كاملة.
كما أننا عندما نضع أهدافنا فإننا يجب أن نضع بالحسبان ظروفنا المحيطة التي وضعنا خلالها أهدافنا وبأن هذه الظروف قد تتغير وبالتالي المسار المؤدي للهدف سيتغير. فتغير المسار لا يعني أبدًا تغير الهدف. فالمرونة في الأهداف هي التي تعطينا مجالاً للحرية لكي نتحرك ضمنه والمرونة في الأهداف هي التي تحررنا من ضغوط تحقيق الهدف وتخلصنا من إجهادات الالتزام بتحقيق الهدف.
كما يجب علينا أن نكون واضحين في أهدافنا فأغلب الناس لا يعرفون ماذا يريدون. هنا تكمن المشكلة الأساسية. لذا يجب على كل شخص أن يمسك ورقة وقلم ويكتب أهدافه لليوم وسيفاجئ في نهاية اليوم بأن هناك العديد من الأهداف عجز عن تحقيقها.
كل إنسان يعرف أن أهدافه لن تتحقق وحدها، وأهم شيء عليه أن يدرك أن الوقت لم يفته بعد وأنه في وسعه تحقيق أهدافه، مهما كان عمره ومهما كانت حالة الإحباط التي يعيشها.
كما أن معرفة الأخطاء التي وقع بها الإنسان في الماضي ومحاولة تصحيحها من أهم العوامل التي تؤدي لتحقيق الهدف، لا أن يجعل من أخطائه حجرة عثرة في طريق تقدمه، بل يجعل منها منارة تنير له الدرب الصحيحة.
لذا عليه أن يبدأ بالسير ويخطو في اتجاه تحديد ما يريد. فطالب البكلوريا بعد أن رأى نتيجته بات بإمكانه أن يعرف أين نقاط ضعفه وبأي دورة يجب أن يلتحق العام القادم. لا أن تضعف ثقته بنفسه ويعزو لنفسه صفات كعدم الاستيعاب أو قلة الذكاء، فالجهد وحده هو الذي يصنع مجد الإنسان.
وأهم وسيلة لتحقيق أهدافنا هو أن نكتشف مواهبنا التي مُنِحت لنا. فوظيفة الحياة هي أن نعمل على تنميتها وتطويرها. ومعنى الحياة الفعلي هو أن نهب ما وُهبَ لنا.
بالنهاية عندما يصل الإنسان لتحقيق هدفه الكبير فإنه يكون قد تقبل ذاته قبل كل شيء، ويكون قد كمل جزءًا من عمل الخالق. ويكون قد ساهم في تحقيق أهداف الله على الأرض. وبالتالي حقق لوجوده الحياة التي يريد أن يحيا بها سعيدًا. والأهم من كل هذا فإن الإنسان عندما يصل لتحقيق هدفه فإنه يكون قد عثر على حياته، وليس حياة الآخرين، وعندما يجد الإنسان ذاته في دوامة الحياة فإن يصبح قادرًا إلى حد ما الإجابة على الأسئلة التي طالما حلم بالإجابة عليها في يوم من الأيام.
http://www.copts-united.com/article.php?A=16370&I=408