قرأت: يقول المثل: «الناس مع الواقف»، وإليكم الدليل: لما أفرج عن نابليون عام 1814، بعد أن نُفي إلى جزيرة إلب، كانت صحيفة «المونيتور» الفرنسية تبدل الألقاب التي تنعته بها كلما ازداد اقترابا من باريس. لقد بدأت تصفه بآكل اللحوم البشرية الذي خرج من عرينه، ثم قالت إن غول كورسيكا وصل إلى خليج جوان.. ثم وصل النمر إلى غاب.. ثم قضى الوحش في غرينوبل - وهنا كف نابليون عن أن يكون حيوانا ليصبح إنسانا -: اجتاز السفاح مدينة ليون.. شوهد المغتصب على بعد ستين فرسخا من العاصمة.. بونابرت يتقدم بخطى سريعة.. سيكون نابليون غدا تحت أسوارنا.. وصل الإمبراطور إلى فوتينوبلو.. وأخيرا: جلالة الإمبراطور دخل أمس إلى باريس فمرحبا به وعاش الإمبراطور.. فهل عرفت الآن عزيزي القارئ كم تتبدل أحكام البشر؟
وكثيرة هي الأمثال التي تدلنا على إقبال الناس وإدبارهم بعضهم على بعض، فترى من أقبلت عليه «الدنيا الضحوك» بمالها أو مناصبها أو قدراتها كيف يتهافت عليه القوم كما يتهافت النحل ولا أقول الذباب على العسل.. وإذا أدبرت عنه «الدنيا الغرور» تفرقوا من حوله دون أن يرف لهم رمش، وكأن لم «يسمر بمكة سامر».
وليس الموضوع موضوع وفاء أو عقوق، ومن يأخذ الأمر على هذا النحو غلطان.. لأن الحياة «مصالح».. ومن قال غير ذلك إنما هو يعسف الأمور عسفا.. وبقدر ما هذه الحقيقة مؤلمة، يجب أن نقولها ونصر على تكرارها، لكي يكون الناس أكثر واقعية، ولكي لا يصدموا في ما هم فيه يتوهمون.
وهذه الحقيقة «المرة» وجدت من أقدم الأزمان، وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وكل ما نطمح إليه هو السعي نحو تشذيب وتهذيب بعض الطموحات التي تدوس في طريقها آمال وأحلام الآخرين ظلما وعدوانا.
فبقدر ما يتهافت الناس على أصحاب المناصب.. بقدر ما «يصدر إبليس صوتا» في عقول بعض أصحاب المناصب، فيتوهمون أنهم هم الخالدون، وأنهم هم سراج الأرض ومن عليها، وأنهم هم الأعلون دائما وأبدا.. وقد تكون الظروف أو غفلة الزمن هي التي صعدت بهم فوق أكتاف الآخرين، لا ذكاؤهم ولا أخلاقهم ولا شجاعتهم ولا علمهم ولا حبهم لبني جلدتهم.. إن مثل هؤلاء «المعقدين» الجاحدين لو ذهبوا فمن المشكوك أن يبكي أحد عليهم.. وليتهم يعرفون قصة الجدي الواقف على السطح، فمر به الذئب، فأخذ الجدي يشتمه، فقال له الذئب: «لست أنت الذي تشتمني، إنما يشتمني الموضع الذي أنت فيه».
ويقول السيوطي بأسلوبه الشعبي المسجوع عن هذا الرجل النذل: إن مدحته ازدراك، وإن تركته عاداك وهجاك. ما لعلته دواء، والخير والشر عنده سواء. لو فرشت خدك بالأرض، ظن أن ذلك عليك فرض. إذا لبس الشيء الجديد، يظن الناس كلهم له عبيد.. قليل الوفاء، مصفوع القفا، قليل الغيرة، مع كل خيل مغيرة.
فيا مقلب القلوب، ثبت قلبي على كرسيه، فقلبي لا يحتمل أي هزة.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=16556&I=412