في الفولكلور القبطي

ميرفت عياد

عرض: ميرفت عياد
(قليلة هي الدراسات التي تناولت التراث الشعبي الفولكلوري للأقباط والذي يُعد جزءًا أساسيًا وحلقة مكملة للتراث الفولكلوري المصري، ففي الوقت الذي نشط فيه الباحثون لجمع المواويل والقصص والأمثال التي يرددها عامة المصريين لم يلتفت أحد بشكل موسع إلى الثقافة الشعبية الخاصة بالأقباط كنتاج حضارة حافظت لحد كبير على الشكل والموسيقى الفرعونية، فالقديس مرقس الرسول عندما جاء إلى مصر ليبشر بالمسيحية لم يأتِ بموسيقى بل جاء يبشر بالكلمة، وعندما آمن المصريون بالمسيحية وضعوا كلماتها على موسيقاهم وبذلك حافظ الأقباط على الموسيقى الفرعونية.. كما أن هذه الحضارة تأثرت كثيرًا بالفكر العربي الوافد إليها ويظهر ذلك بوضوح في الثقافة الشعبية التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة لكونها عملاً جماعيًا متوارثًا.
 
وقدم لنا الكاتب والصحفي "روبير الفارس" في كتابه "في الفولكلور القبطي" جزءًا من التراث الشفاهي القبطي المتداول على ألسنة العجائز بمصر من مواويل وأشعار وأساطير خاصة بحياة القديسين، إلى جانب توضيح مدى التأثير والتأثر بين الثقافة القبطية والثقافة الفرعونية واليهودية والعربية، وذلك بهدف التأكيد على رحابة صدر الثقافة الشعبية التي تعد في رأي الكاتب عاملاً أساسيًا هامًا في قضية قبول الآخر.)

ويضم الكتاب خمسة فصول؛ حيث يقدم لنا الكاتب في الفصل الاول إطلالة على ثقافة التسبيح في الكنيسة القبطية التي تأثر بها الأقباط بصفة عامة في ثقافتهم الشعبية، مشيرًا إلى أن الكتاب المقدس يحتوي على أسفارعُرفت بالاسفار الشعرية وهي (المزامير، الأمثال، ونشيد الأنشاد) وهي مكتوبة بطريقة قريبة من الغناء الذي يُعرف في الثقافة المسيحية بالتسبيح الذي يُعد وصية إنجيلية وصورة من صورالعبادة لله، حيث يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس "مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19)، كما يُطالب القديس باسيليوس الكبير بتعلم الترانيم والغناء بفرح لأن الترنيم كما يراه هو هدوء النفس.. ومسرة الروح.. وسلطان السلام.. فهو يُسكن أمواج الهموم.. ويُنشئ الصحبة.. وينفى الخصام.. ويُصالح الأعداء.. هو سلاح في مخاوف الليل.. وراحة في الأتعاب اليومية.. للرجل إكليل مجد.. للشيوخ تعزية.. وللنساء زينة، ومن هذا المنطلق وضعت الكنيسة القبطية التسابيح والأغاني كجزء من أهم أساسيات العبادة بها، لذلك خصصت كتبًا للتسابيح منها كتاب التسبحة اليومية "الإبصلمودية"، والإبصلمودية الكيهكية وهو كتاب خاص بشهر كيهك ويحتوي على العديد من الأغاني الفولكلورية التي تظهر تعلق وحب المصريين للعذراء.

تسابيح وأنغامفي الفولكلور القبطي
ويذكر لنا الكاتب في نفس الفصل أن الكنيسة القبطية قامت بتحديد أنواع التسابيح والترانيم الخاصة بها في إطار من المصطلحات الدقيقة مثل "إبصالية" وهي كلمة قبطية تعني مزمورًا أو ترتيلة تنظم لقديس أو مناسبة، "أرباع الناقوس" وهي عبارة عن مديح للسيدة العذراء والملائكة والقديسين باستعمال آلة الدُف، "ثيؤطوكية" وهي مدائح للعذراء، ولكل يوم المديح الخاص به، "ذكصولوجية" وهي تماجيد للقديسين وكافة الأعياد والمناسبات، "الهوس" وهو تسبيح للرب ويوجد في التسبحة الكنسية أربعة هوسات للتعبيرعن الشكر لله، "الهتينيات" وهي طلب لشفاعة القديسين ومعونتهم.
 
أما الأنغام التي تقال بها هذه التسابيح فهم "لحن آدام" وهي نغمة قصيرة لبعض ألحان التسبحة تستخدم من الأحد للثلاثاء، "لحن واطس" أي "العُليقة" وهي نغمة طويلة تستخدم من الأربعاء إلى السبت، "لحن أدريبي" ومعناه اللحن الحزين ويُستخدم في مزامير وتسابيح أسبوع الآلام، "لحن سنجاري" وهو لحن فرايحي يُستخدم في الأعياد.

مخطوطات وميامر
ويوضح الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب أن الشعر القبطي هو في جوهره ديني وإطاره حياة الكنيسة القبطية، وهو ذات مواضيع متنوعة مقتبسة من الكتاب المقدس، إلا أن أغلب مواد الشعر المكتوب باللغة القبطية لم تنشر أو تترجم حتى الآن ومن نماذج ذلك توجد مخطوطتان ترجعان إلى أواخر القرن التاسع الميلادي ضمن مخطوطات مكتبة "مورجان" في نيويورك وتحمل الأولى رقم 574 وتتضمن 13 ترنيمة للسيد المسيح والعذراء وبعض القديسين، والمخطوطة الثانية التي تحمل رقم 575 تضم أقدم "دفنار" (كلمة قبطية تعني صوتًا مقابل صوت) وهو عبارة عن كتاب به ترانيم لسير حياة القديسين والشهداء.

ومن الأشعار القبطية هناك قصيدة مكتوبة عام 1322 م وهي معروفة باسم "تريادون" أي الثلاثة ويهدف مؤلفها إلى الافتخار بالتراث القبطي وتمجيد الشهداء والحث على الفضيلة، هذا إلى جانب القصائد التي كُتبت باللغة السريانية وترجمت للعربية وقد كتبها قديسون من سوريا وسُميت بـالميامر، وهي عبارة عن مقالة تقرأ على الشعب لرفع الملل عنه في الصلوات الطويلة، ومن أشهر كُتابها القديس يعقوب السروجي، والقديس مار أفرام السرياني.

ترانيم يتغنى بها أقباط مصر
ويستعرض الكاتب في الفصل الثالث من الكتاب نماذج من الأشعار والترانيم التي يتغنى بها أقباط مصر، حيث نجد في هذه الأشعار التي تمت كتابتها سواءً باللغة العربية الفصحى أو باللهجة العامية اهتمامًا كبيرًا بالوزن والقافية والموسيقى، وكذلك نجد فيها البساطة وتعدد الموضوعات، فحب القبطي لكنيسته واضح وهو يتغنى بأمجادها في ترنيمة "كنيستي القبطية" التي يسرد فيها كيف بشَّر القديس مرقس الرسول بالمسيحية في مصر وكيف احتمل المسيحيون الاضطهادات الرومانية من سجن وتعذيب، كما ترافق الترنيمة القبطية حياة السيد المسيح منذ ميلاده وحتى صعوده إلى السماء مثل ترنيمة "أرضي افرحي"، وفي نفس الإطار من البساطة نجد الترانيم التي كُتبت ويرددها الأطفال حيث تشارك العديد من الحيوانات مفردات الترنيمة مثل "سمعت الديك"، وقد حوَّل الأقباط العديد من قصص الإنجيل إلى أشعار وترانيم لكي يسهل حفظها والتغني بها.

الفولكلور القبطي
ويؤكد الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب على أنه لا توجد وقائع تاريخية تشير إلى أن الأقباط عرفوا شاعر الربابة بشكله التقليدي ولكن هذا لا ينفي أن يكون قد ظهر بنفس الشكل في بعض الفترات حيث قام بدوره مرتل الكنيسة الذي يُناديه العامة بلقب "المعلم".. وقد تأثر الأقباط بالعرب في نظم السير وإنشاء المواويل الذي ساعد على انتشارها الموالد الخاصة بالقديسين والقديسات التي تقام على مدار السنة في مختلف ربوع مصر حيث نجد في هذا الفصل نماذج لهذه الأغاني والمواويل منها مديح للعذراء مريم، مديح ليوم سبت الفرح، ومديح للقديسين أبسخيرون القليني، مارجرجس، وماربقطر.

قصص وأساطير
ويختتم الكاتب كتابه مشيرًا إلى أن التراث القبطى يمتلئ بالعديد من القصص والحكايات لدرجة أن كتاب السنكسار يحتوي على سير حياة القديسين والشهداء بشكل يومي على مدار السنة القبطية، ويتجاوز عدد هذه القصص ألف قصة تحكي عن حياة وعذابات القديسين، وقد أدت هذه الكثرة في سير القديسين إلى وجود ظاهرة "الخيال النسكي" وهو ما يُعرف في الأدب الشعبي بالخوارق والأساطير التي تنسب إلى هؤلاء القديسين بشكل يُشبع خيالهم الجامح، والحقيقة أن الاساطير الوثنية والافكار الشعبية يجمع بينهم فكرة البطل الذي لا يُقهر في محاولة لمزج كل هذا في إطار الدين المسيحى، مع ذكر بعض القصص الأسطورية المرفوضة من قِبل الكنيسة القبطية.