د. نجيب جبرائيل
بقلم : نجيب جبرائيل
تنص المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك سراً أم مع الجماعة"
وتنص المادة (46) من الدستور المصري على أن الدولة تكفل حرية العقيدة لكل مواطن بصرف النظر عن دينه أو جنسه أو اللغة أو العرق.
وتنص المادة (40) من الدستور المصري على أن كل الناس متساوون أمام القانون سواء في الحقوق أو الواجبات .
هذا كلام جميل جدًا من جانب الألفاظ والمعاني لكن لنقترب من أرض الواقع المصري، فهل يطبق على كافة المواطنين الذين يتمتعون بالجنسية المصرية على الأقل ويحملون بطاقة رقم قومي تثبت أنهم مصريون وأنهم مواطنون.
نجد في الحقيقة أن هذه المواد يتمتع بها فقط من يغيّر دينه إلى الإسلام، فله كل الحق في استخراج كافة الاوراق الثبوتية، وبكل سهولة ويسر.
والمقصود بالأوراق الثبوتية هى " إشهار الإسلام " الذي رغم أنه ورقة رسمية صادرة من الأزهر، تستخرج بدون أى رسوم أو دمغات، رغم أن أى ورقة رسمية طبقًا لقانون الرسوم لابد أن تكون عليها دمغة حكومية من أربعون قرشًا إلى جنيهٍ. ثم إشهار الإسلام أيضًا يتم اعتماده من الشهر العقاري بدون رسوم، ثم الورقة الثانية وهي استخراج بطاقة الرقم القومي بالديانة الجديدة، وكل ذلك يستغرق على أقصى تقدير أربعة أيام. فهل يمكن أن تسمح الدولة لمن يريد أن يعتنق ديانة غير الإسلام باستخراج أوراق ثبوتية مثل ما يستخرجها معتنق الإسلام.
هيا بنا لنقص لكم رحلة العذاب التى يعيشها من يعتنق ديانة غير الإسلام في مصر.
ولكن بادئ ذى بدء إننى أنوه بأننى أتناول هذا الموضوع من منطلق حرية العقيدة وهو موضوع حقوقي بحت غير متعلق بالأديان أو اتباعها. فطالما دافعنا ضد من يتعرض لاخوتنا المسلمين في عقيدتهم، وكان ذلك جليًا إبان الرسوم الكاريكاتورية التى أساءت للإسلام وغير ذلك الكثير .
ولكن لقد زاد الكيل وطفح في مصر وانفضحت أساليب القمع التي تمارسها الأجهزة الأمنية عند اكتشاف رجل أو فتاة يعتنقون غير الإسلام دينًا. ودعونى أن أسرد عليكم ثلاث وقائع تفضح وجه مصر التي نحبها جميعًا أمام المجتمع الدولي فتجعل ما تقوله على الملا منافيًا لما هو مطبق على أرض الواقع .
الواقعة الأولى :-
وكانت على وجه التحديد يوم السبت الموافق 17/4/2010 في محكمة شمال القاهرة حين كلفت باعتبارى رئيس منظمة حقوقية وكمحامٍ أيضٍا أن أحضر جلسة المعارضة في تجديد حبس شاب اعتنق المسيحية. فبدأت مرافعتي أمام ثلاثة من القضاة والتى استمرت لمدة ساعة بدأتها كالآتى:-
إننى جئت اليوم لا لأدافع عن الشخص الذى يقبع داخل القفص الحديدي الذي أمامكم، وتوضع في يده الأغلال الحديدية قبل الدخول إليكم، بل جئت لأقول لكم أيضًا ما جاء في الدستور وأيضًا ما جاء في شريعتكم الإسلامية ولماذا لا تطبقون ما تنص عليه الشريعة من إنه "لا إكراه في الدين" " أفتكره الناس حتى يؤمنون "
" من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر "
وأضفت قائلا: "إن المجرم الحقيقي ليس هذا الشاب وإنما هي الحكومة الضالعة في الإجرام والتي منعته من اختيار عقيدته. وأنهيت كلامي قائلاً أن قراركم بإخلاء سبيل هذا الشاب أو استمرار حبسه سيكون مرآة حقيقية أمام المجتمع الدولي. وعما إذا كان المصريون يتمتعون بحرية اختيار أية عقيدة يرغبون فيها من عدمه.
وكانت هيئة المحكمة مستمعة تمامًا للمرافعة وانتظرنا قرارًا يحمس حرية العقيدة ولكن للأسف صدر قرار القضاة باستمرار حبس هذا الشاب لمدة خمسة عشر يومًا، والذي سوف يدفعنى لأفضح هذا النظام باستدعاء كافة وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية بجلسة معارضة قرار الحبس القادمة.
الواقعة الثانية :-
حينما أُبلغت أمس أثناء وجودي للدفاع عن إحدى المتهمات في محكمة جنايات الجيزة وهى التي كانت قادمة من سجن القناطر للنساء، وهى سيدة مسلمة وكانت تقص لي أحوال التعذيب والمرارة التي يعيشها فتيات اعتنقن المسيحية، وأن رئيس مباحث السجن الضابط الذي يسمى "معتز" يقوم بتعذيبهن ويضعهن فيما يسمى بـ "سجن التأدييب"، وسجن التأديب كما أعرفه - كرجل قانون - هو حجرة لا تتعدى مساحتها مترين في متر حيث يجبرون على قضاء حاجتهم في "جردل" صغير داخل هذه الغرفة، وأن الحارسة تقوم بأهانتهمن وتلقي لهن بالخبز الناشف واليابس من خلال سقف الحجرة، وهذه الحجرة لا يرون منها النور أو الهواء إلا لدقائق معدودات طوال اليوم، والسبب في ذلك هو اختيار عقيدتهم غير الإسلامية، وأخذ الضابط يستهزئ بهن ويتهمهمن بالتبشير.
وإننى من خلال هذا المقال أبلغ السيد وزير الداخلية بتلك الوقائع لكي يحقق مع ذلك الضابط، وكذا أتقدم ببلاغ إلى السيد المستشار النائب العام ليكلف سيادته رئيس نيابة القناطر الخيرية للتفتيش عن هذا الوضع المزرى والا آدمى .
الواقعة الثالثة :-
وهى خاصة بفتاة ومواطنة مصرية تحب مصر ومخلصة لوطنها اعتنقت المسيحية من عدة سنوات، وحفاظا على مشاعر أخواتها المسلمات رفضت وبشدة قبول الظهور في أى وسيلة من وسائل الإعلام، ورفضت تغيير أى ورقة من الأوراق الثبوتية، بل آثرت أن تترك مصر لتعمل في إحدى الدول خارج مصر. وحيث عادت في اجازتها إلى مصر حيث اعتادت قضاء اجازتها السنوية في مصر، فوجئت بالقبض عليها في المطار وسحب جواز سفرها واستمرت رهن التحقيق أكثر من تسع ساعات، واحضروا شيخًا محاولا معها أن تعدل عن اعتناقها للمسيحية، الا أن جميع المحاولات قد باءت بالفشل معها لقناعتها الشخصية بما اختارت من ديانة، حتى علق أحد الضباط المعنيين بأن هذه الفتاة جديرة بالاحترام وأنها لم تهدف الى أى غرض آخر .
ولم تفلح محاولات إعادة تسليمها لجواز سفرها الا حينما استشعرت الجهات الأمنية أن هذه الفتاة يمكنها أن تصعد الأمور، إذ إنها قد بحثت في جميع الأجهزة القضائية فلم تجد ثمة قرارًا سواء من النائب العام أو من المحاكم صادرًا بمنعها من السفر أو ترقب وصولها، وحين سلموها جواز سفرها بعد أكثر من شهر اعتقدت أنه ليس هناك ثمة مشاكل في سفرها، وحجزت تذكرتها لكن كانت الطامة الكبرى أنها مُنعت أيضًا من السفر دون مبرر ودون إبداء أى سبب.
وأخيرًا استغاثت هذه الفتاة حين أعياها الأمر ببرقيتين، إحداهما إلى السيد الرئيس مبارك والأخرى إلى السيد وزير الداخلية.
واذ نحن اليوم نضع تلك الممارسات المناهضة للدستور والقانون والأعراف والاتفاقيات الدولية أمام الرأي العام المصري والدولى .
واننى أأسف لسرد تلك الوقائع الثلاثة ولكني مضطر أن أضعها أمام السيد الوزير مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية، والذى تعهد في جلسة المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف في فبراير الماضى، حين تمت مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، تعهد بتنفيذ توصيات أهمها حق الإنسان في اختيار عقيدته. وأعتقد أن مثل هذه الموضوعات سوف تكون - إن لم تُحل داخليًا - أمام المراجعة القانونية لملف حقوق الإنسان في مصر في شهر يونيو القادم.
وايضا إننى أرفع انتهاكات حقوق الإنسان وحق الإنسان في اعتناق ما يشاء لسيادة الرئيس مبارك، وأذّكر سيادته بما يقوله دوما أنه لا فرق بين قبطي ومسلم وأن الكل سواء تحت علم مصر.
واذكر أيضًا الكثير من منظمات حقوق الإنسان في مصر وعلى رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان، لماذا تلك المنظمات "تكش" وتخاف عند الدفاع عن حق الإنسان في اختيار عقيدته. وأقول لها: "أنتم تصدحون ليل نهار وتتشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان وتتمسكون بالمادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في حين إننا لم نرى منكم أكثر من منظمة أو منظمتين فقط تقفون معنا للدفاع عن حرية العائدين في اختيار ديانتهم ومن يعتنقون ديانات أخرى غير الإسلام.
رئيس الاتحاد المصري لحقوق الانسان
Nag_ilco@hotmail.com
http://www.copts-united.com/article.php?A=16894&I=420