كمال غبريال: من المؤسف أن يساوي زيدان بين مدارس الأحد والجماعات المتطرفة

عماد توماس

كمال غبريال:  •ما قدمه لنا د. زيدان من رؤية للاجتياح العربي لمصر، غريبة وطريفة
•تاريخ الفكر العربي عامر بالخنوع للثوابت والمقدسات
•هل تصنع الكنيسة تمثالاً لقائد أسوأ غزو تعرضت له البلاد
•أصدق ما قاله زيدان هو استحالة فصل الدين عن الدولة
•نحتاج في ثقافتنا إلى الالتزام بالموضوعية، والبعد عن الذاتية أو الشخصنة
•لو تم رفع قضية على زيدان،  سوف أقف بجانبه،  وأدلي بشهادة في بند حرية الرأي
حوار: عماد توماس-خاص لـ "الأقباط متحدون


في حواره مع موقع "اليوم السابع" قال الدكتور يوسف زيدان أن "مدارس الأحد ترتكب جريمة مخيفة لأنها تحشو أدمغة القاصرين بأوهام وضلالات تجعلهم في عزلة عن مجتمعهم وبلدهم" وقلل زيدان من أهمية وقيمة ابن رشد، واعتبر دخول الإسلام لمصر فتحًا، وفى ندوة "الشروق" اعتبر أن عمرو بن العاص هو الذي أقام الكنيسة المرقصية وجعل لها كيانًا وأن الكنيسة لو أنصفت ابن العاص لصنعت له تمثالاً... وفى هذا الحوار التقينا مع المفكر الليبرالي كمال غبريال ليدلي بدلوه معقبًا على هذه الأقوال... فكان هذا الحوار
"
-ما تعليقك على التعريف الذي قدمه زيدان في حواره مع اليوم السابع لكل من الغزو والفتح، بأن لا فرق بينهما سوى أن الغزو يعني دخول عسكري مؤقت يرحل بعد ذلك، أما الفتح فيعني دخول عسكري يستتب في المكان ويستقر فيه، وكذلك نظرته لدخول العرب مصر؟
-ما أورده من فرق بين تعريف الغزو والفتح مقبول، لكن الغير مقبول وطريف بلا شك، هو ما قدمه لنا د. زيدان من رؤية للاجتياح العربي لمصر ومن ثم لكل البلاد المحيطة بشبة جزيرة العرب، هي رؤية غريبة على من يحاول تقديم رؤية موضوعية وعقلانية للتاريخ، فعندما يقول  "فمن حيث المنظور العربي الإسلامي هو فتح أنعم الله به على المسلمين"، فإنه يكون قد قدم لنا رؤية دينية وليست موضوعية، فالشعوب وحياتها ومقدراتها ليست من هبة توهب لشعب مختار من قبل الإله. . وعندما ينتقل إلى الجانب الآخر، الذي هو وجهة نظر الشعوب التي اكتسحتها الجيوش والقبائل العربية البدائية، التي لم تخرج فعليًا أخلاقيًا واجتماعيًا من حظيرة العصر الجاهلي، فإنه يقول: "ومن الجهة الأخرى الفتح كان خلاصًا وبشارة واستقرارًا وأقام معالم للديانة المسيحية، فالعصور الثلاثة التي سبقت مجيء عمرو بن العاص كانت أكثر ظلامًا وقسوة على المسيحيين". . هي ليست بالطبع رؤية الجانب المقهور، لكنها ادعاء الغزاة الذين انقضّوا على تلك البلاد المتحضرة والغنية، وأعملوا فيها التقتيل والنهب والسلب، ونزحوا خيراتها إلى جزيرة العرب المقفرة، في قوافل أولها في الفسطاط وآخرها بمكة، على حد وصف أحد ولاتهم!!. . فلنرجع إلى التاريخ لنقرأه، وليس إلى ذواتنا المغلقة على أوهام نجترّها عبر العصور.

-هل تتفق مع زيدان في التقليل من شأن ابن رشد وقوله " إن هناك تضخيمًا كبيرًا في الاحتفاء بشخصية ابن رشد"وشعوره بأن هناك تعسفا في إعطائه هذا الحجم من اهتمام التنويريين، وقوله : وإذا كان المستنيرون «مزنوقين في أب روحي» فالأولى بهذا منه هو ابن سينا."؟!
-لاشك أن المستنيرين في عصرنا الراهن لا يجدون من يستندون إليه في النهج العقلاني غير ابن رشد، ويصاحب هذا بالتأكيد مبالغة اعتدنا عليها في تقييم الشخصيات التاريخية، فابن رشد رغم نهجه العقلاني الذي أدى إلى تكفيره واضطهاده، إلا أنه كان منحنياً تحت سقف الثقافة العربية الإسلامية ومقدساتها ومحرماتها، لكننا لسنا الآن في حاجة لتذكر ذلك، لأن تاريخ الفكر العربي عامر بالخنوع للثوابت والمقدسات، وربما يمكن أن يفيدنا د. زيدان لو حدثنا عن مساحة الحرية الأوسع عند ابن سينا، ربما كان ما يقوله صحيحاً.

-ما رأيك فيما قاله زيدان في اللقاء الذى أقامته مكتبة الشروق لمناقشة كتابه "اللاهوت العربي" والصادر عن دار الشروق للنشر بأن "عمرو بن العاص واحد من أهم الشخصيات في التاريخ السياسي والعسكري، ولو أنصفته الكنيسة المرقصية لصنعت له تمثالاً، لأنه هو الذي أقامها وجعل لها كياناً"؟
-هذا الكلام أكثر طرافة من سابقه، إلا إذا كان د. زيدان يتعمد "الغمز واللمز" في صحة الارتباط بين قيادات الكنيسة والشعب القبطي. هل تصنع الكنيسة تمثالاً لقائد أسوأ غزو تعرضت له البلاد، والذي فاق في قسوته واستدامته كل ما سبق وعرفته من اجتياحات، بداية من غزو الحيثيين والهكسوس ثم الفرس واليونان وأخيراً الرومان؟!!
نعم هو أعطى لقيادات الكنيسة سيطرة على الشعب القبطي، لكن لكي يستغلهم الولاة المسلمون عبر التاريخ في استنزاف قوت الشعب، فكان الوالي إذا ما أراد جمع أموال فوق ما يجمعه من جزية، كان يسجن البطريرك ويعذبه، لكي يضطر الأقباط لفداء بطريركهم المحبوب، بالتخلي عن قوتهم وقوت أولادهم، ليتحول إلى سبائك ذهب في خزائن الولاة الذين لم يكن هناك حدود لجشعهم. . ربما يستحق عمرو بن العاص تمثالاً بالفعل، فهو قائد عسكري وسياسي داهية، لكن يقيمه له أحفاده عرب الجزيرة، الذين مكّن أجدادهم من رقاب ومقدرات حياة الشعب المصري!!

-ما رأيك في قول د. زيدان باستحالة فصل الدين عن الدولة؟
-ربما كان هذا القول هو أصدق ما قاله معبراً عن موقفه ورؤيته للدين وللحياة، فهو بهذه الرؤية يقطع تمامًا ما بينه وبين الحداثة والعقلانية، لينضم إلى صفوف المنادين بالعودة إلى مفاهيم ونظم القرن السابع الميلادي. . من حقه أن يرى الحياة كما يشاء، كما أن من حقنا أن ننظر إليه وفق تلك الصورة التي يرسمها لنفسه.

-ساوى  د. زيدان بين مدارس الأحد والجماعات المتطرفة، من حيث إنهم "يحشون" فيها أدمغة القاصرين بالأوهام والضلالات، وبهذا يسهل على الكنيسة استخدامهم سياسيًا فيما تريد، على حد قوله...ما تعليقك؟
-لقد تعودنا هذه الأيام على سماع مثل تلك المحاولات لتبييض وجه متطرفي الإسلام السياسي، بالادعاء أن هناك نظيرًا لهم من المسيحيين، وإن كان يعز علينا أن يضع د. زيدان نفسه وسط هؤلاء. . نعم لنا على خطاب مدارس الأحد ملاحظات كثيرة، تتعلق بالتكوين العقلي والسياسي للنشء، بما يؤثر بلاشك سلبيًا على أدائهم في المجتمع المصري، لكن هذا يبعد عما تفعله جماعة الإخوان المسلمين وأخواتها، كبعد السماء عن الأرض. ومن المؤسف حقيقة أن يردد د. زيدان هذا المنطق، الذي لا نراه يليق بقامته العلمية!!

-لماذا تنتقد زيدان الآن وأنت أول من كتب مقالاً مؤيدًا لروايته "عزازيل"، هل نعتبر هذا تراجعًا فكريًا نحو تأييد فكر زيدان؟
-أنا يا صديقي، لا أتعامل مع الفكر "بالجملة"، ولكن "بالقطاعي". . كما لا أتعامل مع شخص الكاتب، فأقبله كله أو أرفضه كله. . نحتاج في ثقافتنا إلى الالتزام بالموضوعية، والبعد عن الذاتية أو الشخصنة.

-ما تعليق على تقديم أحد المحامين بلاغًا للنائب العام يتهم "زيدان" بازدراء المسيحية ؟
هؤلاء الذين يقيمون هذه الدعاوي يرتزقون من حالة الهوس الديني السائدة بالبلاد، فهم يزيدون الجو تسمماً، أطالب النائب العام بأن يأخذ موقفًا من هؤلاء الذين يسخّرون القوانين برفع دعاوى الحسبة، لكي يحولوا مصر إلى غرفة مغلقة ظلماء، سواء كانوا من الطرف الإسلامي أو المسيحي. هذا عبث بالقانون وبمستقبل مصر، لو تم رفع قضية على زيدان،  سوف أقف بجانبه،  وأدلي بشهادة أن ما قاله يدخل في بند حرية الرأي.