مادلين نادر
كمال عباس: بسبب تزايد العمالة المؤقتة هناك الكثيرون لا يوجد لهم أي مستقبل آمن
سلوى بدر: مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان دورها أساسي في المطالبة بحقوق العمالة المؤقتة
د. بهجت سمعان: الأشخاص غير المُثَبتين بأعمالهم يكون لديهم دائمًا شعور بفقدان الأمان
ليس لهم أى حقوق ومُطالَبون بجميع الواجبات ...!!!
تحقيق: مادلين نادر - خاص الاقباط متحدون
أصبحنا نقرأ يوميًا ونسمع ونرى اعتصامات لموظفين في شركات أومصانع قطاع خاص أو حتى هيئات حكومية، يطالبون بحقوقهم في مجال عملهم .. وبلغ اليأس ذروته مع بعضهم حيث بدأوا يشيعون نعوش شركاتهم مصانعهم مثلما فعل مؤخرًا عمال شركة "سالمكو" للغزل الإكريليك بمنطقة العاشر من رمضان يوم الخميس الماضى، حيث حملوا نعشًا مصنوعًا من ورق الكرتون تعبيرًا عن ضياع ووفاة الشركة وعن وفاة نواب مجلس الشعب ووزارة القوى العاملة واتحاد العمال، وعدم قدرتهم على إلزام المستثمر بحقوق العمال. وتكون المشكلة أكثر صعوبة حينما يكون هؤلاء العمال من العمالة المؤقتة المحرومة من كل الحقوق ومُطالَبة بكل الواجبات.
وكان اتحاد العمال الحر قد أصدر بيانًا مؤخرًا في شهر أبريل الجاري يشير إلى الشكاوى والمعاناة والمشكلات التي يتلقاها الاتحاد من هذه العمالة المؤقتة، والتي تفوق الوصف في الفترة الأخيرة، خاصةً وأن هذه العمالة تمثل أكثر من 40% من قوة العمل في مصر، وهناك قطاعات كبيرة منها في مجالات مهمة جدًا مثل قطاع البترول، وقطاع العقارات والبناء والتشييد ..الخ.
بالتأكيد العمالة المؤقتة لم تعد شيئًا استثنائيًا بل أصبحت فوضى وعشوائية معتادة يدفع ثمنها كل يوم العاملون بهذا النظام. فحينما تحدثت إلى بعض العاملين بعقود مؤقته أو حتى بدونها فكانت لديهم مشاكل مشتركة أى أن كان مجال عملهم سواء في التربية والتعليم وبعض الجهات الحكومية أو بشركات خاصة أو مؤسسات صحفية وغير ذلك. و جاءت على راس هذه المشكلات تدنى الاجور و عدم وجود تامينات عليهم، أو حتى رعاية صحية أوعطلات مدفوعة الأجر، وفي المقابل هم كعاملين مطالبين بكافة الواجبات والالتزامات والمسئوليات من جهه عملهم.
حول هذا الموضوع تحدثنا إلى كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية، فقال: "إن العمالة المؤقتة في مصر تتخذ أكثر من شكل فهناك تعاقد باليومية، وهناك أيضًا عقود تُجدد كل فترة معينة يتم تحديدها من قبل جهة العمل أوعمل بدون عقود، وأكثرهم سوءًا هو العمل باليومية لأن هذه الفئة ليس لها أية حقوق أو تأمينات أو حق في الالتحاق بنقابة .و للأسف هذا النوع من العمالة تم التوسع فيه بشكل عام سواء في قطاع الأعمال في الشركات التي دخلت ضمن الخصخصة، حيث استبدلوا في كثير من الأحيان العمالة الدائمة بالعمالة اليومية لأنها أوفر وأرخص وليس لها أيه حقوق أو مزايا، وكذلك القطاع الخاص وبذلك وصلنا لنسبة كبيرة لا يوجد لها أى مستقبل آمن.
فهذه الفكرة أصبحت متزايدة في السنوات العشر الماضية بعدما فقد القطاع العام سيطرته على سوق العمل. وكذلك ساعد على ظهوره وتناميه ارتفاع معدلات البطالة. فكل هذه العوامل تشجع على زيادة نسب العمالة المؤقته. بالإضافة إلى أن اتحاد العمال الرسمى والنقابات العمالية ضعيفة نسبيًا لا تستطيع أن تدافع عن حقوق هؤلاء العمال .
* الاعتصامات هل ستستمر ؟
و يستطرد عباس قائلا: حينما ننظر لسوق العمل في مصر نجده أصبح مليء بأشياء ليس لها أى علاقة بأي عمل، وفي ظل ارتفاع الأسعار المبالغ فيه بشكل مستمر في جميع مناحي الحياة، بالإضافة إلى انخفاض الخدمات المقدمه للمواطنيين، وعدم وجودتنظيم نقابي حقيقي يدافع عنهم ويطالب بحقوق العاملين، فبكل تأكيد ستؤدي هذه الأوضاع إلى الاحتجاجات والاعتصامات، خاصةً وأنها في أغلبها تاتي بنتائج جيدة. واعتقد أنها ستستمر طالما الأسباب والدوافع المؤدية لها لاتزال موجودة. خاصةً و أن النقابات العمالية دورها ضعيف. أما النقابات المهنية فهي تختلف، ومع ذلك ففى ظل الظروف المتردية التي نعيش فيها أصبح هناك نقابات عريقة مثل نقابة الأطباء والصيادلة يطالبون بتحسين الأجور.
أما الدكتور مصطفى بسيوني الباحث في مركز الدراسات الاشتراكية، فيُرجع مشكلة العمالة المؤقتة إلى قانون العمل الجديد (القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣)، مشيراً إلى ضياع حقوق العمالة التي كانت من قبل تنتظر لحظة تجديد العقد، لأنه بعدها يعتبر عمالة دائمة، لافتًا إلى أن هناك جهات حكومية وخاصة استخدمت شروط القانون لصالحها فجعلت سوق العمل موسمية، فلا يمكنه التفكير أبدًا في الحصول على معاش أو تأمين أو عطلات حتى لو كانت مرضية.
و أن اكبرمثال على ذلك مركز المعلومات وأغلب العاملين به موسميون، يحصلون على مكافآت تتراوح بين ٩٠ و١٢٠ جنيهاً، يجمعون بيانات السكان والتعداد وغيرهما، ويستمرون في عملهم عشرات السنوات، دون أن يكون لهم معاش أو تأمين.
سلوى الدسوقى بدر منسقة مشروع الحق في العمل بالجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، تقول: "الحقيقة أن العمالة المؤقته موجودة في العديد من جهات ومجالات العمل سواء الحكومى أوالخاص، فنجدها موجودة في المدارس وبعض الشركات الخاصة والوزارات ..الخ، فيكون العمل بها بدون أى حقوق تأمينية أو حق في معاش بعد سن الستين أو رعاية صحية، وعادة ما يكون مجرد تعاقد بمدة محددة يتم تجديدها أوانهائها بعد انتهاء المدة المحددة بالعقد، ولا يكون هناك تعيينات لهؤلاء العاملين إلا إذا كان هناك انتخابات يخوضها مدير هذه الجهه، وهذا بالتأكيد أمرًا مخالفا لقوانيين العمل.
ولكن مع وجود نسبة ليست بقليلة من البطالة فنجد أن هناك الكثيرين يقبلون هذا الوضع لأنهم لا يملكون غيره في الوقت الحالي. و في نفس الوقت العامل المؤقت لا يستطيع في وقتنا الحالي القيام بأي دور لأنه دائما مهدد بالفصل من عمله. لكن في هذا المجال فإن الدور الأساسي للمطالبة بحقوقهم يأتي من قِبَل النقابات ومؤسسات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان.
و تُقدم سلوى بدر مثالاً على دور مؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، فتقول: "كان لدينا مشروعًا عملنا به في منطقة مصر القديمة، حتى يحصل الناس هناك على تأمينات وعضوية نقابية، ففى منطقتي قرية الفخارين و بطن البقر قمنا بمشروعنا هذا ونجحنا في عمل تأمينات لحوالى 90 عامل، كما أصبح لديهم شعبة خاصة بهم داخل نقابة البناء والأخشاب، والآن تتكلم النقابة عنهم وتطالب بحقوقهم حيث تقوم النقابة بمخاطبة الجهات الحكومية ومحاولة التوصل معها لحقوق هؤلاء العاملين.
ولكن ماذا عن تأثير هذه المشكلات والضغوط التي يتعرض لها العاملون المؤقتون؟!
يجيب على هذا التساؤل الدكتور بهجت سمعان استشارى الطب النفسي الإكلينيكي، ويقول :
"إن أحد المخاوف الأساسية في حياة الإنسان هي الخوف على المستقبل ودائما الإنسان يريد العيش في أمان و هذا يتحقق بالاستقرار. فالأشخاص الغير مثبتين بأعمالهم يكون لديهم دائمًا شعور بفقدان الأمان ويشعرون بأنهم مهددون دائمًا بترك العمل، وقد يكون لديهم تخوفات بشان المستقبل ماذا إذا تعرضوا لمشكلات صحية أو ما شابه فليس لديهم أية تأمينات صحية أو عطلات مدفوعة الأجر، فيزداد لديهم الشعور بالقلق بشكل كبير، و تسيطر عليهم حالة من التوتر في حياتهم بالإضافة إلى تخوفهم من الاستمرار بهذه الطريقة في عملهم ،لأنه بذلك لن يكون لديهم معاش في المستقبل.
وأُوجه نصيحة مهمة بالنسبة للشباب ممن يتعرضوا لمثل هذه المشكلة في عملهم، بأن يقوموا بتنمية مهاراتهم حتى يستطيعوا أن يحصلوا على عمل آخر بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب، وعليهم عند البحث عن فرصة عمل أخرى ألا يتركوا مجال عملهم الأول قبل الحصول فعليًا على عمل آخر. أو يمكنهم التفكير في البدء في المشروعات الصغيرة، و محاولة ابتكار مشروع جديد يدر لهم دخلاً ويكون خاص بهم. ولكن أيضًا كما قلت لا يترك عمله قبل أن تتضح له الأمور و يبدأ في خطوات فعلية في مشروعه .
http://www.copts-united.com/article.php?A=16995&I=423