ماهر ميشيل
في طريق ذهابي لعملي اليوم وفي الميكروباص كنت جالساً في الكرسي الخلفي للسائق وكانت خلفي بنت محجبة رن جرس تليفونها ومن الحديث الذي دار- والذي سمعه الميكروباص كله- تبين أنها كانت تكلم خطيبها.
وجاء في الحديث الطويل الذي استمر الطريق كله -حوالي 20 دقيقة- جزئية لفتت انتباهي، وهي تقول له: أنا زعلانة من حاجة لكن مش هينفع أقولها دلوقت.... (النقط مكان الصمت وهو بيرد عليها) كل ما أكلمك ألاقيك مشغول.... وأنت كل ما تكلمني تقول لي سناء راحت وسناء جت.... تقول لي سناء راحت الواحات سناء جت من الواحات.... ناقص تقول لي سناء بتعمل إيه دلوقتي... وأنا لما قلت لك إن احمد مسافر أنت قلتي إزاااااااي عرفتي؟؟؟!! كلمتيه؟؟؟ اتصلتي بيه؟؟؟ وأنا أصلاً كنت عارفة من "هبه" إن أحمد مسافر.....
ثم دخلت في حديث آخر عن الشقة اللي هي 65 متر وبسبعين ألف جنيه وفي الدور التالت وإن بابا اللي جايب الشقة وووو...إلخ، ووصلنا للمحطة ونزلنا ولكن المكالمة لم تنتهي بعد،... الله يوفقهم ويلاقوا الشقة ويتهننوا قادر يا كريم.
وهنا تحدثت إلى نفسي: لا هي عايزاه يكلم سناء، ولا هو عايزها تكلم أحمد طبعاً تحت عنوان "الغيرة" ومن هنا يأتي السؤال، هل الغيرة حب أم تملّك؟؟؟ هل هي شيء إيجابي في حياة الشريكين أم شيء سلبي؟؟
في أحد التعريفات للغيرة والتي قرأتها في منتدى "ستوب" يقول: "الغيرة فــن.. يجب على المُحب أن يتقـن أساليب التعبير عنه حتى لا يشعر الطرف الآخر بالإختناق، نحن ندرك مدى أهمية التعبير عنها بطريقة محببة تعكس رغبتنا بإمتلاك قلب من نحب.. بشرط عدم المبالغة فيها و تجنب الإيحاءات السلبية التي ترتبط فيها مثل الشك وسوء الظن".
الغيرة السلبية هي امتلاك الطرف الآخر وأنه لا يجوز له عمل أي علاقات تحت أي مسمى طالما ارتبط "بي" فأنا الآن أصبحت باباه وأمه وصديقه وصديقته وزميله وزميلته وأنتيمه وأنتيمته وكل أنواع العلاقات، وبناء عليه يجب عليه -على الطرف الآخر- أن يقطع كل هذه العلاقات ويكتفي بي وحدي، بينما –أنا- وخاصة "الرجل" أحتفظ بكل علاقاتي النسائية وغيرها سواء كان ذلك في العلن أو في الخفاء.
وهذه الغيرة السلبية (الإمتلاك) قايمة على أساس واحد وهو "الشك" فطالما وجد الشك وجدت الغيرة السلبية، فأنا لا أثق أولاً في نفسي وفي حبي للطرف الثاني، ولا أثق فيه ولا في حبه لي، فبالتالي أريد أن أحتفظ به في حجرة من زجاج وأقفل عليه ومعي المفتاح ولا يتعامل مع أي آخر إلا من خلالي -منتهى الأنانية- وما زاد على ذلك فهو من الشرير.
الغيرة السلبية لها مظاهر عديدة، كمكالمة التليفون التي حكيت عنها في البداية عن علاقة كلاً من الخطيبين بسناء وبأحمد، ثم بعد الزواج تأتي سلوكيات أكثر فيقع كل طرف تحت تفتيش الطرف الآخر سواء كان تفتيش جيبه أم محفظته أم شنطتها أم موبايله أم موبايلها، وكل مكالمة تأتي لأحدهما تجد التحقيق (س، ج) بعد كل مكالمة، ولا تسلم أكيد من خناقات ليه دا بيكلمكِ؟؟ وليه دي بتكلمك؟؟ مما يجعل كل طرف حريص كل الحرص على عمل مثل هذه المكالمات في أوقات لا يعلمها الطرف الآخر.!!
بينما الغيرة الإيجابية والتي نبعها الحب، هي غيرة عاقلة، جميلة، منعشة للحب، ومفرحة لقلب الشريكين، تسمح للطرف الآخر أن يصنع علاقاته وتثق في أنه خلال هذه العلاقات لن يخون الأمانة أبداً، فهذه الثقة وحدها كفيلة بأن تجعل الشخص أميناً لشريكه -حتى لو كانت هذه الأمانة ليست من صفاته الشخصية- يجعل كل علاقاته مكشوفة أمام الطرف الآخر طالما أنه لن يمارس "الخنقة" عليه.
من مظاهر الغيرة الإيجابية هي الغيرة من الوقت، وليس من فلان أو فلانة فقد تغار الزوجة من الوقت الذي يقضيه الزوج في العمل، أو أمام التليفزيون، أو الكمبيوتر، وتريد أن يقطع جزءا من هذا الوقت لها، والغيرة من تطاول أطراف أخرى سواء بالكلام أو باللمس على الشريك بطريقة غير لائقة أو تعدت الحدود، هنا نجد الشريك المحب يقوم بإبداء الملاحظات برقة ولطف وبلغة حب تشعر الآخر بأنه بالفعل محبوب وليس مقهوراً.
عزيزي القارئ... عزيزتي القارئة... هل تعلمت فن الغيرة؟؟ إنها سلاح ذو حدين أحدهما سلبي والآخر إيجابي، أنصحك إن لم تتعلم كيف تستخدم هذا السلاح أن لا تستخدمه نهائياً لئلا يؤذيك أنت شخصياً، وأرجو أن لا تغار غيرة "الخنقة" و"الإمتلاك" لشريكك وتجعله ينفر منك ويصنع أموراً كثيرة في الظلام؟
راجع نفسك ولا تكن مثل الخطيبين اللي قالوا لبعض: لا أنت تكلم سناء.. ولا أنتِ تكلمي أحمد.
يا شريكي: أحبك لكن لا تصنع من حبنا سجناً.
أخاف عليك وتخاف عليّ لكن لا تضع عليّ قيداً.
الغيرة شرٌ، إن أشعرتني إني سوف أخونك.
وهي خيرٌ، إن أشعرتني أني دوماً سأصونك.
اجعلني حرا، سأصنع من نفسي لك عبداً.
اجلعني عبداً، وسأحاول أن أكون منك حراً.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=170&I=4