القدس العربي - حسام أبوطالب
محاكمة خلية حزب الله تصعد الازمة بين مصر ونصر الله
أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في مصر امس الأربعاء أحكاما تتراوح ما بين السجن ستة أشهر والمؤبد بحق 26 متهما بـ'التخابر والإرهاب' وهي القضية التي عرفت إعلامياً بقضية 'خلية حزب الله' التي تم ضبطها أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. وتوقع المراقبون بعد هذه الاحكام تصعيد الازمة بين القاهرة وحزب الله اللبناني الذي يتزعمه السيد حسن نصر الله.
واصدرت المحكمة حكما غيابيا على محمد قبلان اللبناني الجنسية (هارب) رئيس قسم مصر بوحدة دول الطوق بحزب الله بلبنان و2 آخرين بالسجن المؤبد وعاقبت 3 متهمين بالسجن المشدد لمدة 15 سنة، وقضت بسجن 16 متهما 10 سنوات لكل منهم مع إضافة الحبس سنة مع الشغل لاحدهم، وتغريمه مبلغ 100 جنيه، وعاقبت 3 متهمين آخرين بالسجن من 7 سنوات إلى الحبس 6 أشهر.
وعقب النطق بالحكم ردد المتهمون داخل القفص عبارات ضد نظام الحكم المصري وهتفوا: 'حسبي الله ونعم الوكيل'، فيما قالت المحكمة كلمة قبل النطق بالحكم جاء فيها 'يقولون إن حزب الله أتى إلى مصر لمساندة القضية الفلسطينية. فما هي أوجه المساعدة في تهديد الأفواج السياحية في مصر واستئجار شقق وتصنيع عبوات ناسفة'.
صدر الحكم وسط إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة داخل المحكمة، خاصة أن المحكمة شهدت في نفس الوقت قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى.
بدأت الجلسة التي تابعها العديد من الفضائيات ومندوبو الصحف في العاشرة والنصف صباحا برئاسة المستشار عادل عبد السلام جمعة.
كما قضت المحكمة بالسجن ستة اشهر بحق حدث، إضافة إلى عقوبات أخرى تراوحت بين السجن عشرة أعوام وسبعة أعوام وعام واحد، كما قضت بمصادرة المضبوطات وإلزام المحكومين بدفع المصاريف.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن أفعال المتهمين المنتمين لخلية حزب الله لا تتفق ودعم الشعب الفلسطيني لأنه من غير المبرر أن يكون دعم الشعب الفلسطيني باستهداف سفن قناة السويس وتصنيع المتفجرات واستهداف السائحين في شمال وجنوب سيناء.
وأكدت على أن هذه الأفعال كان هدفها الإضرار بالاقتصاد وإشاعة الفوضى وتكدير الأمن العام للبلاد ومن المستحيل أن يتمكنوا من هذا لأن أمن مصر يحميه جهاز أمن يقظ ورجال أوفياء.
وانتابت حالة من السخط العام والتذمر أهالي المتهمين وفريق الدفاع الذي قال أعضاؤه بأن الأحكام جاءت قاسية للغاية وأكثر بكثير مما كان متوقعا.
وفور علم الأهالي بالأحكام أصيب عدد منهم بالصدمة، وقال عدد من الأمهات والزوجات أنهن كن يتوقعن عقوبات مشددة ولكن ليس بهذا القدر، مكررات التصريحات التي انطلقت طوال جلسات المحكمة بأن القضية سياسية تحاول مصر من خلالها معاقبة 'حزب الله' على خطاب أمينه العام حسن نصرالله الذي هاجم فيه مصر أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، مطلع العام 2009.
وتعد الأحكام التي أصدرتها المحكمة امس نافذة غير قابلة للطعن بحسب القانون المصري، الا أن من حق اقارب المتهمين تقديم التماس إلى رئيس الجمهورية يطالب بتخفيف الحكم عنهم. ويعني قبول الرئيس للالتماس إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى، اما إذا رفض الالتماس فلا سبيل سوى تنفيذ الأحكام.
واستغرقت محاكمة أعضاء الخلية 14 جلسة في غضون ستة أشهر. وثارت تكهنات حول مساع بذلها حزب الله وأطراف من سورية مع الجانب المصري من أجل أن تسوى القضية خارج نطاق القضاء غير أن تلك المحاولات لم تحقق نتائج ملموسة، وعزا بعض المراقبين ذلك للعلاقة السيئة التي تربط بين حزب الله والقيادة المصرية فضلاً عن رفض النظام المصري التساهل في أي قضايا تستهدف الأراضي المصرية وصناعة السياحة التي تعتبر المورد الرئيسي لمصر.
وكانت النيابة العامة طلبت من المحكمة الحكم بالإعدام على المتهمين، وأن المحكمة أهملت عدة طلبات لدفاع المتهمين، خاصة التي تطالب بالتحقيق في تزوير بعض أوراق النيابة، وهو الاتهام الذي إذا ثبتت صحته، أصبحت إجراءات المحاكمة كلها باطلة.
وينسب الى المتهمين - والذين تتراوح جنسياتهم بين لبنانيين اثنين و5 فلسطينيين وسوداني و18 مصريا - عدد من الاتهامات من بينها التخابر مع من يعملون لصالح جهة أجنبية 'حزب الله اللبناني' بهدف القيام بأعمال 'إرهاب' داخل الأراضي المصرية، وتحديدا ضد السفن والبوارج العابرة بقناة السويس والسائحين الأجانب والمنشآت السياحية.
كما اتهموا بالتخطيط لقتل سياح أجانب وبتهريب أشخاص وبضائع إلى قطاع غزة، وقد أكد المتهمون في جلسات المحكمة أنهم لم يكونوا يريدون الإساءة إلى مصر ولا تهديد استقرارها، بل كانوا يريدون فقط دعم المقاومة الفلسطينية ولم يسعوا أو يخططوا لقتل سياح أو للقيام بعمليات في قناة السويس أو ضد المصالح الأجنبية داخل الحدود المصرية.
وقد بدأت نيابة أمن الدولة العليا تحقيقاتها مع المتهمين في هذا التنظيم في ضوء بلاغ من مباحث أمن الدولة يفيد بقيام قيادات حزب الله اللبناني بدفع بعض كوادره لمصر بهدف استقطاب بعض العناصر لعضوية التنظيم لتنفيذ ما يكلفون به من قيادات الحزب، وذلك للقيام بأعمال إرهابية عدائية داخل الأراضي المصرية، وتدريب العناصر المدفوعة من الخارج إلى مصر على إعداد العبوات الناسفة لاستخدامها في تلك العمليات.
وواجه المتهمون ايضا تهم الانضمام لجماعة غير مشروعة كان الارهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق أغراضهم، وحيازة مفرقعات، والتزوير في الاوراق الرسمية (جوازات سفر).
كما نسبت النيابة للمتهمين تسهيل سفر البعض ممن يعملون لأهداف حزب الله إلى خارج البلاد بطرق مشروعة وغير مشروعة لتلقي التدريبات العسكرية وتدريبات على الرصد والمراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات بمعسكرات الحزب ثم العودة إلى البلاد لتنفيذ أعمال عدائية.
واتهمت النيابة أيضا المتهمين بحفر وتجهيز أنفاق تحت الأرض بمنطقة الحدود الشرقية للبلاد للاتصال برعايا دولة أجنبية (قطاع غزة بالاراضي الفلسطينية) وبالمقيمين بها واستخدامها في إخراج وإدخال الأشخاص والبضائع ومن بينها أسلحة ومتفجرات إلى مصر.
وأوضحت نيابة أمن الدولة العليا في مرافعتها أن المتهمين اللبنانيين عضوي حزب الله جندا عناصر مصرية وسودانية وفلسطينية وكلفوهم بمهام عديدة لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية وأمدوهم بالأموال خلال لقاءات مباشرة معهم أو بموجب تحويلات وصلت إليهم من حزب الله اللبناني، كما دربوهم على استخدام الشفرات في إرسال رسائلهم عبر شبكة الانترنت أو عبر الهواتف.
وذكرت النيابة في مرافعتها برئاسة المستشار عمر فاروق المحامي العام لنيابات أمن الدولة ان المتهمين الأول والثاني كونا تنظيماً يتبع حزب الله في مصر، وكان المتهم الأول محمد قبلان القيادي بحزب الله يتلقى تكليفات من قيادات عليا بالحزب في لبنان، وكان دوره هو تكليف آخرين في مصر بتلك المهام، ولم تتوصل التحقيقات إلى تلك القيادات، نظرا لعدم إلقاء القبض على المتهم الأول وهروبه خارج البلاد بالإضافة إلى وجود أسماء وهمية كثيرة شهدتها صفحات التحقيقات واعترافات المتهمين، بينما كشف المتهم الثاني سامي شهاب عن تفاصيل التنظيم الإرهابي كما وصفته النيابة، حيث قال إنه كان يتلقى التوجيهات والتعلم على تشفير الرسائل والتواصل مع باقي المتهمين عن طريق الإنترنت، باستخدام أسماء وهمية 'كناية'.
واكد الدفاع أن المتهمين تعلموا من تاريخ مصر كيفية محاربة الاستعمار، مطالباً بـ'البراءة' لهم. وقال إن النيابة لم تطلب توقيع الإعدام شنقاً على أي من المتهمين، مؤكداً أن أشد عقوبة ـ طبقاً للمواد المحال بها المتهمون إلى المحكمة ـ هي المؤبد، فهم، حسبما أضاف، لم ينفذوا أعمالا 'إرهابية'.
ودفع ببطلان التحريات والتحقيقات التي تمت مع المتهمين، مشيرا إلى أن المتهم الثاني سامي شهاب كان يقوم بتدريب بعض العناصر الفلسطينية في القاهرة لضمهم إلى المقاومة الفلسطينية وإمدادها بالأسلحة، ولم يهدف يوما إلى تنفيذ أعمال إرهابية في مصر.
وتساءل الدفاع: ما هي الدولة التي يعمل حزب الله على محاربتها؟ وأجاب على نفسه: 'أكيد مش مصر'.
وتوقع العديد من المراقبين أن تسفر تلك الأحكام على المتهمين وفي مقدمتهم المنتمون لحزب الله عن قطيعة شبه دائمة بين النظام المصري وحزب الله.
وفي هذا السياق أشار المحامي منتصر الزيات لـ'القدس العربي' الى أنه ليس من صالح النظام قطع علاقاته العربية، مشيراً إلى أن القضية الأخيرة بدت منذ بدايتها تشير إلى أنها سياسية بامتياز.
وكشف النقاب لـ'القدس العربي' عن ان الحكم غير قابل للنقض وأنه على المتهمين أو اسرهم أن يقدموا مناشدة للرئيس مبارك من أجل الحصول على عفو.
وتوقع عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق أن تسفر القضية عن تردي العلاقة بين الحكومة المصرية وحزب الله. معتبراً عدم رغبة النظام بتقوية العلاقة مع حزب الله بأنها حماقة وذلك لأن لذلك الحزب بعدا قوميا فهو شوكة في ظهر العدو الإسرائيلي ومن مصلحة مصر العليا أن تدعم علاقاتها معه.
غير أن اللواء نبيل لوقا بباوي القيادي في الحزب الحاكم اشار لـ'القدس العربي' بأن مصر ليست بحاجه للحزب اللبناني الذي يخطط ضد المصالح العليا لمصر ولايريد للمصريين الإستقرار، وشدد على أن مصر دولة حرة وقوية ومستقرة وليست بحاجة لميليشيات للدفاع عنها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=17187&I=427