نصر القوصي
بقلم : نصر القوصى
لقد منحنى القدر فرصة لا تتكرر كثيرا مع غيرى لزيارة مجموعة من الأديرة المصرية وقد كانت أسباب هذه الزيارات أما لمشاكل مطلوب منى تغطيتها صحفيا داخل هذه الأديرة أو زيارات عادية مع أصدقاء حيث زرت دير القديسين بمدينة الطود بالأقصر ودير الفاخورى بمدينة أسنا ودير مارجرجس الرزيقات بأرمنت ودير الشايب على مشارف محافظة الأقصر ودير تاوضروس المشرقى بالبر الغربى بالأقصر
وقد عشت بداخل هذه الأديرة تجارب أنسانية رائعة فقررت أن أطرح هذه التجارب أمام الجميع أسرد فيها ما رأيته بعينى فمن يرى ليس كمن يسمع وقد كانت التجربة الأولى لى بداخل دير تاوضروس المشرقى الشهير بدير "المحارب " وأشتهر بهذا الأسم نظرا لأنه كان قائدا كبيرا خاض العديد من الحروب ضد الفرس وإنتصر فيها
تمت الزيارة منذ فترة حيث أتصل بى أكثر من صديق فى ذلك الوقت يخبرنى بأن هناك مشكلة مياه بداخل الدير بعدما رفض أحد العاملين بالآثار مد مواسير المياه للدير فقررت أن أذهب الى هناك بصحبة صديق لى هو الآن يعانى من مرض شديد ادعو الله له بالشفاء ليعود مرة أخرى لكل من يحبونه وكان معى أيضا المرشد السياحى أحمد مصطفى فنجان الذى يهوى زيارة هذه المناطق الآثرية وتصويرها وأخذ معلومة عنها بحكم عمله كمرشد سياحى
يقع الدير فى حضن جبل البر الغربى بمحافظة الأقصر وأقرب منطقة سكنية له هو نجع باسيلى الذى يقطنه غالبية مسيحية ، توجد خارج الدير جبانة لدفن الموتى بجانب بئر للمياه الجوفية وللدير بوابة خشبية كبيرة مكتوب فوقها أسم الدير وبمجرد دخولنا للدير أخذتنا الراهبات فى جولة فى جميع جنباته
فيوجد به حجرة كبيرة يتم فيها تقديم الطعام للضيوف وبالقرب منها توجد مكتبة الدير التى تحتوى على مجموعه من الكتب الدينية والتاريخية التى تتحدث عن تاريخ الدير بجانب عشرات الصور الخاصة به فى مراحل زمنية مختلفة وبعض الهدايا التذكارية التى يأخذها زوار الدير كبركة من المكان ثم الى الأمام يوجد ما يعرف بفنطاس المياه حيث يتم تخزين المياه التى يتم جلبها على عربة كارو من منازل نجع باسيلى به وبجواره مجموعه من صناديق الموتى الفارغة وعلى اليسار توجد دورة مياه متهالكة أمامها لوحة خشبية منقسمة الى نصفين النصف الأول مكتوب عليه دورة مياه للنساء والنصف الثانى مكتوب عليه دورة مياه للرجال وهى مخصصة لضيوف الدير أو الذين ياتون خلف الجنازات
ثم غرفة معلق عليها لافتة مكتوب عليه مزار الدير وهى عبارة عن حجرة مدفون بها رؤوساء الدير السابقين من القمص بسادة أبو الليف والقمص عازر القمص متى والقمص متياس القمص تاوضروس والقمص داورد القمص جرجس وبجوارهم قبر عالم المصريات الآثرى لبيب حبشى المدفون بداخل الدير منذ وفاته عام 1984 وهو من أعظم علماء المصريات الموجودين بمصر عمل فترة طويلة بالمنطقة الآثرية الملاصقة للدير وأوصى بعد مماتته بضرورة دفنه داخل الدير
وأمام كل ذلك مبنى قديم معلق عليه صورة القديس تاوضروس المشرقى وبمجرد دخولنا بداخله وجدنا منطقة فسيحة مسقوفه بألواح الخشب ومحمله على أعمدة خشبية موجود بها دولاب بالزجاج معروض فيه نوعيات مختلفة من عسل النحل وصندوق للنذور وتليفون ولوحة كبيرة مكتوب عليه باللغة الأنجليزية معناها باللغة العربية " من فضلك لا تلتقط الصور ولا تدخن " بهذا المكان ثم دخلنا كنيسة الدير وهى عبارة مبنى قديم جدا جدا مسقوف بطريقة القباوى وهى الطريقة التى بنى بها المعمارى العظيم حسن فتحى قريته لتهجير سكان جبل القرنة تتميز هذه الطريقة بالحد من حرارة الشمس ليظل المكان رطبا
ثم خرجنا لنجلس فى فناء الدير مع مجموعه من الراهبات الذين تركوا متاع الحياة الدنيا وفضلوا الرهبنة على الحياة العلمانية سلكوا مسلك الراهبات والرهبان الأوائل بعدما اجتازوا الاختبارات الصعبة التي تسبق الرهبنة سائرين بذلك على مسلك ودرب الآباء والأمهات الأوائل
سردوا لنا خلال هذا الحوار كيف رفض المسئولين عن محافظة الأقصر توصيل مواسير المياه للدير بحجة أن المنطقة آثرية في حين أن الدير نفسه أقدم أثر بالمنطقة وقد رأيت بعينى كيف يتم أستخدام عربات الكارو لنقل المياه بداخل الدير من البيوت المجاورة نظرا لأن البئر الموجود بجوار الدير قد نضبت مياهه كما أن المياه الموجود ه به غير صالحة للإستهلاك الآدمي نظرا لملوحتها مما جعل القيادة المسئولة عن الدير تقوم بإنشاء شبكة للمياه فوق سطح الأرض
وبعد أن حصلوا على موافقة جميع المسئولين وصدرت المقايسة بالتنفيذ وبعد أن أنجزوا جميع الإجراءات وقبل وصول ماسورة المياه إلى الدير بحوالي 50 متر جاء فى ذلك الوقت موظف بالآثار وقام بكسر خط مواسير المياه على الرغم من أن المقايسة مصدق عليها من محافظة قنا قبل صدور القرار الجمهورى الخاص بتحويل الأقصرالى محافظة بجانب أن الدير بعيدا عن المنطقة الأثرية وفى الوقت الذى رفضوا فيه توصيل المياه للدير قاموا بتوصيلها إلى البيت الفرنسى المقام فوق قصر الملك مرنبتاح بمنطقة الملقطة الأثرية والموجود بها حمام سباحة يؤدي إلى زيادة المياه الجوفية وقد كتبت عن المشكلة وكتب غيرى حتى أتخذت اللجنة الدائمة للمجلس الأعلى للآثار والمكونة من خمسة أفراد برئاسة الآثرى عبد الفتاح الصباحى على أستكمال خط مواسير المياه العذبة ليصل بداخل دير المحارب وقد تم توصيل المياه للدير بالفعل
وفى نهاية الزيارة دخلت الأم أفومية وهى كبيرة الراهبات هناك الى داخل مكتبة الدير تبحث لنا عن هدية تقدمها لنا كتذكار من الدير فلم تجد أفضل من كتيب صغير عن الدير وقد فوجئت بأن مؤلفه مسلم وهو الآثرى المحترم عبد الجواد عبد الفتاح الحجاجى
يؤكد الكتاب أن دير المحارب من أقدم الأديرة الخاصة برهبنة الراهبات على مستوى الكنيسة المصرية حيث قامت الملكة هيلانة ببنائه في القرن الرابع ولكن تهدم في القرن الحادى عشر إلى أن ظهر الشهيد (تاوضروس المشرقي) الشهير بالمحارب للحاكم الإسلامي في ذلك الوقت لمدة ثلاثة ليالي متتالية يطلب منه بناء الدير فطلب منه الحاكم الإسلامي موقع الدير فأحضر الوالي كتيبة من العسكر لإعادة بناء الدير وأوصى عمدة البعيرات في ذلك الوقت بتقديم أية مساعدات يحتاجها الدير يعتبر الدير مصدر إشعاع لعدد 14 قرية مجاورة حيث يحضر إليه من 600 إلى 700 شخص في قداس الأحد والجمعة ويجاوره مدفن خاص بالدير كغالبية الأديرة حيث يأتي وراء الجنازة من 200 إلى 300 شخص مشيع وها قد أنتهت التجربة الأولى التى سردت فيها كل ما رأيت بعينى والى اللقاء فى تجربة جديدة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=17284&I=430