"أوان انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي.. لم يـحِـن بـعـدُ!"

SwissInfo.ch

"يجب على سويسرا أن تصمُـد بوجه الدعوات المستمِـرّة للالتحاق بشكل كامل بالاتحاد الأوروبي".. هذه هي الخُـلاصة التي توصل إليها تقرير أعدّته أهمّ مجموعة ضغط تُـدافع عن مصالح الإقتصاديين ورجال الأعمال في البلاد.

على العكس من ذلك، يُبدي القطاع المصرفي مؤشرات استعداد في الوقت الحاضر، لاستكشاف إمكانية توسيع العلاقات الثنائية بين برن وبروكسل، لتشمل الخدمات المالية، تجنّـبا لخطر تهميشها، نتيجة للقوانين الأوروبية، التي أصبحت تتّـسم بصِـبغة حمائية متزايدة في الآونة الأخيرة.

التقرير الذي نشرته رابطة الشركات السويسرية أو Economiesuisse  "معاً.. لكننا مُـنفصلون"، هذه هي نوعية العلاقة التي يُـصرّ عدد لا بأس به من السويسريين على إقامتها مع الاتحاد الأوروبي. في زيورخ يوم الثلاثاء 18 مايو 2010، استبعد احتمال تحوّل سويسرا إلى عُـضو كامل في الاتحاد الأوروبي أو انسحابها بشكل تام من التعامل مع الفضاء الأوروبي.

وكانت سويسرا قد تفاوَضت مع الاتحاد الأوروبي بخصوص سلسلة من الاتفاقيات الثنائية منذ أن رفض الناخبون في موفى 1992 انضمام بلادهم إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، وتشمل الاتفاقيات مشاركة الكنفدرالية في حرية تنقل الأشخاص بين الدول والتحاقها بمنطقة شنغن.

وفي عام 2001، عزّز تصويتٌ شعبي آخر مناهِـض لتوسيع المحادثات من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، موقِـف سويسرا المتمسِّـك بالنهج الثنائي، لكن توسّـع الاتحاد، الذي أصبح يضم 27 دولة والإنتقادات المتصاعِـدة لأنظمة وقوانين سويسرا في المجالين، المصرفي والضريبي، سلّـطت المزيد من الضغوط على الكنفدرالية لتتّـجه نحو العضوية الكاملة.

"تراجُـع التأثير"

في خطاب ألقاه مؤخّـرا، أشار ميكائيل ريتيرر، سفير الاتحاد الأوروبي لدى سويسرا، إلى أن مستقبل الشبّـان السويسريين "يكمُـن في أوروبا". من جهته، حذّر دينيس ماكشاين، البرلماني البريطاني وعضو المجموعة البرلمانية البريطانية – السويسرية في وقت سابق من هذا العام، من أن سويسرا بصدد فِـقدان القدرة على التأثير من خلال استمرار بقائها خارج الاتحاد الأوروبي.

واقِـعيا، تزيد الأحداث الجارية في أوروبا، التي أدّت إلى تراجُـع مثير في قيمة اليورو ومشاكل الديون، التي أرغمت أعضاء الاتحاد على اتِّـخاذ قرارات استثنائية لإنقاذ الدول التي تُـعاني من تفاقم المديونية، إلى تعزيز قناعة الناخبين السويسريين بصحّـة موقِـفهم، بل إن أداء الاقتصاد السويسري "المعزول"، كان أفضل بكثير من أيّ بلدٍ أوروبي خلال الأشهر القليلة الماضية.

لهذه الأسباب مجتمعةً ولغيرها، تعتقِـد Economiesuisse أن الاقتصاد السويسري سيستفيد بشكل أفضل من خلال مواصلة انتهاج المسار الثنائي، حتى في صورة غِـياب الصعوبات الحالية في أوروبا. وفي هذا الصدد، حذّر التقرير الصادر عن مجموعة الضغط لفائدة الشركات والقطاع الاقتصادي عموما، من مخاطِـر الزيادة في القوانين والترتيبات والتكلفة، مُـقترنة بفقدان الاستقلالية السياسية، في صورة انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي.

في السياق نفسه، ستؤدّي العُـضوية الكاملة في الاتحاد، إلى تهديد النِّـسب الضعيفة للضرائب في عدد من الكانتونات السويسرية، التي تجتذب الشركات الأجنبية من البلدان الأوروبية، خصوصا وأن بروكسل انتقدت في السابق هذه الإستراتيجية واعتبرتها مُـنتهِـكة للقواعد التنافسية.

من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أنه، في صورة إلغاء سويسرا للروابِـط الثنائية القائمة اليوم والالتحاق بشكل كامل بالاتحاد، فإن ذلك سيؤدّي إلى إضعاف العلاقات الاقتصادية والإنتاجية المحلية.

استفادة بدون خسارة؟

في معرض الردّ على الانتقادات، رفض باسكال جينتينيتّـا، مدير Economiesuisse، اتِّـهام البعض لسويسرا بانتقاء أفضل ما هو موجود من الاتحاد الأوروبي، وقال في تصريحات لـ swissinfo.ch "إن المسار الثنائي يخدِم المصلحة المتبادَلة للطرفيْـن"، بل إن "الميزان التجاري يميل لفائدة الاتحاد الأوروبي (بلغت قيمة الفائض في الميزان التجاري لفائدة الاتحاد الأوروبي 24،7 مليار فرنك في عام 2008)".

واعتبر السيد جينتينيتّـا، أنه "من المنطِـقي أن تعتمِـد سويسرا القوانين الأوروبية في بعض المجالات وأن تحتفِـظ باستقلاليتها في عدد من القِـطاعات الاقتصادية الصانعة للقرار، مثل السياسات النقدية والجبائية".

في سياق متّـصل، جدّدت Economiesuisse الدعوة إلى مزيد توسيع العلاقات الثنائية، لتشمل مجالات التجارة في الطاقة والزراعة وتقنين القطاعات الكيماوية والصيدلانية والمبادلات في الخدمات العامة. مع ذلك، يبدو أن سويسرا ستجد نفسها مضطرّةً لمُـواجهة القضية الشائكة، المتمثِّـلة في إضفاء قدر أكبر من الانسجام على قِـطاع المعاملات في الخدمات المالية مع الاتحاد الأوروبي.

وكما هو معلوم، فإن هذه المسألة كانت من المُـحرّمات في السابق، على غِـرار الحديث عن حلول وسط في مجالات أخرى، كالسرية المصرفية وتبادل المعلومات الضريبية الخاصة بالمواطنين الأوروبيين، إلا أن الأمور تطوّرت في اتجاه مُـغاير في العامين الأخيرين.

العقبات لا زالت قائمة

رغم كل شيء، وفيما تستعدّ أوروبا الآن لاستصدار قوانين جديدة، يُـمكن أن تؤدّي إلى استبعاد الدول غير الأعضاء في الاتحاد من المنافسة، وخاصة في مجال الاستثمارات البديلة، تجد سويسرا نفسها بوجه مُـحفِّـز جديد للتفاوض مع أوروبا بخصوص هذا القطاع.

ويقول كلود ألان مرغيليش، نائب المدير التنفيذي لرابطة الصيارفة السويسريين في تصريحات أدلى بها إلى الصحفيين في زيورخ: "للاقتصاد السويسري مصلحة في انفتاح سوق الخدمات المالية"، وأضاف "إن قطاعا ماليا مُـندمِـجا، سيُـسهم في تعزيز القُـدرة التنافسية لأوروبا تُـجاه القطاعات المالية الكبيرة والديناميكية في الأمريكيتين وآسيا".

ومع احتمال وجود رغبة جديدة في استكشاف إمكانيات التعاون في مجال الخدمات المالية، إلا أن السيد جينتينيتّـا أوضح أن العقبات التي لا زالت قائمة على هذا المسار، تظلّ عسيرة على التفاوض. وقال: "سيكون من المهمّ احترام رغبتنا في عدم الموافقة على تبادُل آلي للمعلومات (في حالات ترتبِـط بتحقيقات حول تهرّب من دفع الضرائب في الخارج) وسعْـيِـنا للاحتفاظ بسلطة التعديل الخاصة بنا"، وأضاف "لم نقُـل أبدا إننا رافضون لكل شيء، لكن الأمور لا يُـمكن أن تسير على هذا النّـحو، إلا إذا تمكّـنا من العثور على مصالح مُـشتركة".